مأساة من مشهد واحد
( وما خفي كان اعظم )
الديكور عبارة عن غرفة نوم البطلين.هناك سرير و فوق السرير صورة فوتوغرافية باللونين الأبيض و الأسود معلقة على الحائط للزوجين في حفل الزفاف. باب الغرفة يوجد على يمين المسرح.
يفتح باب الغرفة و تدخل الشخصيات الثلاث.
عمر ، شاب يبلغ 33 سنة من العمر، يساعد أمه العجوز البالغة من العمر 76 سنة. يتبعهما الأب و هو عجوز جاوز الثمانين من العمر ويتكئ على عكاز . يقترب الشاب عمر و أمه من السرير و يدعو أمه للجلوس. تجلس على السرير بينما يبقى الأب واقفا بجوار زوجته.
زينب : ... و لماذا تطردنا من غرفة الجلوس يا ولدي؟ هل قررت أنت و إخوانك و حفدتنا عقد جمع سري و لا تريدوننا أنا ووالدك أن نستمع إلى ما تقولونه؟
عمر ( يبتسم ) : شيء من هذا القبيل.و لكن أطلب منك يا أمي ( يلتفت إلى والده ) و أنت أيضا يا أبي عدم مغادرة الغرفة تحت أي ظرف حتى أعود و أصحبكما مرة أخرى. اتفقنا؟
زينب : ولماذا كل هذه السرية و التكتم؟ أليس من حقنا معرفة ما تنوي فعله بمعية إخوانك و أبنائكم؟
إبراهيم ( يضع يده اليمنى على كتف زينب ) : دعي الأولاد يتصرفون على سجيتهم. ( يخاطب ابنه ) عد أنت إلى اجتماعك و سأبقى أنا و أمك مسجونين هنا حتى تقرروا فك أسرنا.
عمر : العفو يا أبي. و لكن نحن نحضر شيئا و نتناقش في أمور و سوف تعرفون كل شيء بعد حوالي نصف ساعة من الآن أو ساعة على الأكثر. ما أطلبه منكما هو أن تتصرفا كأي عروسين جديدين وتتناقشا في أموركما إلى أن نكمل ما نحن بصدد الإعداد له.
إبراهيم : لا داعي لشرح الأمور ما دام كل شيء سيتضح بعد نصف ساعة. اذهب و اتركني و أمك في هذه الغرفة. ( يغمز لابنه ) فهناك أمور سياسية و اجتماعية و فلسفية و فكرية يجب أن نتناقش حولها أنا و الأستاذة والدتك.
زينب ( مستغربة ): عن أية أمور سياسية و فلسفية و فكرية تتحدث يا هذا؟ هل تسخر من أميتي أم ماذا؟
إبراهيم : اذهب أنت إلى حال سبيلك و فور انتهائك و إخوتك مما أنتم بصدد الإعداد له نادي علينا.
عمر ( يقبل رأس واده ثم رأس والدته ) : إلى اللقاء بعد حين.
يخرج الابن عمر.
زينب : ترى ما الذي يجري في بيتنا يا إبراهيم؟ هل فهمت شيئا من هذه التمثيلية؟
إبراهيم ( ينظر إلى الصورة المعلقة فوق السرير ) : ألم تفهمي بعد يا زينب؟
زينب : و ما الذي يجب أن افهمه؟ كيف لي أن أفهم و الأولاد يتكتمون على الأمر و لا يشرحون لنا شيئا؟
إبراهيم ( ينظر إلى زوجته ) : سأشرح لك الأمر و أبسطه لك : ما هو تاريخ اليوم؟
زينب : أتسخر مني مرة أخرى أم تشتمني يا إبراهيم؟ انك تعرف أني أمية و لا أعير التواريخ أهمية...... اللهم إلا تاريخ شهر رمضان الأبرك و عيد الأضحى. أما باقي الأيام فهي عندي سواء.
إبراهيم : اليوم يا سيدتي الجميلة و زوجتي الحبيبة هو التاسع من يونيو. يعني تاريخ زواجنا.
زينب : آه....تاريخ زواجنا....و لكن ما علاقة هذا بما يقوم به الأولاد؟ لم يسبق أن احتفلنا بعيد زواجنا أو أي مناسبة أخرى.
إبراهيم : سأشرح لك يا حبيبتي الغالية : اليوم نكون قد أكملنا خمسين سنة و نحن متزوجين..... يعني نصف قرن و نحن مع بعض. و الأولاد يريدون الاحتفال بهذه الذكرى السعيدة. فنادرا جدا ما يبقى شخصين متزوجين كل هذه المدة.... زد على ذلك أن هذا الزمان يعرف ارتفاعا في نسبة الطلاق. هل تفهمين الآن لماذا طردنا الأولاد من غرفة الجلوس؟ يعتقدون أننا ربما نسينا هذا التاريخ و يريدون الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة.
