قراءة في قصيدة ( وحدي أراك ) للشاعرة المبدعة / منية الحسين
وحدي أراك
قصيدة تغري بالتأمل والقراءة ، وقبل الولوج في مكنوناتها ، كان َ لا بد ّ أن نقف في محراب عنوانها ، فالأنا ( وحدي ) جاءت بنبرة التوكيد ، وربما تم ّ حذف الضمير ( أنا ) من باب الإشارة الجلية لمدلول اللفظ ( وحدي ) ، فكأن ّ العنوان ( وحدي أنا اراك ) ، وهنا التوكيد الذي رأيناه هو تعميق وتجذير للمعنى المنشود ، وفيها إشارة بمفهوم مخالف ، لا يراك سواي ، فجاءت المعنى في أسلوب الحصر المجازي ، وفي سياق الأنا كان الفعل المضارع ( أرى ) ملتصقا بالمفعول به بصورة الضمير المتصل ( الكاف ) لتختفي الأنا قسرا ً ( أرى أنا أنت ) ، ليتماهى الفعل مع اللفظ وحدي في بناء جميل فيه قوة في الترابط ومتانة في النسيج ...
كما سبق وأسلفنا في قراءة العنوان ، جاء الإستهلال لا يخلو من البراعة عند الشاعرة ، وجاء متناميا في بناء الفكرة وتأكيدا ً لما حمله العنون من جمالية ، فيه التوكيد الذي أشرنا له بصورة أكثر وضوحا
( هم لا يروك َ وإنما وحدي أراك ) ...ولكن ، كيف تراه ؟ هو طيف ٌ متألق كنجمات في حضن السماء ، وهنا نقف أمام مفردة ( يهيم ) ، هنا تشبيه جميل للطيف الذي يسافر في خاطر بطلة النص وهو بالرغم من كونه مجرد خيال ، إلا أن له بريق يتلألأ كالنجمات ، وهنا نلمح استعارة جميلة ( حضن السماء ) فتم ّ تشبيه السماء بالإنسان الذي له حضن وحذفت المشبه به وأبقت ْ شيئا ً من لوازمه على سبيل الإستعارة المكنية ، وسنلاحظ في النص توظيف الشاعرة للصور البيانية بصورة زاخرة دون أن يشكل ذلك إنزياحا في البناء الدرامي للقصيدة ، أو الشكل البنيوي لها ، وهذا يُحسب لبراعتها في تشكيل هذا النسيج الجميل .
هنا تستمر الشاعرة في تقديم الصور الجميلة لهذا الطيف ، فهو طَلق ٌ / طُهر ٌ / نبض ٌ ...وهذا الخيال الجميل يتسلل داخل عينها صباحا مع بزوغ الفجر بدلالة المفردة ( يسري ) ...
وعندما يسري هذا الخيال ويتسلل لأعماقها ، يكون له وقع ٌ في إعادة بناء ما تهدّم َ من خلجات ...وهنا يأتي قولها : بالفجر النّدي ، امتدادا لمفردة ( يسري ) ، وربما أرادت الشاعرة بالفجر بداية تفتح المشاعر ، فكان تأثير هذا الخيال مبكرا في وجدانها ، وكان له الأثر في جذبها ....
لوْ غبْت عنّي
منْ يُراقص في انْكسارِ الضّوء
دمْعاً
يحْبس الأنْفاسَ في صدْرِ القمرْ
منْ ذا يُقاسم مهْجتي أنْشودةً
همْساً
يُناغيها المطرْ ؟
ويلمْلمُ الظّلّ المسافر في الشّجرْ ؟
تساؤل يحرك جحافل الخوف داخل نفسها المرهفة ، تساؤل يحمل القلق في كوامن نفسها ...( لو غبت َ عني ) ، وهنا تضع إجابات في حالة تحقق الغياب وما سيفعله الغياب من ترك الضوء المكسور بلا رفيق يشاطره الرقص ، وهنا أقف في حالة تأمل مذهل لهذه الصورة ، فنرى أن الضوء الذي أرادته الشاعرة هو بطلة النص ، وفي الغياب ستصاب بالإنكسار ، الإنكسار الناتج عن الوحدة ، وهنا أيضا تقدم إسما ً آخر لها ، القمر ...فهي الضوء وهي القمر ، وما يؤكد ما توصلنا له مفردة ( مهجتي ) ، فأنا يا عاشقي إن غبت َ عني سأصبح وحيدة لا أجد من يشاطرني الرقص ، والرقص هو مشهد يكون العاشقان أقرب ما يكونان من بعضهما حين يتركان أرواحهما تحلق في فضاء جميل ...
