تكمن قيمة النص القصصي اغلب الأحيان في الطريقة التي تثير بها اللامالوف ومنحة حياة جديدة او حياة أخرى حتى يبدو مألوفا او عن طريق التعامل الحي الذي يؤجج الإحساس الداخلي بقيمة العمل الإبداعي وان القراءة حسب رأي نورمان هولاند – أعادة خلق الذات – نتيجة التفاعل بين موضوع النص والوعي الفردي
ان قراءة متأنية لكائن الفردوس – المجموعة القصصية للقاص علي حسين عبيد الصادرة عن دار الشؤون الثقافية –بغداد – 2001 نجد انه يبدأ من نقطة ساكنة تماما ثم يبدأ يتصاعد الى ان يصل الذروة ليؤجج الحدث القصصي وان قيمة السكون كمفردة او كمعنى (سكون /سكوت /صمت )قد هيمنت او شكلت عاملا مشتركا لنصوص المجموعة وان هذه القيمة تحيلك الى معنيين ظاهري وباطني ،مألوف ولا مألوف ، يستمر هذا السكون حتى يشكل تداعيات وهواجس عبر لغة حية مفعمة بالشعرية والفنطازيا اذا ما عرفناها بانها أي عمل قصصي يثير الدهشة ويشمل عنصرا أساسيا وغير قابل للانتقاص من العوالم الخارقة للطبيعة ،كائنات او أشياء لتصبح الشخصيات البشرية في القصة او القراءة على صلة وثيقة بها على حد تعبير سي ان مانلوف 0
من مفتتح المجموعة يدخلك القاص علي حسين عبيد في سكون مفخخ ان جاز التعبير ( وقف الصبي امام البحر ..كان مسكونا بهاجس التطلع والاكتشاف ص /7)قصة تفاحة البحر – هنا الصبي يكتنفه الغموض ،قد يكون خوفه من البحر او ما حوله لكن سرعان ما يجيب القاص على التساؤل ..انه كان مسكونا بهاجس التطلع والاكتشاف أي أصبحت حالة الطفل غير مستقرة إطلاقا ، يبحث عن شيء جديد يراه لأول مرة ويريد ان يعرف ماهيته (البحر ) لكنه في موضع آخر من نفس القصة (وقف عندها تماما ولم ينبس بكلمة 00تطلعت المرأة إليه ) هذه المرة تحول سكون الصبي إلى غموض لأنه أصبح مثار اطلاع او استكشاف من قبل آخرين وهي المرأة فقد تحول السكوت /السكون من دهشة الصبي للبحر الى دهشة المرأة بسكون الصبي وهنا يقوم التداعي بدور كبير في عملية فهم الخطاب وإنتاجه الذي يشكل للمتلقي إنتاج وتأويل على معرفة سابقة وهو الصبي فيكتشف الوجه الآخر لوجود المعنى خارج حدود الذات أي ارتباط مجموعة علامات بمجموعة علامات أخرى لها علاقة واضحة بذات الكاتب وذات المتلقي 00وفي قصة سيرة ذاتية لعربة الاسكيمو تختلف صورة السكوت/ السكون خاصة عند اقترانها بالطفولة (ثم رأيت الطفل الذي اخذ منك قطعة الاسكيمو / ووقتها كنت صامتا وأحسست انك غريب في هذا البيت 00كانت عيناك تجوبان نفسك /ص 2) هنا الصمت اخذ شكلين الشكل الظاهري المنطقي المتعلق (كنت صامتا ) والشكل الحدسي الذي نتعرف عليه عن طريق المخيلة وهو الإحساس بالغربة والبحث في مكنونات الذات – عيناك تجوبان نفسك / غريب في هذا البيت 00 فيتعالق المعنيان العلاماتي والدلالي ونستطيع ان نلمس بوضوح من خلال السكون نفسه التعارض القائم بين القوى السكونية والقوى الفعالة او البنى التي تعطي المعنى شكلا او جوهرا كما ان هناك جدلية واضحة ووشائج تربط بين السكوت/السكون وبين الراوي العليم من جهة وبين البطل الذي هو اغلب الأحيان طفل او صبي من جهة أخرى لذلك ترى القاص ينقلك عبر المٍهمل الى عوالم