زينب ( حالمة ) : خمسون سنة.... وكأنهم خمسون أسبوع. إنني لا زلت أتذكر يوم عرسنا و كأنما احتفلنا به منذ أسبوع.
إبراهيم : لقد مرت خمسون سنة و رزقنا بأولاد ثم أحفاد و حفدة أولادنا و نحن لا نزال على قيد الحياة و نعيش تحت سقف واحد.
زينب : ذكريات كثيرة و حكايات متعددة....و أشخاص محبوبين غيّبهم الموت و آخرون هاجروا إلى مدن أو بلدان أخرى...
إبراهيم ( يبتسم ) : هل ما زلت تتذكرين فستان عرسك؟ أنا ما أزال أتذكره بكل تفصيلاته.
زينب : يالك من أبله..... أنسيت أنني لا أزال أحتفظ به في دولابي؟ انك تراه صباح مساء.
إبراهيم ( يخطو بعض الخطوات متكئا دائما على عكازه ) : كنت أجمل فتاة شاهدتها عيناي. و كنت أرى في عيون المدعوين إلى حفل عرسنا إعجابهم الشديد بك و أنت ترتدين أبهى حلة.
زينب : كنت أجمل.... أما الآن ، فوجهي مليء بالتجاعيد و لا أقوى على التقدم و لو خطوة واحدة دون مساعدة.
إبراهيم : صحيح انك ابنة خالتي و كنت ألتقيك يوميا بحكم أننا كنا نسكن بيت جدي الكبير . و لكن ، في كل يوم كانت تقع فيها عيناي عليك كنت أتمنى أن لا تراك عين أخرى سوى عيناي.
زينب ( تبتسم بخبث ) : أعرف ذلك... وهل كنت تعتقد أنني لم ألحظ ذلك؟ كما أنني كنت اضحك من تصرفاتك و تلعثمك في الكلام أمامي ونسيانك نصف كلامك.
إبراهيم ( يدير ظهره لزينب ) : و لكن هناك فترة عصيبة مرت علي في حياتي..... يوم انتقل والدك للعمل في مدينة أخرى و رحلت من جواري و كنت على وشك الرسوب في سنتي الدراسية.
زينب : أتذكر ذلك جيدا. .... ولكن مع حلول العطلة الصيفية أصريت على والدك و خالتي أخذك إلى بيتنا الجديد.
إبراهيم : فعلا. فرغم صغر سني إلا أنني كنت أفكر دائما أنني لن استطيع العيش دونك.
زينب ( تبتسم ) : ذلك ما يسمونه حبا يا حبيبي.
إبراهيم ( ينظر إلى زوجته ) : قوليها مرة أخرى أرجوك.
زينب : اعقل يا هذا.انك لم تعد شابا..... لقد تجاوزت الثمانين من العمر.
إبراهيم : أود سماعها مرة أخرى. كم أشتاق أن تناديني بكلمة حبيبي.
زينب : لا تتصرف كالمراهقين...ماذا لو دخل أحد من الأولاد؟
إبراهيم : وهل تغزّل أحد الأزواج بنصفه الثاني حرام؟ إن تلك الكلمة تجعلني أحس أنني في ريعان الشباب و أتحمس لحملك بين ذراعي كما كنت افعل في الماضي.
زينب : إذا كنت ستحملني بين ذراعيك فمن الأفضل أن لا انطق بأي كلمة.
إبراهيم ( ينظر إلى الأرض و الحزن باد عليه )
زينب : ما بك يا رجل؟ لماذا هذا الحزن البادي على محياك؟ هل تحس بألم ما؟
إبراهيم ( يتنفس بصوت مسموع ) : لقد .... لقد غرقت في بحر الذكريات و استعدت لحظة آلمتني.
زينب : و ماذا تذكرت؟
إبراهيم ( ينظر إلى زينب لحظات في صمت قبل أن يتكلم ) : تذكرت انك في لحظة....كنت على وشك الزواج بغيري ..... على وشك الزواج بهشام.
زينب : ذلك ماضي ولّى من خمسين سنة.ما الذي جعلك تتذكر هشام رحمه الله؟
إبراهيم : أنا لم و لن أنساه طيلة خمسين سنة. كان دائما حاضرا بفكري.
زينب ( تنظر إليه مستغربة ) : كيف يعقل هذا و لم تره سوى مرة واحدة؟ يوم حضرت خطبتي على هشام.
إبراهيم ( يقترب من زوجته ) : لقد رأيته و تكلمت معه في مناسبتين اثنتين و لم أخبرك بذلك أبدا.
