مما أعجبني .. و راق لي
أبيات من النصح و الإرشاد
لـ " ابن حزم الاندلسيّ "
و سرّاء أحشائي لمن أنا مؤثرٌ=و سرّاء أنبائي لمن أتحبّبُ
فقد يُشربُ الصابُ الكريهُ لعلةٍ=و يُترك صفوُ الشهد و هو محبّبُ
و أعدلُ عن إجهاد نفسيَ في الذي=أريدُ و إنّي فيه أشقى و أتعبُ
هل اللؤلؤ المكنون و الدرّ كله=رأيتَ بغير الغوص في البحر يُطلبُ
و أصرفُ نفسي عن وجوهِ طباعها=إذا في سواها صحَّ ما أنا أرغبُ
كما نسخَ الله الشرائعَ قبلنا=بما هو أدنى للصّلاح و أقربُ
و ألقى سجايا كلَّ خلقٍ مثلها=و نعتُ سجايايَ : الصحيح المهذّبُ
كما صار لونُ الماء لونَ إناءه=و في الأصل لونُ الماء أبيضُ معجبُ
أقمت ذوي ودّي مقامَ طبائعي=حياتي بها و الموت منهنَّ يُرهَبُ
و ما أنا ممّن تطَّبيه بشاشةٌ=و لا يقتضي ما في ضميري التجنُّبُ
أريد نفاراً عند ذلك باطناً=و في ظاهري : " أهلٌ و سهلٌ و مرحبُ "
فإنِّي رأيتُ الحربَ يعلو اشتعالُها = و مبدؤُها في أوّل الأمر ملعبُ
و للحيّةِ الرَّقشاء وشيٌ , و لونها=عجيبٌ , و تحت الوشيِ سمٌّ مركّبُ
و إنّ فِرِنْدَ السّيفِ أعجبُ منظراً=و فيه , إذا هُزَّ , الحِمامُ المذرّبُ
و أجعلُ ذلَّ النفسِ عزَّة أهلها=إذا هي نالت ما بها فيه مذهبُ
فقد يضعُ الإنسان في التُّرْبِ وجهَه=ليأتي غداً و هو المَصُونُ المقربُ
فذلٌّ , يسوقُ العزَّ , أجْوَدُ للفتى=منَ العزِّ يتلوهُ من الذلِّ مركبُ
و كم مأكلٌ أربتْ عواقب غيِّه=و رُبَّ طوىً بالخصبِ آتٍ و مُعقبُ
و ما ذاقَ عزَّ النفسِ من لا يذلّها=و لا التذَّ طعمَ الرَّوحِ من ليس ينصَبُ
ورودك نهلَ الماء من بعد ظمأةٍ=ألذُّ منَ العلِّ المَكين و أعذبُ
و في كلّ مخلوقٍ تراه , تفاضلٌ=فَرِدْ طيّباً إن لم يُتَح لك أطيبُ
و لا ترضَ وِردَ الرّنق إلا ضرورةً= إذا لم يكن في الأرضِ حاشاه مَشربُ
و لا تقربَنْ ملح المياه فإنّها=شجىً و الصّدى بالحُرِّ أولى و أوجبُ
فخُذْ من جداها ما تَيسّر و اقتنع=ولا تكُ مشغولاً بِمَن هو يغلبُ
فما لك شرطٌ عندها , لا , و لا يد=و لا هيَ إن حصَّلتَ , أمٌّ أو أبُ
و لا تَيْأسنْ مما يُنالُ بحيلةٍ=و إن بَعُدَتْ فالأمرُ يَنأى و يصعُبُ
و لا تأمنِ الإظلامَ فالفجرُ طالعٌ=و لا تلتبسْ بالضوء فالشمسُ تغرُبُ
ألجَّ فإنَّ الماء يكدح في الصّفا=إذا طالَ ما يأتي عليه و يذهبُ
و كَثّرْ و لا تفشلْ و قلّلْ كثيرَ ما=فعلتَ فماءُ المُزن جمٌّ و ينضبُ
فلو يتغذّى المرءُ بالسُّم قاتَه=و قامَ له منه غذاءٌ مجرَّبُ