خاصة بلغة شفافة عذبة غير بعيدة عن لغة التحليل السايكولوجي عندما تعتمد الكتابة على التأويل الذي يقدمه التحليل سواء كان حقيقيا او متخيلا لأنه يفتح عالما جديدا من الإدراك الحسي الذاتي او يقدم مثالا على نوع الفهم الذي يمكن وصفه بأفضل صورة من الفهم الذاتي الذي تحققه اللقطة التي يلتقطها القاص من الواقع بغية الحصول على صورة معبرة لتصعيد الحدث القصصي الذي يعول عليه أثناء تأسيس البنية القصصية الحكائية المنقولة من الراوي العليم إلى المتلقي كما في قصة كائن الفردوس التي هي عنوان المجموعة حيث يجسد حالة سكونه ثم يفخخه لينفجر ثم يعود لحالة سكونه وهكذا ، تبدأ القصة (كان وحيدا يغني أحزانه بصمت 00-الحالة ساكنه لأنه يغني بصمت – ويمضغ آلامه وذكرياته الموغلة في شعاب الزمن /ص8 وفي السطر 15 من نفس الصفحة أيضا ( هذا الرجل هو الوحيد الذي كان يسمع الرفيف ويرى الطائر الذي 00الخ) ان هذا الشعور بالوحدة هو عالم آخر له علاقة بعالم السكوت /السكون خاصة حينما اقترنت معالم الطفولة ومالها من علاقة بالخوف 00كائن الفردوس ماهو الا طفل كما ابلغنا القاص ص /29/وهنا ان الكائن/ الطفل /يحرك جناحيه /وطار الكائن الطفل /والى جانبه طائر بحجم كبير ـ هنا حدثت صورة انتقالية لوقائع قصصية تجاوزت آفاق كونها دالة لصحة المعلومات المستخدمة في التأويل /سكوت /سكون حينما أخذت القصة تنحى منحى فنطازيا عندما تحول الطفل الى طائر وحتى الفنطازيا هنا أخذت معنى آخر حيث أصبحت خيالا رؤيويا على حد تعبير دانتي كذلك لايستبعد احتمالية ان الموضوعة الرئيسية والمعنى التفسيري يلوحان في تحليل السكوت /السكون أوسع مما يحصل في عدد تناول المفردة إحصائيا وهذا يوضح بشكل واسع طرائقه الحياتية /القاص مع انفصاله وسيلة الى صقل الاحساس بحالة السكون التي كان لها وقع انفعال كبير شكل إثارة واضحة للحدث الدرامي والحبكة القصصية العالية لدى القاص علي حسين عبيد الذي أجاد تسيير شخوص وأحداث قصصه بشكل جميل طغى على عامل التكرار في اختلاف المعاني إضافة الى انه تناول هموما إنسانية جسدها بذكاء عبر اضاءات والتماعات أغرت القارئ أكثر من مرة للتركيز والمتابعة وأسوق أمثلة أخرى لمفردة سكوت /سكون /صمت واقترانها بالطفولة
الفرح الطفولي المدهش ص/33(كان الصمت مهيبا والهدوء يخيم على رأسه ص55) كان الطفل يستغرب صمت الصورة رغم انها علقت بهذا المكان منذ أعوام ومع ذلك في لحظات الصمت والتركيز يراها تتحرك ص /63) (والأخر يقف مذهولا صامتا مليئا بالحزن ص/83)(توأمي يلفه الصمت ص/103)شلال بارد يغمر جسدي ويوقظ روحي من صمتها وسباتها ص /102
لم تكن حالة السكوت/ السكون/ الصمت سبة او حالة سلبية عند القاص علي حسين عبيد بل شكلت إحساسا كبيرا بنقل الزمن وتسجيلا فنيا لحالة إنسانية جسدها بتكنيك قصصي عال ولغة عذبة خلقت من مجموعة كائن الفردوس حضورها الخاص 0000
رد: قراءة في مجموعة القاص علي حسين عبيد كائن الفردوس
أستاذنا الفاضل سعدون البيضاني
قراءة جميلة جاءت موفقة لتلقي الضوء على مجموعة قصصية مهمة وذات قيمة أدبية
دعني
أثبتها
ليستفيد منها أكبر عدد ممكن من الزوار
محبتي