.. من "البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها" للأستاذ عبد الرحمن الميداني
***
ومن الجمع بين المشبَّه والمشبَّه به على وجْهٍ يُنْبِئ عن التشبيه ما يلي:
(1) أن يكون المشبّه به خبرًا عن المشبَّه، مثل: وجْهُها قمر، وشعرُها ليل، وقدّها غُصْنُ بان، وعيناها عَيْنا ظبية.
ومثل الخبر ما كان في حكمه، كخبر "كان" وأَخواتها، و "إنّ" وأخواتها، وكالمفعول الثاني في فعل "ظنَّ" وأخواته.
(2) أن يكون المشبّه به حالًا صَاحِبُها المشبّه، مثل قول الشاعر أبي القاسم الزاهي يصف حسناوات:
سَفَرْنَ بُدورًا وانْتَقَبْنَ أَهْلَّةً * ومِسْنَ غُصُونًا والْتَفَتْنَ جآذرًا
جآذر: جمع جُؤْذُر، وهو ولد البقرة الوحشية.
(3) أن يكون المشبه به صفة للمشبّه، مثل قولي صانعًا مثلًا:
لاَ يَفْلِقُ الْهَامَ في سَاحِ الْقِتَالِ إذَا * تَلاَحَمَ الْبَأْسُ إلاَّ الْفَارِسُ الأَسَدُ
(4) أنْ يكون المشبَّه به مضَافًا إلى المشَّبَه، مثل قول الشاعر:
والرّيحُ تَعْبَثُ بِالْغُصُونِ وقد جَرَى * ذَهَبُ الأَصِيلِ على لُجَيْنِ الْمَاءِ
أي: وقد جرَى شُعاع الأصيل الذي يُشْبِه الذهب على الماء الذي يشبه اللّجين وهي الفضة.
(5) أن يكون المشبّه به مصدرًا مُبَيِّنًا للنوع مثل قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (النمل/ 27 مصحف/ 48 نزول): {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}. أي: وهي تَمْرُّ كَمَرِّ السّحاب.
(6) أن يكون المشبَّه بِهِ مُبَيَّنًا بالمشبّه، وهذا البيان قَدْ يكون بيانًا صريحًا، أو بيانًا ضمنيًّا، مثل قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول) بشأن ما يحلّ ليلة الصيّام: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [الآية:187].
فقد جاء بيان الخيط الأبيض بالفجر بيانًا صريحًا، وفي ضمنه جاء بيان الخيط الأسود باللّيل بيانًا ضمنيًّا.
والمعنى: حتَّى يتبيّن لكم أوّلُ النهار الذي يُشْبه الخيط الأبيض عند الفجر، من آخر اللّيل الذي يشبه الخيط الأسود.
ومثل قول الشاعر:
فما زِلْتُ فِي لَيْلَيْنِ شَعْرٍ وظُلْمَةٍ * وشَمْسَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَوَجْهِ حَبِيبٍ
فقد جاء بيانُ اللّيْلَيْنِ بيانًا صَريحًا بكون أحدهما شَعْرَ من يحبّ والآخر ظلمة اللَّيل. وبيانُ الشمسين بأنّ أحدهما الخمر والآخر وجه من يُحبّ.
أي: الشَّعر الذي يشبه اللّيل، والخمر الّتي تشبه الشمس، ووجه الحبيب الذي يشبه الشمس أيضًا.