زينب : مناسبتين؟؟ ولكن لماذا؟ ماذا كنت تريد منه؟
إبراهيم ( يتهرّب من الإجابة ) : قولي لي يا زينب... هل....هل كنت تحبين هشام هذا؟
زينب ( تنظر إلى إبراهيم باستغراب ) : أجننت؟؟؟ما هذا السؤال الغريب الذي تود معرفته بعد مرور نصف قرن على حدوثه؟
إبراهيم : أرجوك أن تجيبيني. هل كنت تحبينه؟
زينب : أرجو أن نغير الموضوع..... ليس عندي استعداد للغوص في الماضي البعيد.
إبراهيم ( بغضب ) : أجيبي على سؤالي يا زينب.....
زينب : ....انك تخيفني يا إبراهيم....هدئ من روعك.
إبراهيم ( يجلس على السرير لكن بعيدا عن زينب )
صمت قصير لمدة دقيقة. كل من الزوجين يحدق في الأرض في صمت )
إبراهيم : زينب ، أرجو أن تعذري انفعالي و غضبي.
زينب ( محاولة تغيير الموضوع ) : ماذا تعتقد الأولاد يفعلون الآن؟ ألا يجدر بنا المناداة عليهم؟ إني اشتقت للعب مع أحفادي.
إبراهيم ( دائما يحدق في الأرض. بعد صمت قصير ) : سأخبرك ماذا جرى بيني و بين خطيبك السابق هشام.
زينب ( تنظر إلى ظهر إبراهيم ) : لا أريد سماع أحاديث عن هشام. لا أريد النبش في الماضي.
إبراهيم ( دون النظر إلى زوجته ) : ولكن يجب أن تعرفي ماذا جرى بيننا. فكما قلت ، لم تعرفي و لم يعرف أحد أنني التقيت بهشام في مناسبتين.
زينب : لا أريد سماع أي شيء.
إبراهيم : ألا تريدين معرفة سبب عدم زواجك من هشام؟
زينب : ليس هناك من سبب محدد...... مات في حادثة سير كما يموت الآلاف غيره بنفس الطريقة.
إبراهيم : و لكن هشام لم يمت في حادثة سير " عادية " . بل مات في حادثة سير مدبّر و مخطط لها. ... هشام مات في جريمة قتل مع سبق الإصرار و الترصد..... و ليس حادثة سير عادية كما اعتقد الجميع حينها.
زينب ( فاغرة فاها ) : ماذا؟؟؟ جريمة قتل؟؟؟ و كيف عرفت ؟؟؟؟ ولماذا لم تخبر الشرطة أن هشام مات مقتولا؟؟؟
إبراهيم ( يزفر بصوت مسموع ) : لأنني ، و بكل بساطة ، أنا من دبّر تلك الجريمة.
زينب ( تضع يديها على فمها لتخنق صرخة رعب )
ابراهيم ( بكل هدوء ) : لقد لاحظت يوم إعلان الخطوبة مدى سعادتك و هشام. لاحظت انسجامكما و تفاهمكما كثيرا. ..... في تلك اللحظة ......كنت كالبركان الذي ينتظر شقا على سطح الأرض ليعلن ثورته ...... كنت كملك يرى مملكته يؤخد منه في وضح النهار. كنت كمن يشاهد روحه تفارقه و لا يستطيع شيئا لكي لا يموت. لأن زواجك من غيري يعني وفاتي.... ( صمت قصير ) .... عندها كان علي أن اتخد القرار الدي سيغير مجرى حياتي : اما ان تتزوجي هشام و أموت انا.... أو ... يختفي هشام من الوجود و أعيش أنا.
زينب ( يبدأ بالبكاء و هي دائما تضع يديها على فمها كي لا تصرخ )
ابراهيم : عرفت من خلال المعلومات التي استقيتها في تلك الليلة أن هشام موظف في أحد الأبناك و أنه تعرف عليك كونه كان صديقا حميما لأخوك جعفر. و بحكم تلك الصداقة فقد كان يحضر الى بيتكم في مرات متعددة وأنه أعجب بك من أول لحظة رآك فيها و بعد مرور فترة قصيرة خطبك. و بدلك كان كثير التردد على بيتكم و كان يجالسك لتتعرفي عليه و يتعرف عليك.
زينب : كفى...... أرجوك لا تكمل, لا أريد سماع المزيد.
ابراهيم ( لا ينتبه لتوسل الزوجة ) : في الحقيقة لم أكن اعلم أي شيء عن هشام هدا الا عندما أرسل أخوك جعفر رسالة لي يخبرني أنه سيتم اعلان عن الخطوبة و يطلب مني و من والدي الحضور. قرأت الرسالة وأنا غير مصدق لما أسمع. مستحيل أن يتزوج غيري بزينب ابنة خالتي غيري. زينب هي حياتي، هي كياني ، هي أغلى ما لدي في هده الحياة.
