يُحبُّ الحرُّ أَنْ يحْيَا طليقًا............كَمثْل الطيْر في حضْن الوجود
إذا الظلماء قد عابتْ قصيدي............فَمدْح النورِ يكفي للقصيد
و أرْفضُ في الحَياة تَنازلاتٍ..........تُكَلِّفُني الخُضوعَ إلى الحَقود
أُحِبُّ الليلَ حينَ يمرُّ نوْمًا.............و أَكْرهُه مُرورًا في السهود
وأعْرفُ أنَّ بعْدَ العسْر يسْرًا.........كمَا عُرفَ النُّزولُ منَ الصعود
إذا لمْ ألقَ صدْقًا في مكانٍ............فلنْ يَلْقى حُضوري منْ جَديد
فكلّ تجمُّع بالكذْب يغدو....................غريبًا غامضًا جمَّ القيود
و كلُّ تجمّعٍ بالصدْق يغدو.................بهيًّا واضحًا جمَّ السعود
يكون الشكُّ مرْفوضًا إذا ما..............تجاوز حدُّه سقْف الحدود
و ليْتَ الدَّهرَ يدْني أقْرِبائي...............وَ يُبعدُ صَوْلةَ الهمِّ العتيدِ
و مَا عابَ الصّحابُ عليَّ أني .........أميل إلى التهاون و الركود
و منْ أجْل الوصول إلى مرادي........فإني لنْ أفرّط في الصُمود
رأيتُ النصْرَ يأتي بَعْد جُهدٍ............و لا يأْسٌ مع النَّفَس الجديد
و لولا الصَّبرُ لمْ يقْدرْ أناسٌ .........على تذْويبِ أشْواط الصعود
جبالُ الأرْض لا تَنْهارُ ضعْفًا..............أمامَ قساوة الدَّهْر العنيد
و مَنْ لمْ يَهْو في الدُّنْيا التحَدِّي......يَعشْ في قبْضة القاعِ الوهيد
و لوْ كانَ القُعودُ يَجرُّ مَجْدًا ...........لكانَ المجْدُ في كنفِ القعود
و لوْلا الصُّبْحُ ما غَنَّتْ طيورٌ........و مَا لَمعَ الجمالُ منَ الورود
لَعُمْركَ ما الفؤادُ بلا طُمُوحٍ.........سوى عبْءٍ على هَذا الوُجود
فَتَى الأيَّام منْ يَبْقى مُصِرًّا..............عَلى نيْلِ المَطالب بالجُهود
سألتُ ظلامَ الليل حين غفا الورى....و لم يبْق غيرُ الصمْت عنْ بهجة العمر
فقال تمسّكْ بالكفاح فربَّما ..................تكونُ مع الأزهار في ضفّة النهرِ
فرحْتُ إلى الأَزْهار أَحْملُ عدّتي..........وقلبًا صَبورًا في الطريق على السير
و لكنْ وجدْتُ النهْرَ قدْ فاضَ فاخْتفتْ....كأنْ لمْ تكنْ دنيا منَ العطْر و السّحْر
جَمَعْتُ أَحَاديث العلى و حَملْتُها ...............معي مثْلَ عكَّاز أَشدَّ به أزري
دَخلْتُ إلى العُمْران عنها مُفتشًا........و لمْ ألق ما يقضي على صَوْلة الضرّ
وَجدْتُ زُحامًا غارقًا في ضجيجه........وَ فوْضى تزيد المرْءَ وِقرًا على وِقر
وطفلاً يلاقي الضرَّ في أوَّل العمر.......و شيخًا يلاقي الحيفَ في آخر العمر
وجدتُ أناسا يشتكون خصاصةً...........و يحيون مَحْبوسين في عالم القهر
فمَا أَتْعسَ الإنسانَ في قَبْضَة العُسْر.....وَ ما أَسْعدَ الإنْسَانَ في فسْحَة اليسر
