حوار مع الأديب الفلسطيني نواف أبو الهيجاء حاورته سولاف هلال
نواف أبو الهيجا.. الأدب سلاحي لمواجهة قاتلي
حاورته سولاف هلال
لن يكون نواف أبو الهيجاء استثناء من القاعدة الفلسطينية العامة في أنه عاش المنفى والشتات والضياع والغربة على نحوٍ مستمر وطيلة عقود ستة؛ ولن يكون أبو الهيجاء خارجاً عن سرب المثقفين الفلسطينيين الذين عانوا مرارات الاحتلال والهجرات المتعاقبة في المنافي الكثيرة، بحثاً عن الذات والوطن معاً في ثنائية متلازمة أحدها يقود إلى الآخر ويسمو معه.
وربما كان المبدع الفلسطيني من أكثر المبدعين العرب اتصالاً بوطن غيّبته السياسات المختلفة والاحتلال الصهيوني عبر القصيدة والقصة والرواية وكل أشكال التعبير الإبداعية، ومن المؤكد ان أبو الهيجاء كان ولا يزال ضمن القافلة الفلسطينية المبدعة التي أنهكها التجوال المضني في أروقة الحياة والمنافي القسرية. والحوار مع أي مبدع فلسطيني هو حوار الجذور والبدايات والطفولة والمكان الضائع، وفيما يلي نص الحوار:
ماذا تذكر عن فلسطين... المكان والذاكرة ومعين الإبداع لاحقاً ؟
كنت في الخامسة والنصف من العمر، مع ذلك أقول لك أذكر قريتي عين حوض وأذكر قرية جدي أم الزينات وأذكر كيف سقطت حيفا لأنني كنت فيها مع أبي ـ حيث كنا في السوق نشتري السمك والموز وفجأة اشتعلت الدنيا نارا واضطرابا وصراخا وقتلا وأصوات إطلاق النار وحتى انني شاهدت دبابة صغيرة تنطلق في (الهادار) وتقذف النار.واذكر أيضاً كيف خرجنا ـ انا والوالد والوالدة وشقيقتي ـ فقط من القرية والى جنين، ضمن الآلاف من أبناء قرى الشمال- وتحديدا من أهالي قضاء حيفا « أهالي اجزم وجبع وعين غزال والطيرة وأم الزينات.
وسواها».. كنا نتسلل تحت جنح الظلام ولكن الصهاينة كانوا يراقبوننا وصاروا يصرخون بمكبرات الصوت علينا أن نركض إلى الجانب الآخر إلى جنين. هذا أبرز ما أذكره من «البلاد».
الفن الفلسطيني والسياسة خطان متوازيان يعبران عن انتمائك الحقيقي لوطنك، لكن لماذا التداخل بينهما؟ وما الفارق بينهما؟
في الواقع الفلسطيني ليس ثمة الا الترابط والتداخل والتلاحم بين السياسي والفني. فالسياسي والفني ـ فلسطينيا ـ متداخلان، وعليه فإن الإبداع الفلسطيني ـ الواقعي ـ الصادق ـ يجري بانسيابية قراءة علمية وموضوعية لتناقض العلاقة بين القاتل والقتيل بين المجرم والضحية بين مشروع القاتل ومشروع القتيل، بين من انتزعت منه أرضه ومن احتل ارض الآخرين وأقام عليها واستوطن فيها واستغلها.
يمكن لي هنا ان أوضح ببساطة: لماذا انا هنا ـ اليوم ـ وفي قريتي يسرح غاصبون ربما قدموا من ألمانيا أو من المجر أو من النمسا؟ لكن أقول: ان معظم أو كل المبدعين الفلسطينيين يكتبون مقالات سياسية أو دراسات سياسية، بمعنى ان الشاعر والقاص والروائي والكاتب المسرحي الفلسطيني يكتب مقالات سياسية ـ يتابع التطورات اليومية ـ واللغة اليومية ـ لماذا؟
لسببين الأول يخدم قضيته والثاني لكي يتخلص من الشوائب والترسبات من اليومي ـ لغة ومعالجة ـ في أثناء كتابته الإبداعية ـ أو حتى في أثناء ما يرسم أو يغني اوما يبدع من موسيقى خاصة بالقضية أو ان كان يؤلف شريطا سينمائيا عن القضية.الخطان متوازيان ومتداخلان ـ صحيح لكن الصحيح المطلوب هو ان ينجح المبدع الفلسطيني في (فك الاشتباك) بين لغة السياسة اليومية ـ ولغة الإبداع الخالدة.
تنوع إنتاجك الإبداعي مابين القصة والرواية والمسرح والمقالة، ما سببه، وأي الأجناس أحب إليك؟
أدركت مبكرا انني وارث واحدة من أصعب واعقد القضايا الإنسانية على الإطلاق. وكنت على حق، فنحن اليوم ـ الشعب الوحيد في العالم ـ الذي جاء من احتل له أرضه وحاول ويحاول (إفناءه) نهائيا. الاحتلال الصهيوني لفلسطين هو الاحتلال الوحيد ـ من نوعه الاستيطاني ـ المتبقي على وجه البسيطة. كل فلسطيني يريد ان يقاتل بطريقته الخاصة ـ يعني يريد ان يدافع عن حقه وحياته وحقوق وحياة أبنائه وأحفاده ـ وإذا انا حين أجد في نفسي القدرة على الكتابة النثرية عامة (القصة ـ الرواية ـ المسرحية ـ المقالة) فلماذا لا أتناولها واجعلها أسلحتي في مواجهة من يبحث عني لقتلي؟
أقول أيضا: كنت تمنيت لو انني صاحب صوت غنائي، وقدرة عضلاتية ـ رياضية ـ ورساما ـ حتى أناضل في خضم أصعب قضية في التاريخ الإنساني المعاصر والحديث، فقضية فلسطين في حاجة إلى كل جهد إبداعي فلسطيني أولا وعربي ثانيا، وإنساني ثالثا ـ وكل قدرة على المواصلة والمواظبة والمبادأة. لذا انا اكتب وذا سلاحي الذي أظن اني اجيد استخدامه.لكن اقول لك انا احب الرواية ـ وإن كانت المتعبة بشكل أكثر من سواها. الرواية عالمي المفضل قراءة وكتابة.