هنا نجد الشاعر تنتقل في رسم الصورة بطريقة منسابة رقيقة دون أن يكون هذا الإنتقال تاركا ً أية فجوة ...فتبدأ هذه الفقرة ( وأراك َ حلما ً ) ، وهنا يرشح ُ سؤال : لماذا اختارت الشاعرة مفردة ( حلما ً ) ، بالكاد أنها لم تلجأ لها من باب رصف الكلمات ، أو بحثا عن وزن ٍ أو قافية ..بل لأن الحلم هو امتداد طبيعي للطيف الذي تراه ...فالطيف قد نراه في الأحلام سواء أحلام المنام أو أحلام اليقظة ...والفرق بينهما أن أحلام المنام تأتينا غفلة دون سابق تحضير بينما أحلام اليقظة تزورنا ونحن في صحوتنا ونقوم باستحضارها ...وهنا اللافت أن الشاعرة عمدت لتوظيف العل المضارع ( وأراك / يشتهي / تنير / تضم ُ / يرتجي / يزم ّ / ) وهذه الفقرة الشعرية غنية بالصور البيانية ، ولو توقفنا أمامها وقدمنا قراءة مستفيضة ، نحتاج لسطور وصفحات كثيرة تقودنا لإسهاب ٍ نخشى معه أن نجلب الملل لمتلقي ...لذلك نكتفي بالإشارة لجمالية هذه الصور البيانية التي لم تأت ِ ثقيلة في بناء الفكرة العامة للقصيدة ...
وحْدي أراكْ
خلْفَ القصيدة نائماً
تغفو على هُدْب المرايا في سكونْ
تنْثال منْكَ براءةً
تسْقي خريف طفولتي
وحدي أراك ...هنا التكرار يزيد القصيدة جمالا ، ويُشكل ُ تعميقا أكثر للمعنى ، ويتكرر توظيف الفعل المضارع ، الذي يشكل العمود الفقري في القصيدة ، والمحور الذي تدور حوله بطريقة متناغمة جميلة ...وهنا تظهر مفردة ( براءة ) والبراءة تقودنا للولوج لعمق الشاعرة ، فالمحبوب هنا قد يكون إبنا ً / وقد يكون عاشقا ً / ودون التعمق أكثر في المقصود ، فنحن نقرأ جمالية النص من وجهة نظر خاصة دون أن نستحضر نفس الشاعرة لتحدد لنا المقصود ، فالنص عند نشره يصبح ملكا ً للقاريء ، ونحن من أنصار قراءة النص دون هوية .
هنا أجدني أقف إلى هذا الحد في هذه القراءة على أن نقدم الجزء التالي لاحقا بحول الله ، حتى نبتعد عن الإطناب ونُجنّب المتلقي الملل ....
الشاعرة المبدعة / منية الحسين : شاعرة تملك أدواتها ، وتقدم ثقافتها الرفيعة ، وتجد المتتبع لحرفها ونصوصها يحب الغوص في قراءة الجمال المتدفق من مدادها ، لها أسلوب مميز يبتعد لدرجة كبيرة عن النمطية ، كأني بها أرادت أن تنأى بنفسها عن المتداول وأرادت أن تبني لها مكانا بين النجوم ....
الأستاذة منية : حاولت الإقتراب من هذا الفيض الجميل ، فإن حالفني التوفيق في تقديم قراءة تليق بجمال قصيدتك فهذا توفيق من الله تبارك في علاه ، وإن أصابني الخطأ والإخفاق فهذا مني ومن الشيطان ...تقبلي إحترامي .
الوليد
الأرض المحتلة
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 09-19-2014 في 12:38 AM.
رد: قراءة في قصيدة ( وحدي أراك ) للشاعرة المبدعة / منية الحسين
القدير الوليد دويكات
قراءة متمكّنة ولجت معاني القصيد وأدركت مكامن صوره الشّعرية وجماليتها ...
فكم نحتاج يا الوليد مثل هذا المرور المتأنّي الذي يفي النّص حقّه ويبرز خلفية الّذّات الكاتبة زمن الكتابة ولحظة المكاشفة الشّعريّة ...
