تقدم الأديبة أمل الحداد في هذا النص ، سبع حالات ، أفردت لكل حالة رقما ، وعنونت كل حلة بعنوان مستقل ( رهبة / ذهول / مخاض / غرق / ولادة / أنانية / الحاسة قبل الأخيرة ) ....
تستهل الأديبة هذه المحطات ، تحت عنوان رهبة ، لماذا اختارت هذا العنوان الفرعي لهذا النص وبدأت به ، أعتقد أنها لجأت لهذا العنوان لأن ّ الرهبة تسبق الذهول ..ولو تتبعنا العناوين نجدها تتسق اتساقا رائعا ينسجم مع الطبيعة ودون أن تكسر الخط البياني في الإرتفاع والإنخفاض ...
بين ترتيلك وصهيل أنوثتي
كنتَ ظلّ المسافة
على امتدادك الأقدس
يبحثون عن السرّ...
سنبلتي حُبلى
تستهل هذا النص بتوجيه خطاب غير محايد ، فالخطاب هنا للرجل ، حيث تفصل بين الرجل ( الضمير في ترتيلك ) وبين ( الأنثى ) ، وعندما نحدد المخاطب يسهل علينا سبر النص والولوج
لعمقه وبنيانه سواء النفسي أو الدرامي أو الإبداعي ...
والترتيل : هو القراءة للشيء المقدس ...والصهيل ( للحصان / الفرس ) ، لكنها هنا تلجأ لإستعارة مكنية حين شبهت الأنثى بالفرس وحذفت المشبه به مبقية شيئا من لوازمه على سبيل الإستعارة المكنية ...فبين قراءته المقدسة وبين صوتها الجميل كانت تشكل الحضور ، لأن الظل عكس الشيء ، نقول : ظل الحياة عن الموت ...ظل الليل عن النهار ..وهنا ظل المسافة ، عن حضورها ...ونلاحظ الربط بين ( ترتيلك ) وبين ( الأقدس ) ، لنصل لنتيجة حتمية وهي ما لمحناه من خلال هذه القراءة ...عن حميمية الخطاب من أنثى لرجل ...
ثم يدخل في هذا النص صوت ثالث ( هم ) ، الصوت الأول ( أنت ) الصوت الثاني ( هي ) ...
يبحثون ...من هم ؟؟
ربما العاذلون ..
ربما من يرصدونهم ؟؟
ولأن الأديبة لم تعط لهم أية أهمية ، فقد تركتهم على تنكيرهم دون أن تعرفهم ، واكتفت بذكر ما يبحثون عنه ، وهو السر ...تاركة عديد نقاط بعد السر ، ربما أرادت من العبارة التالية أن تشير للسر الذي يبحثون عنه ( سنبلتي حبلى ) ...
أرى أن هذه العبارة فيها من العمق والتكثيف والدلالات ما يكفي ليتوج هذا الجزء من النص بتاج الروعة والجمال والرقي ...
أي حمل ٍ الذي أرادته ؟؟
هو بالتأكيد ليس الحمل الذي ينتج عن العلاقة بين الرجل والمرأة ( الزوجين ) ، فالسنبلة مفردة دلالية ، تتجاوز بمفهومها سنبلة القمح ...فالسنبلة هنا هي الأنثى التي ترد على الترتيل بالصهيل ،
والعلاقة هنا بين أبطال النص ( هو / هي ) هي علاقة الكلام والحديث والخطاب ، وهذا جلي من الإستهلال ( ترتيلك / المسافة / امتدادك ) ...
ونعتقد بما توصلنا له من غوص وقراءة في هذا الجزء من النص ، أن السنبلة هي القلب ...وهذا التزاوج المعنوي بين أبطال النص جعل القلب حاملا لعشق وهو تشبيه وتصوير بارع من الأديبة أمل الحداد التي لطالما اعتمدت على بنائها للنص الأدبي على توظيف الصور البيانية بصورة جميلة ، ليخرج لنا في شكل لافت جميل يجذبنا لرصده وقرائته ...د
إلى لقاء بحول الله في بقية القراءة
الوليد