آخر 10 مشاركات
دستور القبيلة (الكاتـب : - )           »          الشاعر كيان مستقل بذاته (الكاتـب : - )           »          تأمّل في مبنى مجزرة البلدية (الكاتـب : - )           »          ظننت نفسي عاقلا (الكاتـب : - )           »          صداقة .. (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          علي أي جنب تنام نواياك ! (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          شعاع هارب (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          ***_ أطــالَ الحزن _*** (الكاتـب : - )           »          مَنْ قالَ لكِ ؟ مَنْ قالَ لكْ ؟؟ (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          أمومة مطحونة ! (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )



العودة   منتديات نبع العواطف الأدبية > نبع التألق > مسابقات منتديات نبع العواطف الأدبية > مسابقات السرد

الملاحظات

الإهداءات
مصطفى معروفي من النبع : الله يكرميك أخي وصديقي العزيز عوض بديوي ،وأنا ممتن لك بهذا الترحيب الجميل بي****لا هنت مولانا**** عوض بديوي من الوطن العربي الكبير : رحبوا معي بشاعرنا و مبدعنا أ**** مصطفى معروفي بعد غياب طال؛ فحيهلا و غلا************ نورتم الأماكن عواطف عبداللطيف من صباح الجمعة : آل النبع الكرام جمعة مباركة وصباحكم إيمان ورحمة

مشاهدة نتائج الإستطلاع: أفضل قصة
قصة رقم (1) 3 15.00%
قصة رقم (2) 1 5.00%
قصة رقم (3) 0 0%
قصة رقم (4) 4 20.00%
قصة رقم (5) 1 5.00%
قصة رقم (6) 2 10.00%
قصة رقم (7) 1 5.00%
قصة رقم (8) 0 0%
قصة رقم (9) 0 0%
قصة رقم (10) 2 10.00%
قصة رقم (11) 0 0%
قصة رقم (12) 0 0%
قصة رقم (13) 0 0%
قصة رقم (14) 1 5.00%
قصة رقم (15) 0 0%
قصة رقم (16) 0 0%
قصة رقم (17) 0 0%
قصة رقم (18) 0 0%
قصة رقم (19) 1 5.00%
قصة رقم (20) 1 5.00%
قصة رقم (21) 2 10.00%
قصة رقم (22) 0 0%
قصة رقم (23) 0 0%
قصة رقم (24) 1 5.00%
المصوتون: 20. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

موضوع مغلق
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 01-18-2010, 12:57 AM   رقم المشاركة : 1
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة : عواطف عبداللطيف متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية الأولى للقصة القصيرة

مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية للقصة القصيرة



شروط المسابقة :

1ـ الموضوع غير محدد .
2ـ يتقدم المتسابق بعمل واحد فقط،.
3ـ ألا يكون العمل قد سبق له الفوز فى إحدى المسابقات او تم نشره مسبقا.
4-أن لا تتعرض الخاطرة الى الأديان السماوية أو أن تكون خارجة عن الذوق العام.
5ـ ألا يزيد العمل عن 3000 (ثلاثة الالاف ) كلمة.
6- ـ أن تكون المادة المقدمة مكتوبة باللغة العربية الفصحى.
7ـ لا تعاد الأعمال المشاركة إلى أصحابها.
8ـ يرفق بالعمل: ـ السيرة الذاتية والصورة الشخصية
9ـ وصفحة مستقلة تثبت بها البيانات التالية:
أ ـ عنوان القصة
ب ـ اسم المتسابق الثلاثى
ج ـ العنوان البريدى كاملا ورقم الهاتف
د ـ قائمة بالمؤلفات المطبوعة ( إن وجدت )
هـ ـ البريد الإلكترونى إن وجد
10 ـ تستبعد الأعمال غير المستوفية للشروط من الدخول في المسابقة
11- يغلق باب قبول المشاركات في 1/3/2010.
12 ـ تعلن أسماء الفائزين فى 15/3/2010 .
13 ـ ترسل الأعمال المشاركة على العنوان التالى laym2402@yahoo.com
14ـ لمعرفة المزيد عن المسابقة تكرموا بزيارة موقعنا على الأنترنيت :https://nabee-awatf.com/vb/
منتديات نبع العواطف الأدبية
15-يحق لغير الأعضاء المشاركة في المسابقة.
16-لا يحق لأعضاء لجنة التحكيم المشاركة
17-تمنح نقاط لتصويت الأعضاء على القصص بعد نشرها بدون أسماء على رقم القصة

لجنة التحكيم:

1-الاستاذ غريب عسقلاني
2-الأستاذ فارس الهيتي
3-الأستاذة سولاف هلال
4-الأستاذة رائدة زقوت
5-الأستاذ محمد السنوسي الغزالي
6-الأستاذ عبدالكريم لطيف

اللجنة العليا
1-الأستاذ عبدالرسول معله
2-الأستاذة عواطف عبداللطيف












التوقيع

 
قديم 01-21-2010, 11:58 PM   رقم المشاركة : 2
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة : عواطف عبداللطيف متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية للقصة القصيرة

القصة رقم (1)


سرير البنفسج



وسط غرفة نومه الصغيرة ، على سطح بناية ذات الثلاثة طوابق في حي سكني شعبي مكتظ بالفقراء في زاوية منسية من المدينة كانت ، أصوات الباعة المتجولين تتكرر بالمناداة والترويج لما يحملونه من بضائع ، أواني بلاستيكية ملونة ، للمقايضة بما تفيض البيوت به من فضلات الخبز اليابس والعلب الزجاجية الفارغة والملابس القديمة ، أكياس كبيرة على ظهورهم ، صغار بوجوه كهلة متعبه أحرقتها شمس بغداد اللاهبة ، عارية تنهش قلبها بأظافرها وتلعق دماء أيامها المجدبة ، وحيدة ، جاءت توقع صفقة عمرها ، تبعثر أوراق أٍستسلامها وتنثرها ثم تلملمها من جديد ، تعد نبضات بوحها لرجل كل مافيه يستفز أنوثتها للأبحار معه في قارب مطاطي من غيرسترة نجاة ، مهاجرة سرية إلى عوالم سحرية عبربحاره المتوحشة بالأمواج العاتية.

لفها سكون المكان ، تلبستها الوحشة ، التقطت قطع ثيابها المتناثرة ، فوق السرير ، حين راعها شحوبها ونظرة الهلع في عينيها منعكسة على المرآة المعلقة على الجدار ببرود تتفرس فيها تمط شفتيها تسخر من تلك الندوب التي طرزت جسدها المتوقد بالاشتهاء ، بعطش أنثى في الثلاثين ، يفتك بروحها وقلبها لضمة رجل طالما أرتوت من عينيه حبا، سافرت في واحة محبته الدافقة بالحنين ، تهيم به تكتوي بجمرات أشتياقه وترتمي على رمل شواطئه تلتحف بأبتسامة من شفتيه تدخلها طمأنينة مثل الصلاة ، تبتعد ترصدها نظرات المرآة المبتسمة في خبث ، تديرظهرها تشبك يديها الأثنتين تخفي ندبة أحتلت نصف صدرها جرح عميق مرعليه مشرط جراح بارع أستأصل توأم أنوثتها ألقى به في حاوية معدنية باردة ، وفات أن تسأله عن مصير نهدها المسكين الذي تتحسس مكانه الخالي في كل لحظة كأنها لازالت في حلم لم تفق منه بعد تحت هلوسات التخدير ، تراقبها المرايا من كل الجهات على جدران الغرفة حتى السرير غدا مرآة ترى أنعكاس صورة نهدها عليه ، ترتدي قميصها الذي تختفي أزراره كما في أحلامها تسير وسط الشوارع مشرعة الصدر ، تلملم أطرافه تداعبه الريح يبدو نهدها الواحد المكتنز أنوثة ، يئن بوجع الأغنيات الحزينة ، تهزمها القهقهات تبحث عن باب الغرفة لا تراه أنضم إلى جيش المرايا الكبيرة المضيئة ، عصية الأختراق ،معلنة الحرب عليها، من غير سلاح تقاتل برفرفة قلبها المتوهج بالحب والأشتعالات ، حبيسة في غرفته تطاردها المرايا ، زمن مر على قصة حبهما.

هربت كثيرا لاذت بحجج واهية حين قدم قلبه ، رغم كوابيس سنواتها الثلاثين أجابته أن الوقت لم يحن بعد وتدرك جيدا بوجع ما تعني الثلاثين في مجتمعها الذي يحاصرها بالنظرات والأسئلة ، حسرة أمها المريضة التي تنوء بها أينما حلت ، وحزن والدها يملأ أرجاء البيت الذي يتنفس به من خلال كرسيه المتحرك منذ أعوام ، رفضت رجالا كثيرين قبل أن ينسحبوا من حياتها حين يهمس لهم أحد الناصحين ، تذرعت بعجز والديها ووحدتهما ، بعد أن تزوج أخوتها ، عاهدها على رعايتهما وهو الذي يحن لدفء العائلة منذ أن فتح عينيه يتيما ، أحبها بعمق ، غمرها بالأهتمام متلهفا إلى حديثها مستعجلا لحظات لقاؤهما.

منذ اليوم الأول لمجيئها إلى المؤسسة التي يعمل فيها ، أربع سنوات قاسمته غرفة واحدة ، أحبته حلما ورديا شفافا مثل أوراقه التي طرز عليها أحلى قصائد الحب بالظلال وفتوحاتها ، تريد أن تكون له أمرأة غير منقوصة الأنوثة ، تهاوت مقاومتها أمام قوة أصراره ،ترددها كان مثار حديث الزميلات اللائي يحسدنها عليه لدماثة أخلاقه ووسامته ونجاحه في عمله ، حملت قلبها عصفورا يرتعد بين ضلوعها ، خذلها و أنعقد لسانها عجزت أن تبوح بما تحت ثيابها، كتبت له سطرا واحدا على ورقة وردية شفافة ، فهم ، تواعدا لتلقي بين يديه هما دفنته تحت ثيابها ، لكنه تركها صحبة المرايا تلملم شتات أنوثتها ، نقر على الباب ، تسمرت حين طوقها بذراعيه وطاف بها ، بين المروج والغيمات والأمواج رقصا تحت حبات المطر ، عبر المطارات والمحطات في مدن العشق المترعة بالحب والدفء والأطفال ودهشة الحياة على سرير من بنفسج .












