وهذا التبديل تبديل صفات، لا تبديل ذات، فإن الأرض يوم القيامة تسوى وتمد كمد الأديم ويلقى ما على ظهرها من جبل ومَعْلم، فتصير قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وتكون السماء كالمهل، من شدة أهوال ذلك اليوم ثم يطويها الله -تعالى- بيمينه.
وتكملة الآية {وَبَرَزُوا لله الواحد القهار} أي: الخلائق من قبورهم إلى يوم بعثهم، ونشورهم في محل لا يخفى منهم على الله شيء، {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أي: المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله العظيمة، وقهره لكل العوالم فكلها تحت تصرفه وتدبيره، فلا يتحرك منها متحرك، ولا يسكن ساكن إلا بإذنه.
فما الناسُ بالناسِ الذين عَهِدْتُهُمْ ** ولا الدارُ التي كنتُ تَعْلَمُ
الماوردي في كتابه (النكت والعيون) يقول: قوله عز وجل: {يوم تبدل الأرض غير الأرض} فيه قولان:
أحدهما: أنها تبدل بأرض غيرها بيضاء كالفضة , لم تعمل عليها خطيئة , قاله ابن مسعود. وقال ابن عباس: تبدل الأرض من فضة بيضاء.
الثاني: أنها هي هذه الأرض , وإنما تبدل صورتها ويطهر دنسها , قاله الحسن.
أما{السمواتُ} فيها ستة أقاويل:
أحدها: أن السموات تبدل بغيرها كالأرض فتجعل السماء من ذهب , والأرض من فضة , قاله علي بن أبي طالب.
الثاني: أن السموات تبدل بغيرها كالأرض , فتصير السموات جناناً والبحار نيراناً وتبدل الأرض بغيرها , قاله كعب الأحبار.
الثالث: أن تبديل السموات تكوير شمسها وتكاثر نجومها , قاله ابن عيسى.
الرابع: أن تبديلها أن تطوى كطي السجل للكتب , قاله القاسم بن يحيى.
الخامس: أن تبديلها أن تنشق فلا تظل , قاله ابن شجرة.
السادس: أن تبديلها اختلاف أحوالها , تكون في حال كالمهل , وفي حال كالوردة , وفي حال كالدهان , حكاه ابن الأنباري.
بوركت استاذنا