جَلَسْتُ و لكنْ مثلمَا يَجْلس الذي............أحسَّ بأوجاع الحُمولة في الظهر
وَ حتَّى حواشي الفجر لَمَّا سألتها .........أجَابتْ بقولٍ جاء مُرًّا على فكري
أنا الآن في شغلي فدعْني ولا تكنْ........مُصرًّا على تَحْويل صفْوي إلى كدْر
جَلَسْتُ لكيْ أرتاحَ ظهْرًا كَأنَّني...........لشَوْقي إِليْهَا قدْ جَلَسْتُ على الجَمْر
و لمَّا سألتُ الطيرَ عنها أجابني............سؤالكَ لمْ أفهمْه فاسْألْ به غيري
دَخلتُ إلى الصَّحْراء عنْها مُفتّشًا .........و لا شيْءَ فوقي غَير صَانعة الحرِّ
وَجدْتُ سرابًا يملأ النفسَ بالأسى............و حَرًّا شديدًا يملأ الجسْمَ بالضر
فعدْتُ منَ الصَّحْراء مُرْتعشَ الخطى.......كمثل الذي لمْ يصْحُ بعدُ من السُّكْر
سألتُ غمامَ الصُّبح عَنهَا فقال لي.........بربّكَ رحْ عنِّي فلسْتُ الذي يدري
وفتَّشْتُ عنها في البساتين والربى....وفي الدير والأَكْواخ والحِصْن والقصْرِ
دخلتُ الى تلك البقاع بلهْفة .............و لم ألق ما فيه الخلاصُ من الوِقْر
وواصَلْتُ عنها البحْثَ منْ كلِّ جانبٍ....دعاني إليها الشوقُ في السرِّ والجَهر
إذا السأمُ في التَّفتيش حام بجانبي........تقوَّيْتُ بالإصْرار و العزْم و الصَّبر
فلا تُدْركُ الأشياءُ دونَ مشقَّة.............و لا بدَّ في الدنيا من الحلو و المرِّ
و أنَّ قويَّ النفسِ منْ ظلَّ صَامدًا.........و لمْ يَتوَقَّفْ في الطريق عن السَّير
وأنَّ الفتى إنْ لم يكنْ ذا عزيمة.................تَجاوزَهُ نهرُ المعالي إلى الغير
و بعدَ مُعاناة الكِفاح وجدْتُها.................فَأغْلقْت ُ أَبْوابَ التذمُّر في دَهْري
وفارقْتُ دنيا النَّحْس والعسْر والأسى.....وعانقْتُ دنيا السّعْد واليسْر والبِشْر
غيابُ التي في القلب عندي مقامها......أطاحَ بعهْد الوصْل وهْوَ خصيبُ
لقدْ وعدتْني بالبقاء وأخْلفتْ.............و في الخُلف حقّا بالوعود ذنوبُ
و نابتْ عن الوصْلِ الذي كان بيننا............بديعًا فريدًا فُرْقةٌ و كُروبُ
لقد فارقتْ مَنْ لا يريد فراقها.................فضاقتْ به أوقاته و دروبُ
وما خلْتُها يوما سترْحل هكذا..........و أبقى حليف اليأس وهْو عصيب
بها مُنْذ وقْتٍ مُغْرمٌ و متيمٌ.................وما لسواها في الفؤاد نصيب
أيا لائمي دعْ عنك لومي فإنَّه.................تضيقُ به منذ القديم قلوبُ
أنا اليومَ في بحْر التعاسة غارقٌ..........و ما مُنْقذي إلا الوصال يؤوبُ
إذا رمْتُ شيئا بالعزيمة نلْته...............فذو العزْم دوما للمرام مُصيب
و إنْ رمْتُ رغْم العزْم نسْيانَ حبِّها............فإني لِما أصبو إليه أخيبُ
إذا ما تذكّرْتُ الذي كان بيننا..................يكاد فؤادي بالحنين يذوب