وإننّا لندرك جميعا وقع القراءة في القصيدة أو النّص النّثريّ على المبدع الذي يستأمننا على إبداعه راجيا التّفاعل والتّواصل والنّقد والتّوجيه
فقد آلت يا الوليد عمليّة التّلقي الى مجرّد قراءة شكليّة لا تخرج عن المجاملات وهو ما من شأنه ان يجعل ردّة فعل المتلقي سطحيّة فارغة من دلالاتها غير محفّزة الفعل الكتابي على التّطور والإ بداع
أشكرك جدّا وأثني على جهدك وتقنيات وأدوات تناولك لهذا القصيد للمبدعة الشاعرة منية الحسين
فما تكتبه هذه الشّاعرة حريّ بإهتمام النّقاد والباحثين في شؤون الادب وأوجه حداثته ....
شكرا الوليد ....تقديري
رد: قراءة في قصيدة ( وحدي أراك ) للشاعرة المبدعة / منية الحسين
هو عالم الأطياف الهائمة في ملكوت الله ..السابحة في اللامكان ..المنفلتة في بقعة انعتاق ..
هناك حيث نركل المادة بملء الأقدام ونحلق لأبعد نقطة عن الأنا والهُم ..وبالرغم من أنها تعتصر الروح بأنفاسها اللاهثة
إلا أنها تستعصي أحيانا ، تتدحرج كما الماء في كأس مثقوب !! وما يختمر أحاسيسنا منها هو رائحة عطر في قعر الكأس ،
قد تربت على كتف الشرود وتقطع سرة الدمع ذات وهم أشبه بالحقيقة الجوفاء..لكن لابأس ؛
فبغايبها ينطفئ الكون بانكسار الضوء في وجه القمر الذي يشكل قنديل الرؤى في ذاك الملكوت الليلي الساكن الذي تنطلق فيه الأرواح
الباحثة عن رشفات السعادة الشحيحة بعيداً عن الطين والماء الرمادي ..
بغيابها يسافر الفيء إلى أبعد نقطة عن الأنظار حيث يتكور هناك بعيداً خلف اللحاء كالطفل الذي ينتظر عقاباً متوحشاً ..
هي مشاركة الطبيعة لحدث أشبه بالأساطير ..
سيدي الفاضل ،لن أسترسل في ثرثرتي فلم يترك لي مشرطك مجالا للحفر ..
فبقدر ماأدهشني هذا المرور الغني بقدر ما أرهقني فقد كنتُ على موعد مع صعود جبل شاهق قمته لأسفل !! لأعلى بقاع أعماقي..
الشاعر والناقد والأديب والإنسان الرائع /الوليد دويكات
سبرت عمق الحرف وأطرت الصور واللغة بطريقة أكاديمية ماهرة ومبهرة وببصيرة العارف
فأحلت الحرف الشاحب للوحة براقة شديدة الجاذبية ماكانت لولا ألوانك التي أضفت عليها سحائب الجمال ..
فاضلي لا أطمح في مقعد بين النجوم ،فيكفي أن أكون بينكم ظلا لشمعة يحبو على بساط النور..
كل ماأطمح فيه أن أصرخ عالياً أن أعانق حرفي بحب وبقدر ما أهرب من الأنا بقدر ما أعود إليها بشئ يرضيها
يقول لها : أنكِ لازلتِ على قيد الحياة .. لازالت أناملك بمقدورها أن تبني كهفاً في أقاصي الكلمات
فاركنِ إليه حين الحزن يصفعكِ بقسوة وتتقشر الأرض من تحت قدميكِ ...
لازال هناك من بإمكانه أن يهديكِ حلوى حروفه الشهية على أطباق من ذهب ..
رد: قراءة في قصيدة ( وحدي أراك ) للشاعرة المبدعة / منية الحسين
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دعد كامل
القدير الوليد دويكات
قراءة متمكّنة ولجت معاني القصيد وأدركت مكامن صوره الشّعرية وجماليتها ...
فكم نحتاج يا الوليد مثل هذا المرور المتأنّي الذي يفي النّص حقّه ويبرز خلفية الّذّات الكاتبة زمن الكتابة ولحظة المكاشفة الشّعريّة ...
وإننّا لندرك جميعا وقع القراءة في القصيدة أو النّص النّثريّ على المبدع الذي يستأمننا على إبداعه راجيا التّفاعل والتّواصل والنّقد والتّوجيه
فقد آلت يا الوليد عمليّة التّلقي الى مجرّد قراءة شكليّة لا تخرج عن المجاملات وهو ما من شأنه ان يجعل ردّة فعل المتلقي سطحيّة فارغة من دلالاتها غير محفّزة الفعل الكتابي على التّطور والإ بداع
أشكرك جدّا وأثني على جهدك وتقنيات وأدوات تناولك لهذا القصيد للمبدعة الشاعرة منية الحسين
فما تكتبه هذه الشّاعرة حريّ بإهتمام النّقاد والباحثين في شؤون الادب وأوجه حداثته ....