ما العلاقة بين المبدع الفلسطيني والقدس، سواء عاش في فلسطين ام في خارجها؟
أنها العلاقة بين الابن وأمه، انها الحبل السري للحياة،وهي ـ أي القدس ـ لابد موجودة في جيناتنا الوراثية، بالتالي لا فكاك أبداً منها، مهما حاول الغزاة ان يهوّدونها وأن يبعدوننا عنها تظل القدس في تنفسنا وفي حلمنا المشروع للعودة إلى مرابع الوطن. القدس صلة الوصل بيننا وبين الإيمان بالله، وبرسله وبدينه القويم.
اليست هي حاضنة البراق، والصخرة، وهي مسرى النبي، وهي التي حفلت بالسيد المسيح ومشى في درب آلامها أيضاً؟ وحين نبدع أو نكتب عن أي مكان في فلسطين فإننا نعني القدس ـ وعينا أم لا، لسبب بسيط جدا، ان الله بارك حول المسجد الأقصى (أي القدس) وكل هذى الأرض حوله.
كيف تحلل الواقع السياسي العربي الآن في ضوء القضية الفلسطينية وما تركتها من آثار مختلفة في تكوينك الفكري والإبداعي؟
الواقع السياسي العربي كما هو الواقع الفلسطيني المحزن الآن. ان الواقع الفلسطيني اليوم ـ في ظل الانقسام والتمزق ـ هو الأسوأ منذ نكبة عام 1948، ولقد وصلنا مع الأسف إلى مرحلة اعتبار التنازل عن الحق المقدس (اجتهادا)..
بل ان الخيانة أمر قابل للنقاش كونها أيضاً أصبحت اجتهادا، ان إراقة الدم الفلسطيني بالسلاح الفلسطيني وبالأمر الفلسطيني هي بداية نهاية أحلامنا وإلى اجل طويل ربما، وبداية نكبة رهيبة سيمر وقت طويل جدا قبل ان نتعافى منها ومن نتائجها. لذا إن لم يعد الفلسطينيون إلى (وحدتهم الوطنية التي ضحى في سبيلها آلاف من شهدائنا) فان الواقع العربي سيشكل حبل المشنقة الجاهز لتعليقهم أو لتعليق حقوقهم في أرضهم وشنقها.
اتجاهك السياسي وموقفك القومي تجاه القضايا العربية هل اثر فيك أو عليك كمبدع؟
السؤال محرج لأن الجواب يؤلم. لقد تشردت في هذه الحياة ـ حتى اللحظة ـ ست مرات ـ كلها نتاج القضية ـ من البداية إلى النهاية. ذقت مرارة اللجوء والتشرد والسجن أكثر من مرة في أكثر من مكان.
وأقول لك: في النكبة عام 1948 لم انم تحت خيمة لا أنا ولا أبي ولا أمي. بعد ان أصبحت في الستين من العمر عشت (الخيمة) وجربتها ـ وأنجبت فيها توأمين، وبقيت فيها إلى ان ذاق طفلاي طعمها لمدة زادت عن الثلاثين يوما. انا وأمهما عشنا ستة أشهر في الخيمة. ومن التجربة وعنها كانت روايتي الجديدة (مخيم بين الحدين). وأسر إليك بحقيقة: لقد حوربت ـ شخصيا ـ كمبدع كوني صاحب موقف قومي. لقد تعرضت لمؤامرة صمت مرسومة من قبل من يناصبون الاتجاه القومي العربي العداء، ولكن هذا لم يفلح إلا في تعميق إيماني بوطني وبقومي وأمتي.
رد: حوار مع الأديب الفلسطيني نواف أبو الهيجاء حاورته سولاف هلال
سلمك الله أستاذتي المتألقة حضورا سولاف
و سلم أديبنا الكبير أبو الهيجاء
لقد استمتعت فعلا بهذا اللقاء الشيق بدءا من المقدمة و مرورا بست أسئلة ذكية استطعت من خلالها الوصول لما تريدين معرفته
أحييك على إدارة اللقاء بكل رقة و ذكاء
و أحيي أستاذي نواف لأصالته و رقي حرفه و مواقفه العروبية المشهودة له
و حيى الله الخيمة التي آوت كريم حرف مثله فكتب عنها...
و بانتظار مزيد من الكرام الذين تلتقيهم أستاذتي المبدعة سولاف فنتعرف إليهم و لأدبهم و فنهم أكثر
لكما تحياتي و تقديري الكبير .
رد: حوار مع الأديب الفلسطيني نواف أبو الهيجاء حاورته سولاف هلال
الأديبة الراقية سولاف هلال صباحك ضياء وجمعة مباركة
تابعت الحوار الجميل الذي دار بينك وبين الأديب الفلسطيني نواف أبو الهيجاء
حيث اعتمدت على دقة الأسئلة المباشرة والمهمة التي اضائت لنا الكثير
عن الضيف ,, وعرفتنا به عن قرب ,, شكرا لبهاء إداتك للحوار ولضيفك الكريم ألف تحية