لقد حال بعد القرْب بيْني و بيْنها...........بعادٌ و سيرٌ بالضياع مشوب
وبعد حياةٍ كانَ عُنْوانها الرضى............لقيتُ الذي منه الصبيُّ يشيبُ
لقد كنْتُ أحيا في هناءٍ و غبطة............ لأنَّ زمانَ الوصْل كان يطيبُ
فأصْبحْتُ أحيا متْعبا مُتألمًا................كمثل مريضٍ غاب عنه طبيب
لقدْ مزَّق الهمُّ الطويل سكينتي................و يا ليْته لمْ تبْدُ منْه نيوب
لقد قلَّ عنها الصبْرُ فهْي أميرتي........ وما خلْتها عنْ عرْشها ستغيبُ
يحنُّ إليها القلْبُ في كلِّ لحْظةٍ ...........كما يوْمَ عيد الفطْر حنَّ غريبُ
فما عاد شيْءٌ يسْعدُ القلبَ مثلها..............تمرُّ الليالي و الفؤادُ كئيب
تولَّى زمانُ القرْب وهْو منعَّمٌ............و جاء زمانُ البعد وهْو عصيب
فما أجْملَ الأيّامَ و الوصْلُ حاضرٌ............و ما أقبح الأيّام حين يغيبُ
أرى الهجْر دوما جدَّ قاسٍ فإنه...............لكلِّ مُحبٍّ لوْعةٌ و شحوبُ
يودُّ الفتى ألا يغيبَ سرورُه...................و ذلك ما لا تبْتغيه خطوبُ
تُملُّ حياةٌ أصْبحتْ لا يزورُها..........مع الوقت منْ ريح السرور هُبوبُ
يظلُّ وحيدًا كَسيرَ الفؤاد.............كَمنْ خَانه أَقْربُ الأصْدقاءِ
إذا الليلُ حلَّ و لمْ يبْقَ إلا.....الدجى باتَ يرْعى نُجومَ السَّماء
يُعذِّبه السهْدُ في كلِّ ليلٍ.........و ما في الصباح له منْ عزاء
لقد ضَاق ذرعًا بنقْص الطعام ....كما ضاق ذرعا ببرْد العراء
يودُّ الهناءَ و لكنْ سَيبقى...........مع الفقر ما يبتغي جدَّ ناء
فلا شيْءَ إلا الرزايا لديه .....و لا شَيْءَ غير الأسى و البكاء
أرى المرْءَ يَبْقَى حليفَ الجروح..إذا كانَ في العيْش قيْدَ الشقاء
ويبْقَى حليفَ الرضى والسرور..إذا كانَ في العيْش ملْءَ الرخاء
لقد ضاق بالضُّرِّ ذرعًا كَمثل.......مَريضٍ يقاسِي غيابَ الدواء
فلا تَبْخلوا بالنّدى و الحَنان ...........عليه ليرْتاحَ بعدَ العناء
و لا تَدْفعوه إلى اليأْسِ منْكُمْ ........إذا ما ركبْتُمْ ركابَ الجفاء
من العيْب أنْ يُكْنزَ المالُ وهْو ........أساه يظلُّ بدون انْقضاء
فمَا قيمةُ المال إنْ لمْ يغيّرْ.....إلى الدفْء عيْشًا ككهْف الشتاء
وخيرُ الورى من تراه العيونُ....لمَنْ يشْتكي الفقرَ أهلَ السخاء
إذا راح عبْءٌ ثقيلٌ عليه........سيغدو كثيرَ الرضى و الصفاء
فلا بدَّ أن يُبْعدَ الفقرُ عَنَّا .........فما فيه غيرُ الأذى و الشقاء
سيأخذُ مَنْ يفْعل الخيرَ عند ......الذي خلقَ الكون خيرَ العطاء
هنيئا له حين لا المالُ يجْدي......و لا الجاهُ و العزُّ يومَ الجزاء
أرى القلْبَ في المرْءِ مثلَ الإناء....فطهّرْ من الحقد كلَّ الإناء