التوقيع

 
قديم 01-22-2010, 09:54 PM   رقم المشاركة : 3
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة : عواطف عبداللطيف متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية للقصة القصيرة

القصة رقم (2)

السبات الجهنمي


أوحى إليها الخوف بغريزة تزلزل جسدها المنتفخ .. أحلامها كوابيس.. ظلت تراقب خصلات شعرها المتهدلة بإهمال تحدثت مع نفسها ملقية ظهرها على السرير المركون في الزاوية البعيدة قرب ستائر الدانتيل المتدلية بلون الحليب تحيط النافذة الوحيدة المفتوحة على الباحة الخلفية مقابل خزانة الملابس التي تعكس ضوءا خافتا يتسرب بصمت حزين يترسب داخلها فراغ موحش :
كان يجب عدم الموافقة على قراره , أنها حماقة لاتغتفر اكتشفت حمى تسري في بدنها المترع بالهواجس تسبر أغوار قلبها .. بقيت حبيسة العتمة ولزوجة العرق تغطيها حملقت في سماء مكفهرة تعاني من الإهمال .. تنفست الغروب نهضت بتكاسل واضح نحو دورة المياه إستعدادا للصلاة ..
لم يتح لها رؤية زواجه والسعادة برؤية أولاده يبدو لها كأن فؤادها هواء .. تحس أن شيء ما اجتث من جوفها أرقها يترسب في ضلف النافذة الوحيدة ترشف ريح الليل المبهم تتساءل : ترى أي العوالم تحتويك .. تنفر من النوم بانقباض تشم رائحة تنبعث من مكان مهده تعيد تركيب أجنحة الشوق .. تأتي ألأشباح تدور تتحسس الجدران تلتصق بخطاه المفزعة ترج أعماقها هزت كتفيها مبهورة الأنفاس ..
حنان يجذبها لغابة تتكدس على وجه الوسادة تتراكم فيها بإحساس غريب يجهض اغتراب ذكرياتها .. يشتد تعبها في ملاعب الصبا , تزوجت هذا العجوز الذي يكبرها عشرون عاما تتربص دورها في ليلة الحب لأنها الزوجة الثانية ..
طبيعتها الكتومة جعلتها تمل لعبة الفراش .. تتوق لطفل ينمو في أحشائها مثل بذرة برية تتحرك في ظلام يشع بحراجة متعبة .. رذاذ الذكريات يهمي في الشهر الرابع من الحمل أحست بالجنين يتحرك في بطنها المنفوخة ..
صافحت عمود الخيال الخافق على الجدار الجاثم بصمت يبهر الرعشة المستقرة في بدنها تحكي بلا ملل عن وليدها البكر يحبو أمامها .. أزلقت رجليها المترهلتين تعبر الدهليز تتسلل بخفة نحو الباب الرئيسي , تمضي مسرعة لموعد استحكم في رأسها الشوارع مثقلة برداء قاتم ملامح الفجر تمسح ذبول الليل ..
تتعلق في دفيف أجنحة تحملها إلى المرقد المقدس .. سيدي من يحمل عن كاهلي انطفاء يرخي ذعره على وجيب صدري ..
تلتهم إنجذابها المتسرع وسط جموع الزوار المتدفقين نحو المنائر المزهرة تبصر الباب الكبير , تغرق في طوفان متلازم بحضور مدهش ينتفض وسط الصيحات المجلجلة .. ينبعث داخلها السرور ينفذ شعاع محبة ابنها يتمرى في دعائها المنساب مع دمعها الساخن يكوي قواها الخائرة ..
تحس بينابيع مبهمة الحواس تنبعث متدفقة بيسر تتذوق اكتشاف يمنح فرصة للضوء يشخص بانغمار يملئه الضجيج ..
في المساء جلست أمام زوجها ثنت ذراعيها تحت وجهها , لم تجد في رأيه ما يقنعها الإضاءة الخافتة تجعل الجو المشحون أكثر إيلاما نظرت باتجاه المنضدة تقفز أمامها صور عديدة بلا توقف .. الأعتراضات التي أبدتها أنجبت ليلة مليئة بالعجز .. تعاند إحساسها بالنعاس تسللت إلى غرفة النوم تعثرت في زحام أفكارها تمسك طرف السرير البارد تمنت لو تراه ألان تسمع صوته الجهوري تمسح العرق من جبهته وتشم عرفه تتوهج في يقظة تفزع إلى وسادتها لكن النوم يتفتت في وجه الليل النائم على الفضاء الموحش .. لاتستطيع إخفاء ارتباكها وجفاف حلقها حاولت أن تبلل ضجرها .. تتلو أدعيتها بصمت ..
ظلام مدوي كم كان شقيا هذا الولد الحنون أحب تربية الدجاج حينما أراد أبوه ذبح إحدى دجاجاته حزن وانطوى في غرفته , ترك اللعب أهمل دراسته .. وجهه العبوس يخفي وراءه قلب ودود .. حينما أخبرته بأنها ستذهب لزيارة الإمام الصالح هب خلفها عينيه المغرورقتين بالدموع تشبه عيني قط متحفز ..
يمضي معها ملتفة بردائها الأسود يتعثر بأذيالها فتنهره : يا أعمى .. تتذكر كم كانت أمها تطلق عليها هذه العبارة , حينما وجدتها مع صديقتها تمارس السحاق في الغرفة العلوية القريبة من سطح الدار .. أثناء المرحلة الثانوية ارتبطت بعلاقة عاطفية مثلية مع صديقتها آمال المتمرسة في لعبة الحب الشيقة تداعب كرتي صدرها النافر بصلابة متأججة .. يبقين في الفراش طوال الظهيرة عاريات تحت الغطاء تستمر الحركة بلا توقف تتنفس باسترخاء تحت وابل إحساس مفرط بنهم يلقي ظلاله على مساماتها الضاجة من وجع لايرتوي ..
صار الأمر أقرب إلى الفضيحة حينما حملت الأم أقداح الشاي لابنتها التي تدرس مع صديقتها ابنة الحاج شلتاغ التاجر المعروف من أعيان الحي المتسربل برداء العرف الاجتماعي المتزمت .. وشرف البنية زجاجة إذا كسر لايمكن إصلاحه .. شاهدت المنظر المؤلم يكتسي لون الفجيعة أمام الأجساد الطرية .. عاينت الحماسة الذابلة في سماء القيلولة .. النهار الموغل نحو الغروب يمنحها إحساس بالصقيع ويغمرها الانهيار أدمنت لعبة التأرجح بملامس تشع لقشعريرة حرارة القبضة السارحة تحت كل الطيات
ارتأت أمها عرض الموضوع على والدها للإسراع بزواجها حلا بديلا للممارسات المتعبة .. يمتد هلام مجروح من رطوبة غيمة حطت على رأسها الموجوع من المفاجئة المفزعة .. تعثر بعدها رغم الامتزاج الغريب في الرؤى عمن يحل المعضلة المكرسة في جمرات تترصد إصرارها المرتحل صوب النفاذ..
ألإدمان مسار يتواصل بهسيس يدب على رقعة الجسد الموشوم بالرغبة .. قاومت طلب أمها بإصرار يصل حد الإغماءة ..
- ياألهي .. كم غبية هذه البنت
- أنت لاتفهمين مشاعري ..
- اللعنة عليك وعلى المشاعر الزائفة , يجب أن تفرغي الطاقة بالحلال ..
ضحكت الصبية بجذل , من يستطيع الخروج من شرنقة الأشباح حين تسيطر على الجموح المحلق في مخيلها ... الصمت وجد ينساب في طرقات تمضي أمواجا من خلوات تكتسب رمل الأحاسيس الطافحة بقارب منهمك بضفافه العطشى ..
بعدها استسلمت ألام لعهر أبنتها .. الخطيئة تنهض وسط القيود المتكسرة بصمت يئن متمردا خلف الأبواب المغلقة بلا رادع .. تكشف عن التشظي وصراع الأجساد حين يتوغل بغموض مترسب تتلاشى فيه الوجوه ..
مع آمال كسرت بجرأة نادرة وعاء الطقوس .. تترك ساقيها البيضاويين تحت ضغط سوط كتل اللحم الفاحمة لصديقتها .. تبتكر حواس منسوجة في شعرها الداكن عينيها العسليتين تخفي وراءها سبات جهنمي يقتلع الإغفاءة ..
- ألا تشبعين يا آمال
- ليونة جسدك تغوي
مازالت ترقد على السرير بتعب واضح قطرات العرق تسيح على الأعضاء المتعبة تحتفي بهمس حكايا لاتنتهي ..
حانت وجبة المساء لم تزل خصومتها مع أمها الشامخة الصدر المنصوبة القامة تشعرها بالملل .. لم تكن لها رغبة في تناول الطعام انسحبت إلى غرفتها وجدت السكون يبث مفاصله خيل إليها إنها ترتجف وأنفاسها الراقدة على زجاج النافذة تتابع صفيرا يأتي من الخارج ..
تدفع روحها بدنها كإمضاء خجول يجر وراءه خطوط مرتعشة بضوضاء تنبت في مسقط الضوء المهتز على قمة الباب المغلق دوما ..
الطريق الخالية التي تقطعها يلفها الغروب تحيطها شجيرات السرو تلمح السماء المضطربة تاركة ورائها أسراب الطيور تحلق بأشكال هندسية مفعمة بأصوات ضاجة .. في النهاية ينحسر الضوء وتظهر قطع مظلمة تأتي عاصفة هوجاء من الجهات الأربع تهتز الشجيرات فقاعات الظلام تبدو أكثر إيلاما من صورة زوجها الذي يضاجع امرأة بيضاء جوار حائط ملاصق لمؤخرته ..
حينما رآها تحدق به بنظرة غاضبة ارتدى كثبان الرمل مضى تحت دوي صياح رعاة الإبل فاختلطت في عينيها قطع سوداء همت بالرجوع لكن ملابسها غادرت جسدها المكتنز وجناحين هائلين يهبطان لإخماد أنين موقدها الرابض وسط الرماد ..
تنصتت لطنين يسخر منها ترتجف غيظا قوائم سريرها تنهار .. تريد الكتابة لأمها أحست بان وحشا مفترسا ألقى بها جانبا .. راقبت وهي مستلقية على ظهرها بإهمال إقبال الرعشة نحو بدنها المترع تحت علامات لاتقبل التفسير سبرت أغوارها في سماء ملبدة تأملت كثيرا لو أنها تستطيع التخلص من هواجسها ..
تقضم وجنتيها دموع ساخنة .. والحمى تنتفض في جسدها .. الشجيرات المزروعة في طرفي الحديقة الصغيرة تشم رائحة الليل الهابط بحذر
تفتح عينيها بطنها المنتفخة تؤكد لها حقيقة حملها .. وحيدة في غرفتها تناجي الجنين عيونها المطفئة تلح في السؤال المعقد عن البذرة المتحركة داخلها .. ؟
صعدت تلك الليلة لتقرع الباب الزجاجي لسخطها ويتضاعف بلل وقع أقدامها ليعرقل رغبتها الصارمة أخذت تستعيد ظروف تعاطفها مع زوجها تلمس منه عطفا يسافر مع انفعالاتها ..
لأول مرة تذوق الحب وتسنح لها فرصة اكتشافه اللذيذ .. اقتربت من النافذة شمت رائحة التراب انبطحت على السرير تحسست نعومة الفراش ثنت ذراعيها تحت وجهها وسبحت في نوم عميق ..
غريزة الحب أوجدت لها فضاء أخر يهمس إليها تتحدى به القدر وتجفف به عرق اليأس بلا حذر ..
فشلت في الاستمرار بلعبتها .. مازالت تحن إلى ابنة الحاج شلتاغ .. تراكمت صور ممسوحة المعالم في ذاكرتها ..
فكرت بسفرتها الأخيرة إلى ( الغوطة ) حين أغلقت عينيها على متعة متشاكسة تتحرك في دوائر مغلقة لكنها تنفتح على حلقات مضنية ..
لم يتبعها زوجها بقي في بغداد يحافظ على دارهم الآيلة للسقوط بقيت مرتاحة البال فقد استطاعت أن تطمئن على ولدها المقيم في مدريد .. بدت معزولة في مسارات مقفلة تنطوي على طرق مأهولة بين ضياع موجع ومخاوف مقلقة , حلمت بالأضواء لكن الانطفاء الذي يحاصرها يزيد ذوبان إعيائها في شرنقة الجسد .. حاولت أن تطلق نداءات لتستعيد حرارة المودة التي تركتها عند باب البيت لكن لا شيء يمنحها الاسترسال فعلامات الأمل طمست ولايقدر احد على رؤيتها ..