شكرا الوليد ....تقديري
الرائعة / دعد
النبع ُ الذي أحببناه ...والنبع الذي أردناه ..هو النبع الذي يعنى بنصوص أفراده ، ولطالما آلمني الكثير ممن يلقون نصوصهم
ولا يكترثون بنصوص الآخرين ، ولطالما قلت : أن كل واحد منّا عنده مكتبة خاصة تزخر بأمهات الكتب ودواوين فطاحلة الشعراء
ولكننا أردنا هذا الحراك لنستمر في الحفاظ على ديمومة اللغة الأم ، لغة القرآن الكريم ولغة الأجداد والآباء ....
أما عن المبدعة الشاعرة / منية
فقد وجدت في حرفها ونبضها ما يغري بالقراءة والتتبع والرصد ، ولا أجامل لو قلت أنني قرأت قصيدتها أكثر من مرة ...
وما زلت في حالة قراءة ...
شكرا لأنك هنا ...تصفقين للعمل الجيد ، وتبعث حروفك الحافز لمزيد من اهتمامنا في نصوص الزميلات والزملاء النبعيين ...
رد: قراءة في قصيدة ( وحدي أراك ) للشاعرة المبدعة / منية الحسين
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منية الحسين
هو عالم الأطياف الهائمة في ملكوت الله ..السابحة في اللامكان ..المنفلتة في بقعة انعتاق ..
هناك حيث نركل المادة بملء الأقدام ونحلق لأبعد نقطة عن الأنا والهُم ..وبالرغم من أنها تعتصر الروح بأنفاسها اللاهثة
إلا أنها تستعصي أحيانا ، تتدحرج كما الماء في كأس مثقوب !! وما يختمر أحاسيسنا منها هو رائحة عطر في قعر الكأس ،
قد تربت على كتف الشرود وتقطع سرة الدمع ذات وهم أشبه بالحقيقة الجوفاء..لكن لابأس ؛
فبغايبها ينطفئ الكون بانكسار الضوء في وجه القمر الذي يشكل قنديل الرؤى في ذاك الملكوت الليلي الساكن الذي تنطلق فيه الأرواح
الباحثة عن رشفات السعادة الشحيحة بعيداً عن الطين والماء الرمادي ..
بغيابها يسافر الفيء إلى أبعد نقطة عن الأنظار حيث يتكور هناك بعيداً خلف اللحاء كالطفل الذي ينتظر عقاباً متوحشاً ..
هي مشاركة الطبيعة لحدث أشبه بالأساطير ..
سيدي الفاضل ،لن أسترسل في ثرثرتي فلم يترك لي مشرطك مجالا للحفر ..
فبقدر ماأدهشني هذا المرور الغني بقدر ما أرهقني فقد كنتُ على موعد مع صعود جبل شاهق قمته لأسفل !! لأعلى بقاع أعماقي..
الشاعر والناقد والأديب والإنسان الرائع /الوليد دويكات
سبرت عمق الحرف وأطرت الصور واللغة بطريقة أكاديمية ماهرة ومبهرة وببصيرة العارف
فأحلت الحرف الشاحب للوحة براقة شديدة الجاذبية ماكانت لولا ألوانك التي أضفت عليها سحائب الجمال ..
فاضلي لا أطمح في مقعد بين النجوم ،فيكفي أن أكون بينكم ظلا لشمعة يحبو على بساط النور..
كل ماأطمح فيه أن أصرخ عالياً أن أعانق حرفي بحب وبقدر ما أهرب من الأنا بقدر ما أعود إليها بشئ يرضيها
يقول لها : أنكِ لازلتِ على قيد الحياة .. لازالت أناملك بمقدورها أن تبني كهفاً في أقاصي الكلمات
تركن إليه حين الحزن يصفعكِ بقسوة وتتقشر الأرض من تحت قدميكِ ...
لازال هناك من بإمكانه أن يهديكِ حلوى حروفه الشهية على أطباق من ذهب ..
المكرمة / منية
هنا جاء ردّك الجميل وهو بحاجة لقراءة أيضا ،
ردك ينبي أن اهتمام رائعة كأنت في هذا الجهد لم يكن عابرا ..
ربما فاجأني ردة فعلك في جهدي المتواضع ، شكرا لأنك أنت ...
لنا لقاء بحول الله في الجزء التالي من هذه القراءة