و حافظْ على العقل منْ كلِّ سوءٍ.....ليبقى مُشعًّا بنُور الذَّكاء
و كافحْ ولا ترْض عيْشًا مريضًا.......لتبْلغَ مجْدًا رفيعَ البناء
و لا تحْسبِ المجْد دونَ العناء.......فما المجدُ إلا ثمارُ العناء
إذا ما الفتى لم يكنْ ذا طموح.........فذاك لعمْركَ بدْءُ الفناء
و أكثرْ من الخيْر مادمْتَ حيًّا......تنلْ أجْرَه منْ سَميع الدعاء
إذا ما رأيْتَ مريضًا يعيشُ......وحيدًا حليفَ الأسى و الشَّقاء
فلا تتَجاهلْ مُعاناته...............و ساعدْه واعْتَن كلَّ اعتناء
فإنَّ اعْتناءَكَ يبْقى له................مُهمًّا ليطرقَ بابَ الشفاء
و صَاحبْ أنَاسَ التُّقَى والصَّلاح ...فهمْ دائمًا أفضلُ الأصدقاء
وَدافعْ عن العِلْم حَتَّى يظلَّ...........لدَاء الجَهالة خيْرَ الدواء
ولا تشْرب الخمْرَ حتَّى تظل َّ..........حياتُكَ مُتْرَعةً بالصفاء
و لا تتسرَّعْ وخذْ بالتأنّي.........ولا تتْركِ الوعْدَ دون الوفاء
و لا تُفْشِ سرَّكَ يَوْمًا لشَخْصٍ.....ولوْ كانَ منْ أقْرب الأقْرباء
دَعِ البُخلاءَ إنِ احْتَجْتَ يَوْمًا..إلى العوْن واقْصُدْ أناسَ السخاء
يميلُ البخيلُ إلى الشحِّ دوْمًا....و ما الشحُّ منْ شيم الأسْخياء
إذا ما أساءَ مُسيءٌ إليكَ.............فَخُذْ بالتسَامُح لا بالعَداء
ولا تتكبَّرْ على الناس يوْمًا .....فما الكبْرُ منْ شيم الأسوياء
خفِ الله فهْو يَرى كلَّ شيْء........و كنْ مُستعدًّا ليوم الجزاء
ولا ترْجُ خيرًا من الحاقدين ....و إنْ أظْهَروا لك روحَ الإخاء
إذا وَجدوا فرْصَة ً منْكَ نالوا ......فما عنْدَهُمْ لكَ غيْرُ البلاء
يَكونُ الفتى طامعًا في المُحال.....إذا رام عمْرًا بدون انقضاء
لقد وُجد المرءُ لا للخلود............و لكنْ ليذْهبَ نحو الفناء
و ليس له مَلْجَأٌ في الوجود......يَقيه و يَحْميه منْ ذا القضاء
تساوى لدى الموْت كلُّ العباد.....فأهْلُ الخصاص كأهل الثراء
سيُبْعَث يوْمَ الحِساب الجَميعُ......و يُكشَف ما كانَ قيْد الخفاء
و بعد الحساب فإمَّا حياةُ............النعيم و إمَّا حياة الشقاء
فمَنْ فاز عاشَ حليفَ النّعيم .....و منْ خابَ كان من الأشقياء
و مادمْتَ حيًّا تذكَّرْ بأنَّ...........لدى الله ما تبْتَغي مِنْ عطاء
تَنبَّهْ ولا تبْق ملْء الضلال.........تجُوب الحياةَ بدون اهتداء
و كنْ مُسْتَعدًّا ليوم الحساب........و وفّرْ من الزاد كلَّ اكتفاء
و لا تدعِ العمْرَ يمْضي هباءً...........فذاك لعمْركَ شرُّ البلاء
فلنْ يَمْنع الموْتَ عنكَ الطبيبُ..........و لا ما تقدِّمهُ منْ فداء
سَينْدمُ حين يحينُ الحسابُ......الذي ليْسَ منْ معْشَر الأتْقياء
ويبْكي على فرْصةٍ منْه ضاعتْ.....وما منْ سميع لذاك البكاء