التوقيع

 
قديم 01-25-2010, 12:10 PM   رقم المشاركة : 4
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة : عواطف عبداللطيف متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية للقصة القصيرة

القصة رقم (3)

مناقصة


لم يكن لها اي ذنب في التعرف عليه , لم تبحث عنه في الشوارع وعبر الطرقات , لم تلتق به في حفلة أو نادي , لقد كان صديقا للعائلة , يتردد عليها بإستمرار ومع كل يوم كان ينمو في قلب الحبيبين شعور من الود المتبادل وتعمق أكثر فأكثر مع تكرار زيارته لعائلتها , فملك كل حواسها , وأشعل في فؤاديهما نارا لا تخمد , نارا من الحب الصادق الهادف إلى بناء اسرة تجمعهما وجاء يوم فتح كل منهما قلبه للآخر وعاشا ساعات لا تنسى من الحب الجارف , وكان طبيعيا وهو صديقا للعائلة أن يتقدم بطلب يدها , فهو موظف براتب يمكنه من تأسيس بيت جديد يمنحه بفتاة أحلامه وهي أيضا واعية وموظفة , لقد غزا الحب فؤاديهما عميقا لا أثر فيه لنزوات الشباب أو الطيش العابر , ولكن والدتها رفضته بإصرار , لقد كانت ترحب به صديقا للعائلة ولكنها لا تقبل به نسيبا لها فهو ليس غنيا , وهي تحلم بأن تزوج إبنتها من ثري لا يكاد يعرف قيمة أمواله الحقيقية , وفي أعماقها كانت الوالدة تحتفظ بهذا الرجل .

وناضلت ( سهيلة ) بكل قواها , تحاول أن تقنع والدتها بصواب رأيها , وأنها لا يمكن أن تقبل بغير فتاها شريكا لحياتها , وأنها ترفض ذلك الثري , لأنها لا تحبه ولأنها تفهم الزواج على أنه عاطفة متبادلة وتفاهم في الرأي والأطباع , وليس مناقصة تجارية لتسلم فيها الفتاة لمن يدفع أكثر.

وفشلت كل جهودها وأصرت الوالدة على الرفض ومضت سنة , وسنتان , وثلاثة والوضع على حاله ( سهيلة ) تعيش في أعماق فتاها , وفتاها يعيش في أعماقها , يختلسان بضع دقائق كل يوم للقاء خاطف بعيدا عن الأنظار.

ولم يستطع الزمن أن يقضي على ما في فؤاديهما , وأن يطفىء من شعلته اللاهبة , بل زاد الشوق حبهما وقودا وتعاهدا أن لا فراق إلا فراق الموت , ولكن النتيجة هل يظلان هكذا ..؟؟؟..

يعيشان على الأوهام , يحترقان شوقا , دون ان يستطيعان تكوين العش السعيد الذي يحلمان به وفكرا في خطوة جريئة , في تحدي رأي الوالدة , ولكن عقبة كبرى صدمتهما ,أن الوالدة مريضة في قلبها , وأن أية صدمة ستودي بحياتها , فهل تضحي ( سهيلة ) بوالدتها من أجل حبها , أم تضحي بحبها من أجل والدتها ..؟؟ وبين النارين تعيش ( سهيلة ) وكل جارحة فيها تقول أنها لفتاها , ولو إضطرت أن تنتظر عشرات السنين .














التوقيع

 
قديم 01-27-2010, 05:31 AM   رقم المشاركة : 5
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة : عواطف عبداللطيف متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية للقصة القصيرة

القصة رقم (4)


زبد مازال يطفو على الوجه


الألواح المرمرية المضجعة باستطالةٍ على غرار الموت الأبيض في المبرد الخرساني ترفض الذوبان , تتحيّن ببرودٍ قاتلٍ لحظات المعاناةِ السرمديةِ ليومٍ جديدٍ, تتعافى على أكفِ الضراعة عند فجر الله, وأيادٍ علّمت عليها مطارق الدهرِ الملونةِ..
تتوسل بحنجرةٍ رخيمةٍ: يا رب..! تدججني السماء وألتحف بجمّار خديها الصابح, وتسبيحة طائرٍ صبحي تمر فوق سطحِ الدارِ:
الملك لك.. لك.. لك يا صاحب الملك يلاحقها صياح الديكةِ؛ رداً على بقبقاتِ أنثى تنتظر الأجنة .. أجذبني, ويشد بعضي بعضاً.. تتسمّر أنفاسي لوقع أقدامه الهابطة من أعلى الدرج وأعدها سلمةً.. سلمةً , يعلو سعاله المتحشرج كصهيلِ خيلٍ متعبةٍ.. أتدججُ أكثرَ وأكثرَ , وألضمُ رأسي في ثقبٍ صغيرٍ كخيطٍ حلزونيٍ .. أكشط الزبد الطافي على وجهه كدسامةِ الحليبِ ؛ لكن لو كف هذا السعال وترك صدره المصبوغ بأدخنةِ التبغ البرجوازي ؛ لطالما منعه عن "صباحِ الخيرِ" .. حتى و إن خرجت تكون غير مسموعةً.. تنزلق خرزات الطهور من لحيتهِ .. يركض في موضع ساقيها على سجادةٍ ما زالت محتفظةً بدفئها, ثم يُنهي كوب الحليب الخالي من السكرِ كما أمره الطبيب .

يرنو من النافذةِ.. يتأكدُ أولاً من صفاءِ السماءِ قبل أن يجنح إلى بابِ اللهِ .. تسبقه إلى الصالةِ الضيقةِ , وتبحث عن الفردةِ المفقودةِ للحذاءِ المتآكلِ .. تفتش تحت السلمِ المستندِ على الحائطِ المائلِ .. تلف حول نفسها : كانت هنا مع زميلتها .. يا فتّاح يا عليم ..! ثم تعود إلى الأرائكِ .. تجثو على ركبتيها .. تمد يدها وتتحسس الظلام.. تخرج بواحدةٍ , تضطرب و سريعاً تسقطها في حمّالةِ الصدرِ, تعود وتخرج بالثانيةِ , فالثالثةِ ..., أخرجت كل الأعقابِ التي خبئتُها أسفل الأريكة , خافت أن يراها, فدسّت كبشة يدها تحت الغطاءِ و تركت لي حفنةً من الأعقابِ الرخيصةِ.. كل الطرقِ كانت مصلصلةً لما استدار وخلف وراءه الجدران تتزلزل, وخرزات المرمر تقرع قفصه الصدري, فيزداد صهيله المشروخ .

دون وعيٍ تعودت سنابكه هذا الوحل الأوليّ, يقلع واحدةً و تنغرس الأخرى.. لا يهتم بضياعِ الحذاءِ؛ فلن يضاهي ضياع العمرِ المتآكلِ وتهلهل الملابس الداخلية؛ من أجل حصولي على البكالوريوس.. لا شيئ يهم و لا حاجة تساوي .. المهم أن ابن العم إبراهيم صار أستاذاً يملأ الدنيا ـ تلك الرخيصة ـ لم تدع له فرصةً لجفافِ عمامتهِ و التحام الشقوق المفحوتة في كفِ اليدِ و كعبِ القدمِ ..
بالكادِ وصل بآخرِ نفسٍ إلى المبرد الخرساني .. ساوى مقعدته بالكيبِ المفرودِ على يمينِ الكاتبِ .. مدد ساقيه وأسند ظهره المبلل إلى الحائطِ الخشبي لكن ترك صرة الزواد للشمسِ كعربونِ وفاءِ.. جاءت قطةٌ هزيلةٌ لم يحن لها الطلق.. سرقتها.. بعثرت كسرات الخبزِ في الوحلِ المعجونِ بعظامِ الأسماكِ الهاربةِ من الشِباكِ .. لم تجد ما يرضي بنانها .. اندفعت عربة الرحيل وفرملت على بطنها المتهدلةِ .. زمّرت مرتين .. انتصب فراؤها و ماءت كالملسوعةِ , ثم تشقلبت في الوحلِ تاركةً صغارها مطبوعةً في العجلاتِ .. لوّح له الكاتب من نافذة القيادة: شد حيلك يا إبراهيم قبل النوّه..! ثم انطلقت تجرف في الوحلِ و تأكل من طمي السكك ..
تكدست السماء بوجوهٍ مكفهرةٍ و جهامةِ أهدابٍ سوداء, بعثت أول إنذار ليوسف , فعافر مع الأمواج ووصل بصعوبةٍ .. سحب نصف دنقله على البرِ.. هاج البحر وماج .. كاد أن ينفلت منه .. ازداد الهطول و نفخت الريح ..استفزت الأمواج بزيادةٍ, وغدا الزبد كتلاً من أطوادٍ شامخةٍ .. تصلّبت يداه .. ماتت على مؤخرةِ الدنقلِ .. حاول أن يرفعه لكن تزمجر.. غزّ بطرف عينه إلى الداخل.. كان منشغلاً بالألواحِ, ناداه: بيدك معي يا إبراهيم.. جاءه رمحاً و لزوجة الطمى تحت أقدامهما كالصابون:
اجمد يا يوسف .
الله يعينك يا إبراهيم .
تكاتفا حتى رفعا النصف المنشود .. طرحاه براً, واختبئا حتى تمر العاصفة ..
ولجت الريح بين ألواح المرمرِ , فبدأ تماسكها يتذبذب .. تفاقمت برودتها في فقراتِ الظهرِ كغازِ الفريونِ .. لن يهدأ حتى ينقل الألواح قبل أن تأكلها الريح .. استلَّ الشوكة المعقوفة كي ينهي المهمة , أحس به يوسف .. نهض من غفوته .. ترك الكيب المجدول, ذكّره أن النوّة مستمرةً ثلاثة أيام متلاحمة .. صهل و لم يكترث: الله كريم يا يوسف.. غرس الشوكة داخل الصندوق, وسحب أول كتلة , طوقها على ظهره بجدائلِ الخوصِ المفتولةِ, وراح يتمايل بها نحو المبرد .. عاد وطوق زميلتها .. تسربت حبات المرمر إلى سرته و بين فخذيه .. احتبس أنفاسه و تحامل بمكابرةٍ .. انتفخت أوداجه .. و ازرورقت العروق .. شعر بفرقعةٍ في مكانٍ ما , و صرخ لما دفق الدم كشلالٍ جنوبي .. انزلقت آخر قطعةً فتناثرت الخرزات كنيزكٍ متفجرٍ .. نهض يوسف على صرخةٍ مدويةٍ : أبو خليل .. أبو خليل!!! وفي لمح البصر خلع قميصه وكتم العرق بجديلةِ الخوصِ, ثم انطلق في الوحلِ يزعق في البراح الخالي .

