• [1]
• كان يوما لاشمس فيه من بدايته..صحا مبكراً..كان كل من في العنبر نائماً..إلا من نباح كلاب المطار..وأزيز الطائرات الحربية الذي يخترق الصباح بينما طاقم الصيانة الليبي والروسي يراجعها قبل رحلة الاستطلاع صوب الشواطئ ..تلصص من نافذة فوق سريره العسكري..كانت الكلاب قد توقفت عن العواء..بجانب العنبر مباشرة كان هنقر الصيانة خلف [الران وي] كان عبد الجليل الآمر النشط يصرخ فيهم : أسرعوا فالشمس انبلجت وانتم تتكاسلون .
• حمل نفسه من فوق السرير وسحبها نحو الحمام بينما مد يده الى الخزانة ملتقطا ومتحسسا أدوات الحلاقة..
• [2]
• كان يحدق في المرآة المهشم نصفها في الحمام ليتبين الاماكن والتضاريس التي لم يحلقها في خده الايمن ويتحسس بأصبعه نعومتها..من خلال المرآة تبين ان هناك شبح يقترب..يقترب حتى تبينه..ذلك الملازم الشقي..حدجه بنظرة لاتخلو من حقد..وقال:
- اراك دائماً تجلس في الساحة اثناء الاستراحة وتقرأ كتاباً أو مجلة او ماشابه..هنا ستنسى كل حرف قرأته في حياتك ايها المتعجرف..هنا لاصحافة لا إعلام ولادلال.
- وهل القراءة ممنوعة في الجيش ..لاحظت ان هناك مكتبة في المعسكر هل هي للزينة؟؟.
• تجاهل قوله وقال:
- لماذا انت مشاغب وثائر لن يعفيك هذا من كونك عسكري..عسكري تطيع اوامر من هو اقدم منك حتى ولو كان من ارذل قوم تراهم.
• شعر بشيء من الاستفزاز..توقف عن الحلاقة ووضع ادواتها فوق الرف وقال له:
- امسكوا كلابكم فأمسك انا حجارتي عنهم !!
- نحن اصلا نربي امثالك من الكلاب هنا!!
• ارتعد ..شعر بالدم يتجمع فوق جمجمته ..رفع كفه ثم انزلها.على وجه الضابط الذي عقدته المفاجأة وتمكنت منه اللحظة وتهدل خده وأحمر واهتز دونا عن بقية وجهه ..انتظر رد فعل الضابط الذي كان مذهولا يتحسس خده بحرقة حتى اشفق عليه..قال له بصوت متهدج:
- أتعرف مامعنى ان تضرب ضابطاً في المعسكر ونحن في حالة مواجهة.؟؟.سترى مايحدث لك.
• مر يوم وثان وثالث ولم يحدث شيء..لكنه تذكر وجه الضابط وهو يراه كل يوم عند الطابور..كان يحدق فيه عند مروره بنظرة تشعره بالهزيمة!!او الانتظار الغامض للذي سيأتي ولا يأتي..حتى جاء يوم.
• [3]
• في المدرسة الفنية كانت الحصة لذلك الضابط..حاول بصدق ألا يستفزه حتى لايعمق جراحه بل ايضا حاول التودد إليه لكن الضابط لم ينسى..وفجأة شق سكون الفصل صراخ الضابط:
- من الذي تنحنح هنا ؟؟
• رمقوا النظرات الى بعضهم البعض وحاروا..لا يوجد من تنحنح!!لكن الضابط اشار اليه وصرخ:
- انت ايها الكاتب المبجل المتفلسف؟؟
• ثم اشار الى رئيس العرفاء :
- خذ هذا الشيء!!ولف به ساحة المطار تذنيبا.
• وقف المجند امتثالا ثم تابع مهرولا الى رئيس العرفاء فضل الله الذي أمره بأن يسبقه..
• عند الران وي..كان رئيس العرفاء يهرول معه ويحدثه بصوت خافت:
- اعرف ان الضابط يتقصدك..الأمر واضح لالبس فيه..لكني احتار ما السبب حتى اني لم الاحظ اثناء التدريب في الساحة أي احتكاك بينكما.
• لم يشأ أن يرد على رئيس العرفاء..لكن هذا الأخير اردف:
- ليس مهما ان اعرف لكن الذي اعرفه ان هذا الضابط حاقد دائماً احيانا دونما سبب..لكن عليك ان تسرع الى الحمام الآن معي,,لاتخشى شيئا لن اؤذيك فقط اتبع ما اقوله لك.
• دخل معه الى الحمام بارتياح ودونما جدال أخذ رئيس العرفاء سطلا مليء بالمياه وادلقه عليه من رأسه الى اخمص قدميه ..تسمر دون ان يعترض ثم امره بالخروج والتمرغ في التراب براحة وهدوء وكذلك تمريغ وجهه..ففعل..وظهر وكأنه قد ذنب في الطين وتدحرج فيه..فهم ما يقصده رئيس العرفاء..وعندما دخلا الى الفصل كانت اسماله رثة..شعر الضابط بالغبطة والتشفي..ضحك كثيرا لكن الجنود الملاعين فهموا اللعبة ولم يضحكوا.
• [4]
• في ذلك اليوم كان هناك احتفال كبير وكان لابد من تجهيز مسرح في الساحة وكان الجنود هم اداة التنظيف وابتلاع الغبار في الصدور..وعند انتهاء مهمتم شرع المجند يسأل عن قطعة صابون لدى احد زملائه ..سمعه ذلك الضابط:
- ليس هنا مكان الدلع..اذهب وتشطف بدون صابون..
• في ذات اللحظة كان هناك ضابط كبير [آمر المعسكر فرج الشعافي] يراقب الوضع ويستمع للحوار ..ثم قال:
- اذهب فوراً أيها الملازم واحضر لهم من المخازن صابون بنفسك..هذا من حقهم بعد هذا اليوم المُغبر.
[5]
* في اليوم التالي أمر الضابط الكبير بنقل ذلك المجند الى المكتبة الثقافية والا يعود إلى التدريب..ويرتدي الملابس المدنية..وبقي المجند في المكتبة حتى خروجه من الجيش بعد ثمانية سنوات.