زينب : ( دائما متوسلة ) : أرجوك لا تكمل..... أرجوك لا تكمل.
ابراهيم ( و كأنه لا يسمع توسلات زوجته ) : كانت الخطة التي وضعتها تقتضي دراسة عادات هشام قبل الأقدام على أي خطوة. كما و أنه كان لزاما علي أن تكون أي خطوة أخطوها مدروسة بشكل جيد و تكون فرص الفصل أقل ما يمكن. خصصت أسبوعا لتتبع تحركات هشام و التعرف على عاداته و الأماكن التي يرتادها و نوعية أصدقائه. و من بين المسائل التي أثارت انتباهي هو حبه للسرعة عندما يقود سيارته. .... باختصار ، عرفت انه متوجه لمدينة أخرى لغرض عائلي. دخلت بيته و هو غائب عنه و قمت بتدمير فرامل السيارة..... و النهاية تعرفينها ....... كان يقود سيارته بسرعة عالية. و في أحد المنعطفات الوعرة، أراد أن ينقص من سرعته و لكن السيارة انحرفت و سقطت السيارة في الهاوية و هلك هشام.
( يتوقف ابراهيم عن السرد )
زينب ( وهي تمسح دموعها و تحدق في ظهر ابراهيم ) : ارتكبت جريمة لأجل أن تتزوجني؟ حطمت قلبي و قتلت حب حياتي من أجل الظفر بي؟ عشت معه في فترة الخطوبة أسعد اللحظات و خططنا لحياتنا الزوجية المستقبلية..... وجئت أنت و بكل برودة أعصاب .... قتلت...... قتلته من أجل الزواج؟
ابراهيم : كنت أنت حب حياتي و لن أسمح لأي أحد مهما كان أن يلمس و لو شعرة من رأسك. كانت مسألة حياة أو موت بالنسبة لي. و اخترت أن أحيا أنا و أضحي بهشام.
زينب : الكلمة الصحيحة ان تقتل هشام. و كان من حسن حظك أن خطتك نجحت مائة بالمائة و قال تقرير الشرطة أنا السبب وراء حادثة السير هو انقطاع الفرامل.
ابراهيم : و بعدها كان علي أن أمنحك فرصة الحداد على هشام قبل أن أطلب يدك و أتزوج بك و أكون بجانبك. ...... وكما ترين، خمسون سنة بعد هدا الحادث لا نزال نعيش مع بعض.
زينب ( تنهض من مكانها و الغضب باد عليها ) : ليس بعد الآن ( زينب تنادي ) عمر..... عمر ...... ولدي يا عمر
ابراهيم : ماذا أنت فاعلة؟
زينب : لا تخف. لن أخبر أحدا بما قلته لي. و لكن بعد الذي سمعته ، يستحيل أن أعيش بجانبك و لو لثانية واحدة.
يفتح باب الغرفة و يدخل عمر. يقترب من زينب
عمر : ما بك يا أماه؟ لم يحن بعد وقت خروجك. الاستعدادات على وشك الانتهاء. أرجوك أن تمهلينا عشرة دقائق أخرى.
زينب : و لا ثانية. أرجوك يا عمر أن تأخذني إلى بيت آخر غير هذا البيت. لم أعد أطيق البقاء هنا.
عمر : و لكن يا أماه. هذا بيتك و يجب أن ....
زينب ( مقاطعة عمر ) : هذا المكان لم يعد بيتي. أرجوك خدني إلى أي مكان بعيد عن هذا البيت . .... حالا.
عمر ( يلتفت إلى ابراهيم ) : أبي ، ماذا حصل؟ لماذا كل هذا الغضب من طرف أمي.
ابراهيم ( لا يجيب عمر. و لكن يستلقي على السرير استعدادا للنوم ) : أنا متعب جدا و أريد أن أستريح.
زينب : هيا يا عمر. هل يجب علي أعادة ما قلته لك؟
عمر ( يأخذ يد أمه و يساعدها على الخروج من الغرفة ) : حاضر.... حاضر...
يخرج عمر و زينب. و بعد دقيقة يعود عمر و يدخل غرفة النوم
عمر : أبي.... أبي.... أرجو أن تشرح لي ماذا وقع هنا؟..... أبي .... أبي، هل تسمعني؟ ( يقترب عمر من ابراهيم ) انه لا يتنفس . ( يضع عمر أدنه اليمنى فوق صدر إبراهيم للاستماع لدقات قلبه) يا الهي.... لقد مات..... لقد مات والدي
الستارة