كان التنين الهائج على الحافة يضرب بذنبه كل الأوتاد المنتصبة كالمماليك .. تدحرج الدنقل و تفصصت جوانبه كالبرتقالةِ البكرِ, فتاهت ألواحه بين الأصداف و خشخشة الفقرات .. تكومت السدود وعمّ السواد في الأرجاءِ الفسيحةِ .. التحم البحر والسماء .. احترقت الأمواج .. تصاعد دخانٌ متكاثفٌ, فاكتست السحب بدكنةٍ .. طالت الأطراف البحرية من القريةِ وطوقت عمم القش الملبوسة فوق الأسطح .. تسرسبت الأقدام من كل فجٍ ؛ يبحثون عن الأطفال في البرك .. كانت بينهم .. تركت النول والمناقيش وراحت تضرب الشوارع غير مكترثة بوسخ المجاري البارزة كالشكمانات , لكن لمحها فحشر نفسه وسط الأولاد و راح يردد معهم: يا مطرة رُخي رُخي..! اشتد غيظها .. هجمت عليه وسحبته من أذنه كأرنبٍ شتوي .. سألته عن فردةِ الحذاءِ, فأخبرها أن تسأل بائع الحلوى .. شهقت و قرعت صدرها .. كادت أن تخلع أذنه .. توعدته أن ترسله البحر مع يوسف .. حاولتُ أن أجرده, لكن جاءت طرقات الباب كالرعدِ .. دخل يوسف منتحباً, عاري الصدر و الأكتاف .. ملطخاً بالطمي حتى مفاصله, أطحتُ بملزمةٍ كانت بيدي وسبقتهما إلى المستشفى .. لم أهتم بخرزاتِ المرمرِ المتساقطةِ, لكن ارتطمت برأسي الألواح و صوت الفرقعة .. اندفع الدم على وجهي .. ملأ ملابسي .. كان صهيله يأكل الصدفية , لعنتُ الجامعة و خواء الجيوب , جربتُ أن أرصده عبر نافذة مستديرة.. كان الزجاج معتماً من الداخل .. ارتضيت بالتصنت.. لم تدعني الألواح .. عدتُ إلى النافذة .. كانت منكشفةً هذه المرة .. رمقته ممدداً .. خارت قواي , و أدرتُ وجهي, تلاهثت أنفاسي .. شعرتُ بغثيانٍ و برودةٍ لسعت وجنتي .. أسندتُ جبهتي إلى الزجاج .. استدارت النافذة أكثر و أكثر .. طافت رأسي في الفضاء الواسع .. كانت الألواح تتطاير مع الدخان القاتم .. دنوتُ من البحر.. اقتربت القاع من رأسي.. جاءت مضيفةٌ ذات ألواح مرمرية.. كانت ترقبني من آخر الصف .. همست كصفصافةٍ حانيةٍ: حمد لله على السلامة ..! , فخفق قلبي و ارتجف بانتزاعةٍ؛ لما أعلن المذيع الداخلي عن وصول الرحلة رقم 80 القادمة من بلاد الله .












التوقيع

 
قديم 01-27-2010, 09:45 PM   رقم المشاركة : 6
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة : عواطف عبداللطيف متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية للقصة القصيرة

القصة رقم (5)


لقاء

التقاها بعد سنوات الغياب لم يتغير فيها شيء كأن الزمن لم يجرؤ أن يدنو من منها تلك الومضة الحلوة في عينيها وتلك البسمة الفاتنة على شفتيها بعكسه هو الذي أخذت منه سنوات الفراق الكثير فبدا كهلا في الأربعين
حتى ظن أنها لن تتعرفه ولم يدر أيخاطر بقلبه المريض ويقترب من نطاق جاذبيتها فيتهاوى عند قدميها ويتحطم جسر الأكاذيب الذي صنعه لأجلها عبر سنوات الحرمان الطويلة فقط لتعبر هي لعالم الأحياء فوق جثته أم يتراجع ويفر منها لعل قلبه لا يخذله هذه المرة أيضا فقد عهده رغم ضعفه مقاتلا وان جعله الألم يتقاعد مؤقتا .اخذ يمني نفسه بأنها لن تتعرفه لكنه سمع تلك الرنة العذبة تحمل اسمه لتنساب إلى قلبه كالموج الهادر فتزلزله وتوقف ليواجهها وهو يستشعر ذلك الألم الخائن يتسلل إلى صدره .
يلتقي عينيها التي اوحشته تنقض عليه في عتاب شرس غفره لها وان أرهقه حتى كاد أن يفضي إليها بمأساته لكنه أبى أن يكمل تضحيته الحمقاء إلى النهاية .
سألته في غضب مكتوم عن حاله فحاول أن يبتسم وهو يجيبها فخرجت ابتسامته باهتة ذابلة وخرجت كلماته متخاذلة تفضح كذبه لكن كبرياءها الجريح حجب عنها كل ذلك فلم تر منه سوى ذلك الرجل الذي تنكر لعهد الهوى القديم بحجة خوفه من أن تدمي قيود الزواج نفسه تخلى عنها لأجل وهم الحرية التي لطالما فتنت الرجال فأثرت أن تتشفى فيه لتسترد بعضا من ثأرها فقالت ساخرة :
- "لقد تغيرت كثيرا ،أظن شبابك تخلى عنك مبكرا ."
أراد أن يقول لها أن الحياة ذاتها تخلت عنه عندما افترقا لكنه أطبق شفتيه على سره الحزين ولم يرد بل تركها تنتزع بكلماتها قلبه لتمزقه علها تنجو بنفسها من نار حقدها القديم وتذكر رقتها القديمة وتمنى لو استعاد لحظة من ماصيهما معا وشعر بجحيم مرارتها يحاصره حتى رفع يديه أمام وجهه يحتمي يهما من النيران المستعرة التي توشك أن تغشي عينيه في حركة أدهشتها وزحزحت قناع الكبرياء قليلا عن وجهها فرأت وجهه تغادره الدماء وأنفاسه تتسابق لتغادر صدره وقبل أن تفهم كان هو يستجمع ما تبقى منه ليغادر مكانه ويبتعد بضع خطوات فقط هي ما تلزمه لينجو بها مما أشفق عليها أن تحتمله منذ زمن وان باتت أمنية في صدره يترنح فتيلها في ضعف ليلهب قلبه ويلح عليه أن يستكين بين ذراعيها ربما للمرة الأخيرة . ا لكنه تذكر انه ليس من حق رجل يحتضر أن يرضخ للأمنيات فالأحلام لم يعد لها متسع من الوقت وتمنعت عليه أرادته في أمل لكنها استسلمت له في النهاية والتفت ليراها تمضي في طريقها دون أن تنظر للخلف ا وهنا تخلى عنه قلبه الذي احتمل فوق معاناته مأساة صاحبه .












التوقيع

 
قديم 01-30-2010, 02:31 PM   رقم المشاركة : 7
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة : عواطف عبداللطيف متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية للقصة القصيرة

القصة رقم (6)


لو لم تكن أبي


لم اكن أعرفك يا أبي ‘حين ولدت كنت أنت سجينا لجريمة لم ترتكبها ‘علمت ذلك بعد سنوات ففي أيامي الأولى لم أجدك او أتعرف عليك او على ملامحك ‘ وحين التقيت بك بعد عامين من عمري لم أفهم انك أبي كنت صغيرة جدا وكنت لا اعرف كيف أناديك حين تأتي الى البيت ‘فأهرع الى الباب بقامتي الصغيرة ‘ أتعثر‘ أقع كي أراك وانتظر وأنا أحمل اليك خفيك ‘ وتدخل ‘ ونادراً ما كنت تراني او تلتفت ألي ‘ غير اني كنت أتتبع خطواتك وأنت تتجول في غرف المنزل وكنت أراقبك ‘ ولم تكن لدي فكرة في مفهوم الأب غير اني تغيرت بعد فترة قصيرة من الزمن ‘ فأصبحت أناديك ( بابا ) مثل اخوتي ‘ بتلك السن الصغيرة كنت أريد ان أقترب منك أكثر وأن أجلس بحضنك ‘ أن تطوقني بذراعيك ‘ لماذا لم تكن تفعل ؟ ظل السؤال يحيرني ‘ بقى ذلك الشيء لسنوات ‘ كنت أريد الاقتراب منك ولكنك لم تقترب مني ‘ لم أكن أفهم ان للخارجين من السجن أمزجة خاصة ‘وليس لهم الرغبة بشيء ‘حتى الحب ربما لم يكن لديهم الأهتمام بطقوس الحب والانشداد الى الآخرين ‘ كنت بحجمي الصغير أتصور ان أجد مكانا عندك ‘ أو في قلبك ‘أو كانت لديك المساحة الكافية كما ظننت وكانت هناك مسافة يمكن اختصارها كي اجلس على ركبتيك وأسمع صوتك الجميل وهو يدغدغ سمعي ‘ أتذكر فقط كيف صفعتني حين دلقت اناء الحساء على الأرض .. وبعدها لم اقترب منك أو أنتظر عند الباب عند موعد عودتك ‘ لأني عرفت انك غضبت مني كثيرا تلاشت رغبتي في الاقتراب منك وصارت الفجوة أكبر.
عمري ثلاث سنين وجدت نفسي جالسة بحضن امي في الطائرة والأسرة كلها معي ‘ كان هذا عهدي ببيتنا في بغداد ‘ اتذكر منه الغرف الكثيرة والمطبخ الكبير وأصوات الصحون المتراطمة مع بعضها وروائح الطعام المختلفة وحديقة الدار الواسعة باشجارها وثمارها وأزهارها‘ وكانوا يضعونني على سياج الحديقة حيث اتفرج على كل الدنيا وأنا ألتهم قطعة كعك أحبها ‘ لم اكن أراك يا ابي ألا َّ نادرا ‘ كنت أرى الجميع الا َّ أنت ألم تكن موجودا ؟ وماذا كان يشغلك عني وأنا اصغر القوم في هذه الدار .؟
كنا في الطائرة والتفت اليك كنت تقرأ في الجريدة مشغولا تماما وبعيدا تماما عني كبعدنا عن الارض ‘ كنت خائفة جدا من ارتفاع الطائرة وكانت أمي تقص علي حكاية النحلة زينة التي اشترتها لي من المطار لعبة لنحلة زرقاء جميلة وبألوان اخرى بهيجة وبجناحين شفافين بلون الفضة ‘ ظلت تلك اللعبة معي لسنوات ‘ وأذكر أنك رفضت ان تشتريها
نحن نقيم الان في فرنسا وشيئا ً فشييا ً ضاعت مني معالم أمكنة طفولتي الاولى ‘ وبدأت أتغير رغم معاناتي وأنا أذهب لاول مرة الى المدرسة الاولى في عمر الرابعة فأذرف الدمع كل يوم وأعود محبطة يائسة حزينة ‘ كانت أمي تصطحبني الى المدرسة دائما ‘ لم اذهب معك ولا مرة ‘ وكنت أرى أصحابي يأتون مع آبائهم احيانا . فأشعر بالاسى ‘ لم نذهب معا ولم تمسك يدي ولم تكلمني يوما او تسألني عما أفعله‘ لم نكن أصدقاء ‘ وقد تمنيت ان تكون صديقي تمنيت ان تحملني هكذا عالياً وترمي بي في الهواء ‘تمنيت ان تمسح على شعري ان تمسك يدي ونسير معا في شارع قريب ‘ تمنيت ان أعود من المدرسة وأضع رأسي على كتفك وأختبئ ‘ نعم كنت اريد الاختباء لديك لأشعر بقوتك يا ابي وأشعر بحمايتك‘ كنا أنا وأنت نعيش غربة رهيبة ‘ وازدادت مع الأيام كلما كبرت ‘ وشعرت بتلك الفجوة بيني وبينك كانت تلك الفجوة تكبر وتزداد أتساعا كنت أسالك في داخل اعماقي : ألم تكن تحبني يا أبي ؟ ولأنني لم أجد جواباً ظل السؤال معلقا وفاغراً فاه .
كبرت وأصبحت صبية طويلة القامة وكان شعري طويلا جدا وجميلا ‘ عرفت بالصدفة انك تحب الشعر الطويل فتركته يطول ‘ لم تره أيضا ولم تقل لي يوما انه جميل.. ثرت مرة على نفسي وتمردت وذهبت الى الحلاق ليقصه قصة غلامية قصيرة جدا ‘ حتى الحلاق رفض ان يقصه فتوسلت اليه ان يفعل ‘ وعدت الى البيت وانا بشكلي الجديد ‘ ثارت أمي وغضبت وقاطعتني تماما لأيام ‘لم يرق لها تصرفي وانت لم تنبس بكلمة ‘ كان صمتك يثيرني‘هذا الصمت كان اللغة الوحيدة بيننا ‘ لم نشترك باي حديث معا .

كنت أعيش في عالمي الذي كان فرنسيا بكل أبعاده ‘ جئت في الثالثة من عمري لهذا البلد ‘ ووجدتني هنا في فرنسا و بين الفرنسيين‘ أدرس وألهو وآكل وأتخاصم كانت ايامي كلها باللغة الفرنسية ‘ شيئا ً فشيئا ً تلاشت صور وطني والشارع والبيت وحديقة الدار وسياج الحديقة ‘وأرجوحتي الخضراء ‘ والخباز والسوق الصغير المتواضع وتلك الأمكنة التي كنا نذهب اليها أحيانا .. تلك الطفولة المبكرة كانت هناك ‘ من يومها وأنا لم أجدك يا أبي.. ! في شبابي هذا صرت لا أعرفك أكثر ‘ صار صعباً علينا أن نلتقي أو نتحدث ‘ أقضي النهار كله وأنا أثرثر بالفرنسية أقرأ أفكر أتحدث أتكلم بالهاتف ‘ لا اعرف غير هذا الذي تعلمته هنا في الجامعة ‘ وانا أتجول بين ممراتها في قاعتها في مطعمها ‘ أحمل كتبي وأوراقي والشباب من الجنسين حولي حتى تهيأ لي أني وقعت في غرام شاب فرنسي ‘ وكان يشبهك كثيرا حتى في تصرفاته ‘ لا أدري هل كان صدفة ام كنت احب شخصيتك الغريبة فاخترت مثلها ؟ لا ادري هل كنت أبحث عنك في وجوه رجال آخرين ؟ ولكن لم يشف غليلي ولم يتغير شيء ‘ اصبحت لا أصل اليك ولا أجلس في الصالة حين تكون انت هناك ‘ لا شيء يربطنا ابداً ‘ شيء لا اقول مشتركا ولكن شيء يشبة تلك الصلة التي يسمونها الابوة ‘ كنت أحتاجك أبي وهذا ما كان يؤلمني ‘ فبت أبتعد كثيرا عن أمكنة تواجدك فتمر أيام دون ان أراك ‘غير انك لم تكن تنسى ان تغدق علي بالمال ولكن بالصمت نفسه حتى كنت بتصوري أقول انك مصدر للمال كالبنك مثلا والمال يجلب السعادة غير انها سعادة موقتة ‘ لانك لم تكن تبخل علي بالمال ابدا ً .. غير اني كنت أحس أن هناك الكثير والكثير الذي بخلت به علي ولم تمنحني ولو قليلاً من الدفء الابوي الذي كنت أتمناه .
ولم أستطع ان اجده في صديق أبدا فالحب الذي كنت اريده منك مختلف تماما .
كان مرضك الأخير قاسياً وخطيراً قلب كل الموازين وكل الأشياء كنت اراك في السابق كالجدار‘ صلباً قوياً ‘ فلا تهتز ولا تميل ‘ وفجأة تغير كل شيء وأصبحت أنت الضعيف المنهاروليس ذلك الرجل الجبار الذي أعرفه اصبحت ملقى في احدى المستشفيات تنام وتستقيظ على لعنة المورفين وبدأت أذهب الى المستشفى مع الأسرة كلها او بدونها نساعد ونخفف عنك بشاعة مرض السرطان الرهيب ‘ وانفردت معك كثيرا بدأنا نشاهد التلفاز معا .. وأنا متمددة بجانبك وأحيط جيدك بذراعي اشرح لك واترجم ما لا تفهمه ونلهو في بعض الالعاب التي جلبتها لك ونسمع الموسيقى بجهاز التسجيل الصغير ونتمشى في ممرات الحديقة وأنت متكئ على كتفي ‘ صرنا نتكلم معا صرت ابعث الشجاعة فيك وأجلب لك الصحف والمجلات التي كنت تحبها كثيرا.
أترى ؟ بدأت بيننا صداقة غريبة قوية صداقة حقيقية بين ابنة وأبيها ‘ صرت تحتاج لي وتسأل عني وتفتقدني ‘ صرت لا أطيق فراقك أصبحنا أحسن صديقين على الأطلاق ‘ وأفضل أب وابنة ‘ لم أعد أتقبل فكرة تشبيهك بالبنك ‘ بل صارت تزعجني ‘ فألغيتها من قاموسي ‘ولأول مرة صرت أناديك بابي ‘ وبصوت عال ‘وبكامل الحرية . وأنا اليوم في العشرين . صرت كلما تناديني اجيبك : نعم يا أبي.. صرت أقبل وجنتك وجبينك ‘ويدك كلما خرجت ‘ وكلما جئت ‘ طلبت من الممرضة المسؤولة ان تتركني أعتني بك بنفسي فأعمل لك المساجات أساعدك على ممارسة تمرينات رياضية خفيفة ‘ واضع لك العطور‘وأنظف اسنانك وأطعمك وأرفع الوسادة حين تريد وأغطيك واطفئ الضوء ‘ اصبحت أبي بالكامل .
كنت أريد أن أصرخ بوجه كل الناس : هذا أبي هل تعرفون ؟ انه أبي .كانت تلك الأيام في حياتي من أجمل الأيام لاني وجدتك يا أبي ‘ وجدت اللغة المفقودة واكتشفت الحنان والحب الذي كنت تكنه لي وكان بحجم هذه الدنيا ‘وشعرت ان الحب الذي أكنه لك بالحجم نفسه .

غير ان العد التنازلي قد بدأ ‘ بدأ يأكل من أيامك و من حياتك ومن عمرك المتبقي ‘ كنت في كل ليلة أجلس الى النافذة وأفتح الستائر وارفع رأسي الى السماء وأدعو من الله أن تشفى ‘ لم اكن اريد ان ترحل بعد ما تعلقت بك ولأنني الان وجدتك ‘ ولا استطيع ان أفقدك وافقد الحلم الجميل الذي رافقني طوال حياتي ‘ كنت ابكي امام الله كل يوم وأدعو أن يشفيك لي ‘ غير ان صحتك أخذت تتدهور بسرعة كبيرة فبعد ايام قليلة فقدت الكلام وأصبح صوتك حشرجة غير واضحة وتوقفت عن الطعام لانك غير قادر على بلعه وأصبحت اكثر الأوقات تغط في نوم عميق ‘ بفعل كميات المورفين الرهيبة ‘ كنت تغمض عينيك بهدوء غريب ولحظات قليلة كنت تفتحهما وتبتسم لي ‘ نعم لم تتوقف عن الابتسامة ‘ كنت أمسك بيدك فتضغط عليها حين تكون مستيقظا ‘ كنت تجدني دائما بجنبك في تلك اللحظات فقد تركت الدراسة ولم أعد أذهب الى الجامعة .

تلك الليلة طلبت من ‘أمي أن تذهب وتستريح ‘ لأنهم قالوا لي انها الليلة الأخيرة لا أدري لماذا كنت أريد ان أودعك وحدي غير أنني كنت خائفة جدا وقلقة ومرتبكة ‘ وبقيت يقظة ووجهك الشاحب ..وأراقب تنفسك البطيء واضع اصابعي قرب أنفك لأحس بأنك ما زلت تتنفس ‘ لم أواجه قبل اليوم عدوا صعبا وقاسيا ورهيبا ‘ كان بانتظاري معركة رهيبة مع هذا الذي يسمونه الموت ..
في الصباح والمطر ينهمر والريح تعصف بصوتها الحزين أتوا ورفعوا كل الأنابيب منك كنت أنت في رحلتك الأخيرة التي بدأت بتوقف تنفسك تماما ‘ وأنا أنظر اليك ولا أقوى على عمل شيء انتهى كل شيء بهدوء . اليوم عرفت بأنني فقدتك يا أبي والى الأبد بعد ما تعارفنا وتصادقنا وولدت تلك الحميمية بيننا قبل فترة وجيزة ‘ فترة وجيزة فقط .
لوعاد الزمن من جديد لبحثت عن مثل هذه الصداقة من زمن بعيد بأهتمام أكبر وحرص أشد ‘ وبقيت أراقب خيوط المطر وهي تسيل على زجاج النافذه غير إنني لم أكن أراها بوضوح ..












التوقيع

 
قديم 02-01-2010, 12:00 AM   رقم المشاركة : 8
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة : عواطف عبداللطيف متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية للقصة القصيرة

القصة رقم (7)


اليوم الأخيـــــر


من النهاية بدأت خيوط الحكاية .. و كانت خاتمة ليوم أخير !
حلم تجسد أمام ناظري بأبهى حلله ، بعد زمن من الأحلام ، كنت ككل الشعراء الذين يموتون في الصيف ، و يبعثون من جديد في بقية الفصول ، ليبحثوا عن أحلامهم الضائعة في المثاليات ، و يرتبوا رسائلهم الشعرية في ضحكة طفل ساذجة ، أو جسد امرأة لم تدنس عفتها يد إنسان !
حد دقيق كان يفصل بين الحلم و الوهم ، ربما تختلط الأوهام و الأحلام في ذاتي خلال أيام الصيف ، ربما تتعثر بوصلتي القديمة ، فأفقد اتجاهات الصواب أحياناً ، لكنني أعود في الشتاءات الندية ، أمحص و أرتب و أدقق ، ثم أسير باحثاً عن حلمي من جديد ، حتى كانت البداية .
سألني أحد أصدقائي خلال حديث محموم بيننا :
_ هل تدع من تحب ؟؟
أجبته بثقة :
_ أكيد لا !
_ و عندما يدعك ؟
_ ربما يكون الخطأ في الاختيار !
_ كيف تحب من لا يستحق الحب ؟
_ هذه مسألة لا تخضع لمنطق إلا في أضيق الحدود .
_ إذا أنت توافقني في ترك من يدعك ؟
_ ربما !
_ هل تدرك الألم من حبيب يتجاهلك ؟
_ من يتجاهلك ليس بحبيب حقيقي .
_ لكن الأشد إيلاماً ، حـب تعجز خلاله عن البوح لمن تحب !!
غرقت في ضحكة عريضة من أسئلة صديقي الحادة ، ربما المأساة التي يعيشها صديقي كانت سبباً لكل هذه الأسئلة ، مسحت دموعي من أثر الضحك ، أجبته بصراحة مطلقة :
_ الآن فهمت ، الأخ مقيم في السودان ، و لا يرى حبيبته ، لا يرى سوى الرجال .
فضحك معي و قال :
_ ليست هذه كل القصة .
فكرت في كلماته كثيراً ، و قفزت الآنسـة إيلاف فجأة إلى الواجهة مرة أخرى ، تأملت قول صديقي ( السوداني ) :
_ الأشد إيلاماً هو الصمت عمن تحب .
تذكرت كل اللقطات الجميلة التي خزنتها الذاكرة ، و قد شارفت المدرسة على العطلة الصيفية ، راجعت كل أوراق الماضي بتمعن ، قرأت السطور و ما بين السطور ، كان فيها ما يسر ، و كان العكس ، و هناك الآن في حي الثورة حيث تربض الآنسة ، و تعد أيامها الأخيرة ، تلملم أمتعتها ، استعداداً للرحيل ، ماذا سيكون لو أصبحت شجاعاً و تكلمت ، و ماذا سأفعل لو أوصدت أبواب الأمل في دروب أحلامي ؟ ماذا لو تكسرت الأحلام الرومانسية فوق رأسي و استحالت كابوساً ثقيلاً في يقظتي و منامي ؟
بدأت أتحين الفرصة المناسبة ، حتى جاء اليوم الأخير في العام الدراسـي , وقفتُ أمام صفي ، حشرتُ يداي الباردتان في جيبي علني أدفئهما قليلاً ، على الرغم من القيظ الحزيراني وقتذاك ، و طفقت أنتظر خروجها من صفها ، طال الانتظار .. تجولت في الممر الطويل ، لم أراها ، عدت إلى صفي ، و حاولت تناسي الموضوع بكامله ، أدركت أنها كانت تتهرب من لقائي ، من كلماتي ، جلست في أعماق كرسيّ ، تشاغلت في النظر إلى جلاءات التلاميذ ، انتابتني حالة من اليأس المر ، سخرتُ من نفسي ، لمتها بعنف ، لماذا ؟ لماذا يا نفس أوقعتني بمنحدر من الهوى الخائب ، ثمن عزة النفس باهظ ، و الأدهى هي تلك الهلوسة التي تسكعتْ روحي في متاهاتها ، لن أعتب عليها ، لن أحقد ، لن أكره ، ليس هذا من طبعي ، لكن ألوم النفس التي أخذتني بعيداً في الأحلام بل الأوهام ، حتى اختلطت كليهما ، فلم أعد أميّز ، ثم أخيراً عزيت نفسي ، قلت :
_ أنثى عربية بزمن خارج عن المنطق ، الحق معها !
حملت رحى الصراع و هويتُ على أوهامي و أحلامي و جنوني ، فحطمت الجميع ، الرحى و الأوهام و الأحلام و الجنون ، و نفضت يدي ، و التفت إلى تلاميذي ، قلت لهم :
_ الآن سأوزع الجلاءات و الجوائز ، اليوم تقطفون ثمار أعمالكم خلال العام المنصرم .
و بدأت أذيع الأسماء بالترتيب ، و أوزع الجلاءات ، مع الجوائز للمتفوقين ، و انهمكت في عملي ، و أنا أهنئ هذا المتفوق و أشجع ذاك المقصر ، و قد تحلق الجميع حولي ، و انفرط عقد النظام الذي كنت أفرضه بصرامة خلال أيام العام الدارٍسي المنصرم ، قلت في نفسي :
_ هذا اليوم يومهم ، ليأخذوا راحتهم !
علا صياحهم و اشتدت حماستهم و ضحكاتهم ، ثم انطلقت حناجرهم بصوت واحد فاجأني :
_ قيام !
و أطبق الصمت ، التفتُ حولي ، فلاحت لي الآنسة إيلاف ، تقف عند الباب ، و حينما التقت عيني بعينها ، ابتسمت بعذوبة ، خلت أنها جاءت لوداعي كونها لن تكون معنا في هذه المدرسة العام القادم ، انتظرت للحظات ماذا تريد القول ، هززتُ رأسي ، فقالت :
_ ممكن أستاذ كلمتين ؟
نهضت من مكاني ، و تسمرت عيوني ، و خفق قلبي ، هل ستعلب معي لعبة ماكرة ، تكويني ثم ترميني ؟ لا ، لا أتصور أنها ستفعل ذلك ، جمال منطقها لن يشذّ عن جمال روحها ، ربما تريد الوادع ، وقفنا في الممر الطويل ، فاجأتني بالسؤال :
_ أستاذ ممكن تقول لي الآن ماذا تريد مني ؟
حاولت بسرعة خارقة الظهور بمظهر متوازن و متماسك ، و تجاهلت كل النواحي التي كانت تدغدغني :
_ لا أريد شيئاً ، سلامتك !
_ رأيتك تتجول و في عينيك كلاماً كثيراً !
رأتني ؟ كيف رأتني هذه الداهية ، و قد عجزت عن لمح أي أثر لها طوال أكثر من ساعة ؟!
و عادت تستنطقني من جديد :
_ هل ستودعني بصمتك المعتاد ؟
رباه ! ماذا سأقول لها ؟ شيئاً واحداً أريد قوله ، لكن هل هو ما تتوقعه ؟
شيء حفر في نفسي جروحاً و بسمات ، هل ستتقبل ما أقوله ؟
طال انتظارها ، و طال صمتي ، قررت أن أبوح لها ، ماذا عسى الجرح أن يتكلم ، ٍو يكلم مرة و أخرى ، ألن يندمل بعدها ؟
قلت لها بكل ثقة ، و قد استعددت لأي جواب محتمل ، في ظل بصيص واهن من الأمل :
_ آنسـة إيلاف ، لقد اختزنت صفائح ذاكرتي صورك و ذكرياتك هنا ، حتى أصبحت جزءاً من كياني ، كالأوردة ، كالشمس ، كالحياة .
افتر ثغرها بابتسامة لم أستطع تفسير مدلولها ، و قالت :
_ ثم ماذا ؟
_ حتى شعرت أن الحياة بدونك عذاب أبدي !
وضعت يدها على خدها ، و الابتسامة لا تزال تفترش وجها الغض ، تستمع بإنصات ، و تسأل :
_ ثم ماذا ؟
ضقت ذرعاً بعبارة " ثم ماذا " ، كنت أنتظر منها ضوءاً أخضراً لأتابع بزخم أكبر ، و أنطق تلك الجوهرة : أنا أحبك !!
لكن هذه " الماذا " أرعبتني ، و كأن الموضوع عندها نكتة خفيفة !
سألتني أخيراً - بعد أن قذفت كل ما أجاد به لساني - :
_ هل انتهيتْ ؟
تسمرت عيناي ، تنتظران الجواب من محياها ، و صحت من أعماقي :
_ الحمد للـه انتهيت على خير .
صمتتْ برهة و هي تجول النظر بي ، ثم أدارت ظهرها و اتجهت نحو الإدارة ..
و عادت تلك الغصة المرة تتمرغ في حلقي ، أدركت الآن مدى الوهم الذي كان يسيطر على مجريات حياتي خلال هاتين السنتين من عمري .
بقيت أراقب مشيتها حتى دخلتْ باب غرفة الإدارة ، و بعد دقائق قليلة خرجتْ نحو الباب الخارجي دون أن تعيرني أي التفاتة ، فخبا آخر بصيص لي في حبي ، و عاد الظلام يعشش في كل كياناتي ، لم أكد أغادر المكان حتى رأيتها تقفز أمامي ، لم أصدق ، عادت إلى ابتسامتها المعهودة ، حدقت بعمق في وجهي ، و أنا صامت أراقبها ، سألت :
_ هل تعلم من أمهر العشاق ؟
سألتها :
_ لست أنا !
_ لم أنت متشائم ؟
_ العقبات !.. لم عدت ؟
_ لأنني أحبك !
_ تحبينني أنا ؟
_لأنك أمهر العشاق .. أنت من أسر قلبي و حميتني في هذا العالم الغارق في جنونه ! أصبحت الحب كله ، أنت الأمل الذي كنت أعايشه سنتين اثنين ، أنت من بث في قلبي النور و البشرى بأن هذا العالم لن ينتهي بكارثة ، و فيه رائحتك المثقلة بندى الزهور ..
و ذرفت عيناها قطرات من الدمع .. لم تتمالك .. تأملت ذبول عيناها ، لم أصدق ..
غرقت في ضحك شديد ، و تعالي صوت ضحكاتي ، أيقنت أنني أصبحت مجنوناً بشهادة من رآني من المعلمين و المعلمات الذين خرجوا ليستطلعوا الأمر ، و قفوا أمام غرفة الإدارة يراقبون جنوني ، و الآنسـة لا تزال تتكلم ، و كلما قالت : لأنك ، انفجرت بضحك جنوني , أصابتني حالة من الهستيريا غير المعهودة ، أيقنت أن هذا هو اليوم الذي الأخير في رزنامة السنوات العجاف ، سأنعم فيه بوهج شمس لا تكسبني إلا نظارة في الوجه ، و شباباً في العمر ، تمدني بحرارتها في كل الأمكنة ، يشع نورها في كل ظلمات يأسي ، تهبني الحياة ، تعيد تدفقها في دمـي ، بعد أن غضنت وجهي سـنوات البحث الطويلة عن يوم أخيـر للعتمة الباردة .












التوقيع

 
قديم 02-02-2010, 09:19 AM   رقم المشاركة : 9
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة : عواطف عبداللطيف متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية للقصة القصيرة

القصة رقم (8)


حديقة الرخام السرّية


غرفة نوم مرتبة جدا, صفراء جدا, كلاسيكية ومتشنجة كصاحبة الغرفة التي تقف أمام المرآة تشّد شعرها للوراء بقوةٍ محاولة رفعه ولمّه دون أن تترك مجالا لأي أي شعرةٍ بالسقوط أو التدلي, تتأكد من إحكام إغلاق جميع أزرار قميصها حتى العنق, حتى أسفل الذقن. تنظر للمرآة نظرة أخيرة.. امرأة في العقد الثالث من العمر, خمرية البشرة, جذابة, ذات عينين ثاقبتين ثابتتين ومتشنجتين أيضا كأنهما من زجاج.. تلاحظ شعرة بيضاء( شيبة) تختبئ بين شعيراتها السوداء, تسحبها بقوة مقتلعة إياها من جذورها.. تنسدل بعض الشعيرات هنا وهناك على وجهها حادّ الملامح ,, لتعيد ربط شعرها بإحكام للخلف مرة أخرى, تتأبط حقيبة سوداء صغيرة, مستطيلة الشكل ككتاب جديد خرج للتو من المطبعة.
تذهب للسوق المجاور لبيتها لشراء بعض الفواكه والخضار, تسير على الرصيف بخط مستقيم دون أن تحيد عنه حتى لغرض إفساح المجال للمارّة! رافعة رأسها للأمام كجنديّ ملتزم.
تشتري حاجياتها وتعود للبيت ماشية على نفس الخط الرصيف ونفس الخط المستقيم!

* * *

( تسأل احد طالبات المدرسة الثانوية التي تُدرس فيها – بعدما ضبطتها خلف حمام المدرسة تضع أحمر شفاه-:
- ما هذا الذي تضعينه.. أهو احمر شفاه؟
تأتأت الطالبة بدهشة ولم تجب مُخبئةً حقيبتها الصغيرة بين يديها خلف ظهرها.
اختطفت الحقيبة من يدها بقوة وأفرغت محتوياتها على الأرض ثم التقطت قلم شفاه احمر جدا بدرجة بدائية فاضحة. صرخت بوجهها بعدما التقطت عن الأرض باقي أدوات الماكياج التي كانت في الحقيبة:
- ما هذا؟ ما زلت صغيرة على ذلك, أتعلم أمك بأمرها؟
الم يعلمك اهلك أن هذا عيب لمن هم في سنك؟
وحتى لمن هم اكبر منك فالفتيات المحترمات لا يضعن احمر الشفاه هذا.
تعالي معي لمكتب المديرة.
شدتها من يدها بقوة لكن الفتاة قاومت متوسلة بأنها لن تعيد الكرّة مرة أخرى قائلة:
- أرجوك آنستي إن أخبرت المديرة بذلك فستخبر أمي.. وتقتلني, سيقتلني أبي.
- أبوك؟ .. ألم تفكري بذلك حين وضعت احمر الشفاه؟
سحبتها مرة أخرى فقاومت الفتاة بشراسة أكثر فأوقعت كتابا كانت تحمله بيدها الأخرى.. انفتحت صفحاته لافظة ورقة مطوية بشكل رسالة, التقطتها المُدرسة وفتحتها كما فتحت عينيها وفمها وفتحتا انفها أكبر حد ممكن حين قرأت ما مكتوب فيها صارخة بتعجبٍ وغضبٍ شديدين:
- رسالة غرامية يا...
سألقنك درسا.. من هذا الذي ضحك عليك.. وأين تقابلينه ومتى؟
بعد المدرسة ها؟ أيعلم اهلك بذلك؟ طبعا لا..
تتصرفين على حل شعرك.
حاولت جرها مرة أخرى حينها سحبت الفتاة يدها بقوة وغضب واختطفت الرسالة منها قائلة بحدة بالغة:
- معقّدة.
أطبقت المُدرسة شفتاها كأنها تعضّ على أسنانها من الداخل وصفعت الفتاة بقوة على وجهها).

* * *


عادت من السوق كلل صباح, أفرغت الأكياس لوضع الفاكهة والخضار في الثلاجة, فوجئت بورقة صغيرة داخل كيس الحلوى التي تحب, مدونٌ عليها رقم هاتف, قطبت وجهها وعصرت الورقة الصغيرة بين أصابعها وهمّت للخروج من الباب, فتحته بعصبية ثم وقفت تفكّر...أغلقت الباب بهدوء وأسندت رأسها وظهرها عليه وابتسمت مفكرة:
- حتى ذلك الصبي الصغير رغم ظروف عيشه بالشارع وحرمانه من الذهاب للمدرسة أو اللعب مع من هم بمثل سنه, رغم ما يقاسي بعمله الفقير ذاك.. لكنه يفكر بالحب.. يرغب بعيش حياة طبيعية, يدرك انه إنسان.
أطرقت رأسها وتهجمّت ملامح وجهها وتمرّكز بصرها بنقطة واحدة على الأرض ثم جلست ماسحة ظهرها بالباب ووضعت ذقنها على ركبتيها ثم ضحكت, ضحكت ورمت بالورقة بعيداً, أكملت تفكر في نفسها:
- حياة طبيعية لم أحظ بها.. نحن الناس العاديون الذين نعتقد إننا نعيش الحياة الطبيعية المثالية..لكنها دون حب.
عادت ملامحها المقطبة المتشنجة بالظهور ونهضت تكمل تفريغ الأكياس.

* * *

جلست على سريرها بغرفتها المرتبة جدا, ذات الإضاءة والستائر والسجادة الصفراء, لا يتخللها ضوء الشمس أبدا بسبب إحكام غلق الستائر.. جلست من جانب السرير المقابل لمرآتها الطويلة ذات الإطار الخشبي المنقوش كقطعة
( أنتيكه ) , تحدث نفسها بملامحها الجادّة المقطبة:
- عديم التربية.. من أين تأتي له التربية وهو ابن ..ربما يكون الآن قد جمع أصحابه يخبرهم انه أعطى المُدّرسة رقم هاتفه بكيس الحلوى وبأنه يتوقع منها أن تهاتفه بأي ساعة من هذا المساء.. نعم, فالمراهقون يمارسون ألعابهم الصبيانية ليلاً, يخدعون الفتيات الطريات المدللات.
التفتت للهاتف الموجود على الطاولة قرب سريرها حيث موضع رأسها, نهضت مفّكرة:
- موجود هنا لأنفض عنه الغبار فقط وأدفع فواتيره ولا مكالمات.. رفعت السمّاعة تتفحص:
لا أرقام صادرة
لا أرقام واردة
ولا حتى رسائل صوتّية..
صفر.. صفر.. صفر.

وضعت السمّاعة بسرعة وقوّة وعادت تجلس أمام المرآة تنظر لنفسها بملامح أكثر رطوبة وأسردت تكمل حديثها مع نفسها بصوتِ عالِ وبلهجةِ أكثر ليونة كأنها تحاول إقناع المرأة القابعة بالمرآة بوجهة نظرها:
- لكن.. ربما هاتفه يرّن باستمرار .. هناك من يسأل عنه, يحدّثه, يغازله, يحبّه, ويؤنس وحشة الليل.. بدفيء قلبه و.. (مترددة) وجسده.
قطبت وجهها مرة أخرى ووضعته بين كفيّها صارخةً:
- لا.. لا.. بماذا تفكرّين؟ .. عيب.. عيب.. ليس هذا ما تربّينا عليه.. ليس هذا ما علّمه إياه آباؤنا.

* * *

الليل.. أطفأت التلفاز الذي تسّمرت أمامه عيناها أمامه دون انتباه لما يظهر فيه أبداَ وكأنها تنظر لشيء داخل رأسها !
نهضت لغرفتها تحاول النوم, شغّلت موسيقاها المفضّلة (صلاة الليل), جلست في فراشها, شعرها المشدود حتى وقت النوم, بيجامتها الزرقاء الداكنة.. ثم
أمسكت الهاتف ووضعته على الغطاء أمامها وداعبت أزراره بأرقامَ ما..
هي: ألو..
هو: نعم.
هي أنت قدري.
هو (ضاحكاَ): عفواَ؟
هي: ساحبك!
هو: هل هناك قدرُ؟ أو هل يُسلم الإنسان أمرٌ لقدره؟
وحدهم المهزومون الذين يخضعون لأقدارهم.
هي: إذن.. سأصنع قدري.
ساد صمتٌ لثوانِ, تنهدت ثم أسردت:
سيدي, أيها الرجل الذي لا انتماء له..
من أنت؟
هو: أنا؟ مجرد إنسان يؤمن بأن الأرض لا دود لها فكرياَ وجغرافياَ ودينياَ.
هي: والإنسان؟
هو: الإنسان نصف إله إن لم يكن الإله في الحقيقة.
هي: سأحبك.. ألديك مشكلةٌ في ذلك؟
هو: مشكلتي الليل الأزرق.
هي: سأظفر شعري مع خيوط ليلك الأزرق
لتغمرك عتمتهما وأكون مشكلتك أيضاَ..
وتكون قدري.
هو: الإنسان يفعل ما يستطيع حتى ينكشف قدره
وأنا أزرق.. أرزقٌ قدري.
هي: الإنسان؟ .. أنا إنسانةٌ جداَ.
هو: ألم أقل لك إنه نصف أله؟!
هي: أين أنت؟ وأين تعيش؟
هو: المدينة أنتِ..
ولا حصار فيها إلا بريق عينيك يحبسني..
في غرفة واحدة..
أزمنة واحدة..
وذاكرة واحدة.
هي: سأحبك إذن.
هو: سيدتي الخمرّية..
هي (مقاطعة): وكيف عرفت بأني سمراء؟
هو: من طعم صوتك.. كثيفٌ كالليل
شهيّة الحضور.. يا سيدتي الخمرّية (منادياَ).
هي: نعم سيدي اللامنتمي.
هو: إني أتلظى عينيكِ الناعستين
فهل لي بكأسِ من خمرهما؟
هي: خمرهما؟ سيتعبك ويتعبني..
أنا متعبٌ جداِ حتى مني.
هي: حدثني عن الحب.. عن اللامنتمي العاشق.
هو (بعد صمت وتفكير): الحب بسيط..
جاف وطريّ, ملّون وضبابيّ
الحب متناقض كأفكار هشّة في رأس وحيد مؤمن
(ثم قال منادياَ بلهجة جادّة):
تعالّي معي..
هي (خائفة): إلى أين؟
هو: سأمنحك الحرّية.. سأحيلك أنثى مضيئة من جديد
(سكتت مفكرّة)
هي: أتسمح لي أن انتمي لللاإنتمائك.. عالمك؟
هو: الفوضى عالمي..
الوتيرة الواحدة
الماضي الجميل
كلها شرائع مقدسة لدّي..
ومع هذا أنا تالف..تالفٌ جداَ
هل الذاكرة تتنفس؟!
هي: وحقيقيٌّ جداً
وكثيرٌ جداَ عليّ
وهل أنا أتنفس؟!
هو: تحسسي صدرك وأنصتي لقلبك براحة يدك.
هي (باستغراب): أتحسس ماذا؟
هو (ضاحكاَ): أتخجلين؟
أراهن إنك لم تنظري لنفسك في المرآة عاريةَ أبداَ.
هي (غاضبة): ويحك.
هو (بإصرار): إذن سأرسم حدود نهديك أنا..
هي (مقاطعة): اخرس.
هو: سأقطف ما أشاء من ثمار شفتيك بشفتيّ.
هي: كفى.. كفى.. أسمع صوت والدي.
هو (غاضباَ): غبيّة.. سخيفة.. أرضية التضاريس
أمنحك يدي لنرقص على قوس قزح معاَ,
فتنصتين لأصداء الذاكرة!
هي: من سمح لك بتشويه خرائط ذاكرتي؟
هو: اخلعي كل شيء..
فالجو حار جدا
الجو ملتهب جدا
وأنت.. أانت جائعة؟
هي: أتضور جوعا.. لكن لا.
أقفلت السماعة بقوة ثم استلقت بسريرها مبتسمة.

* * *


صباح اليوم التالي, قررت أن تفتح الستارة ولو قليلا غير مكترثة لنوافذ الجيران المفتوحة وشرفاتهم المطّلة على نافذتها في البناية أمامها, امتصت الهواء بأنفها وفمها وصدرها وحتى بمسامات جلدها..
عادت لمرآتها.. أسدلت شعرها ثم رفعته, أسدلت خصلة منه ثم رفعته مرة أخرى لكن برفق لتسمح لأحد الخصل بالتسلل على جبينها حين تشاء من تلقاء نفسها.
فتحت خزانة ملابسها, أسود.. رمادي.. أزرق.. أبيض.. أسود أيضا.. ازرق داكن.. رمادي مخطط بأبيض, كُحلي. لم تكن تملك لونا واحدا ينبض بالحياة, كل شيء يشير للعتمة والكآبة والتشنّج. ملابسها كانت عبارة عن قطع قماش هندسية الشكل وصفّ طويل من الأزرار.
ارتدت أي شيء, أقفلت أزرار قميصها حتى وصلت لأعلاها, تركتها مفتوحة.. ثم أغلقتها, لكنها لا تتفق والخصلة المتهاوية على وجهها الطريّ النديّ هذا الصباح.. قررا أخيرا أن تتركها مفتوحة والذهاب للسوق لاكتشاف ألوان أخرى وأشكال جديدة غير نظامية.. غير منتمية.

* * *

الليل مرة أخرى.. الساعة الثانية عشر بعد منتصفه, ارتمت على السرير محتضنة الهاتف بطنها كأي طفل صغير.. أو رجل! داعبت أزراره بأرقام ما..

هي: غازلني قليلا, لكن بأدب هذه المرّة.
هو(ضاحكا): أنت أنثى تشبه الأوكسجين
والحب حاجة للتنفس
أداة للوصول إلى الروح
وأنا عندما أتغزل بامرأة أكون مجنونا جدا
وجميلا جدا..
هي(تنهدت): سأعطيك الضوء الأخضر
لكن.. أنا سأقرر متى تتوقف!
هو: اجعلي شفتيك كأسي
ومن صدري تنفسي هواك
لأحيى بك وبسباتك..
هي: سباتي؟.. أتظنني نائمة؟
هو: ومنتظرة قبلة أميرك لتتوهجي بالحياة.
بالصحو.
(سكتت)
هو: ارسمي خطا طوليا يشطرني نصفين
نصف لك..
ونصف لك..
وانفثي الدخان عشقا.
(سكت ثم أكمل جادّا)
قولي شيئا.. لا أسمع سوى همسك على لساني.
هي: أنا أرقص منصتة إليك..
تابع أرجوك.
هو: أترقصين على لحن مجرد من الأنغام الأزليّة؟
كجسدي المجرد من كل شيء,
إلا منك.

(تشغّل بتلك اللحظة موسيقاها المفضّلة)
(يكمل)
جسدي الذي يصبح حريريا دافئا
كشعري على صدرك..
(قاطعته بهمس رقيق) : صه.
ساد صمت لثوان, بدأت تتحسس الهاتف على بطنها رافعة يدها تدريجيا كسلحفاة زاحفة نحو صدرها بحذر ورعشة.
هو: أجل, راقصي خصلات شعري بأصابعك الشهّية كالبسكويت..
هي(متعجبة): ماذا؟ هل..؟
هو(بعد حسرة طويلة): بعد أن تلملمي أشيائي المبعثرة على صدرك
قبلاتي, رائحتي وحتى نبضي
لا تنسي أن تُدثريني.. أحتاج أن ألتحف بك
الشتاء يخبرني إني أحتاجك أكثر
أكثر.
هي: أنا المحكومة بالبرد والرجفان منذ الولادة..
أنا من تحتاجك أكثر.
هو: فلنمتزج معا
فلننصهر معا
أكنّ في الصدر انفعالاتك
تعضيّن على شفتي
وكم احسد الجرح أسفل شفتي..
(تتحسس شفتيها بنشوة غامرة)
(يكمل هو بعد صمت ونفث دخان)
في هذا الليل .. أدخن ملامحك
وأشتاق عزلتي!
أشتاق منفاي.. أشتاق لا انتمائي..
فقد أصبحت منتميا إليك.
هي( بعدما قلبت نفسها على بطنها):
إذن.. أزرق قدرك.. وأنثى خمريّة انتمائك
هو: متى سيوشم بصري بهاتين العينين الناعستين؟
متى ستكوى راحتّي بالتفاحتين على الصدر؟
هي: ماذا تقصد؟
هو: صار ملزما أن أراك.
هي(مقاطعة): نلتقي؟
هو: فلنلتق.
فلننصهر معا جسدا وروحا وانتماءا.
هي: غدا نلتقي ..(أجابت متلهّفة برغبة عارمة, دونما تفكير ).

* * *

الشعر المُسدل, الثوب الأحمر المُرتجف على جسدها لهاثا, أحمر الشفاه الحمر جدا.. البدائيّ جدا, تحت معطفها الرماديّ القديم, هكذا اختبأت.

المساء الموعود, خرجت لمكان اللقاء قبل الوقت المُحدد بدقائق..جلست على مقعد الحديقة العامة التي يسمونها (حديقة العشاق) لكثرة التقاء العشاق فيها غالبا.. قلبها يتراقص فرحا وخوفا, أنفاسها اللاهثة من البرد والرهبة, يداها المتجمدتان, تشعر بأنها عارية بهذا الثوب.. جلست طويلا تراقب العشاق يدخلون أثنين أثنين متعانقي الأصابع.. يجلسون على المصاطب ثم ينسلون بين الأشجار ويذوبون هناك بلا عودة, أثار الأمر فضولها, الانتظار القاتل والبرد القارص جليسها الوحيد.. لا أحد يدفئ كتفيها ويديها, لا كفّان يضمان وجهها.. مرّت الساعات وعينيها ما زالت تراقب الأشجار دون أن يخرج منها أحد, كأن الجنة تكمن هناك, فمن يدخلها لا يخرج أبدا بإرادته أو دونها, وتخيّلت كيوبيد يجلس بأعلى احد الأشجار يرشق السهام متوغلة لداخل الأشجار.. وصل الفضول لدرجة لم تتحملها, تسللت هي الأخرى بين تلك الشجيرات المغريّة كالفاكهة المحرّمة, تخيّلت أن ثمة ضوء ينبعث من الداخل, كان العشاق يختبؤن هناك, كل اثنين اختارا شجرة لتحضنهما تحتها.. لاحظت الطالبة التي صفعتها قبل أسابيع تجلس تحت احد تلك الأشجار وحبيبها المشغول بتقبيلها بنشوة وعذوبة, كان يمسك وجهها الصغير بكلتا يديه, يقبّل شفتيها وكأنه يقضم بشفتيه مشمشة طرية جدا, سريعة الذوبان بينهما ويمتصّهما للداخل, كانت الفتاة تضغط على زنديه بكّل قوتها وكأنها ستغرز أظافرها فيهما.
ابتسمت وعادت متسللة خارج الأشجار, خارج المنتزه..عادت للبيت, الساعة تقارب الثانية عشر, رمت معطفها وتناولت الهاتف تتفحصه, لا أرقام واردة.. لا أرقام صادرة ولا حتى رسائل صوتية, كان تاريخ آخر مكالمة يعود لزمن بعيد, قبل أسابيع كلّمتها المديرة بشأن الشكوى التي رفعتها الطالبة ضدها لأنها صفعتها ذلك اليوم!












التوقيع

 
قديم 02-02-2010, 03:56 PM   رقم المشاركة : 10
أديب (صديق النبع)






  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :محمد السنوسي الغزالي غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية للقصة القصيرة

مسؤؤؤؤؤؤؤؤلية ياعواطف..سامحك الله..لااحب التقييم فأنا أجد نفسي احتاج الى تقييم







 
موضوع مغلق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأصدارات الخاصة بأعضاء منتديات نبع العواطف الأدبية عواطف عبداللطيف أخبار الأدب والأدباء 7 09-20-2010 11:14 PM
نتائج مسابقة نبع العواطف الأدبية الأولى للقصة القصيرة عواطف عبداللطيف مسابقات السرد 38 03-23-2010 01:12 PM
نتائج مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية الأولى للخواطر عواطف عبداللطيف مسابقات الخواطر 13 03-22-2010 08:09 PM
مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية الأولى للخواطر عواطف عبداللطيف مسابقات الخواطر 17 03-17-2010 10:40 AM


الساعة الآن 02:39 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
:: توب لاين لخدمات المواقع ::