1- "توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك"لأبي محمد بدر الدين حسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي
فأما "لن" فحرف نفي ينصب المضارع ويخلصه للاستقبال ولا يلزم أن يكون مؤبدا، خلافا للزمخشري، ذكر ذلك في أنموذجه، وقال في غيره: إن "لن" لتأكيد ما تعطيه "لا" من نفي المستقبل.
قال ابن عصفور: وما ذهب إليه دعوى لا دليل عليها، بل قد يكون النفي بلا آكد من النفي بلن؛ لأن النفي بلا قد يكون جوابا للقسم، والنفي بلن لا يكون جوابا له، ونفي الفعل إذا أقسم عليه آكد.
تنبيهات:
الأول: مذهب سيبويه والجمهور أن "لن" بسيطة، وذهب الخليل والكسائي إلى أنها مركبة وأصلها "لا أن" حذفت همزة أن تخفيفا، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. ورد سيبويه بجواز تقديم معمول معمولها عليها نحو: "زيدا لن أضرب".
وأجيب بأنه قد يحدث بعد التركيب ما لم يكن قبله، ومنع الأخفش الصغير تقديم معمول معمولها عليها.
وذهب الفراء إلى أن "لن" هي "لا" أبدلت ألفها نونا، وهو ضعيف.
الثاني: ذهب قوم منهم ابن السراج إلى أنه يجوز أن يكون الفعل بعدها دعاء، واختاره ابن عصفور، وجعلوا منه قوله تعالى: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ}.
والصحيح: أنه لم يستعمل من حروف النفي في الدعاء إلا "لا" خاصة.
الثالث: حكى بعضهم أن الجزم بلن لغة لبعض العرب.
وحكى اللحياني الجزم بلن لغة، وأنشد عليه:
1002 - لنْ يَخِبِ الآن مِنْ رجَائِكَ مَنْ ** حرّك مِنْ دُون بَابكَ الْحَلَقَهْ
3- "فتح الباري بشح صحيح البخاري"
قَوْله: (لَمْ تُرَعْ) أَيْ لَمْ تُفْزَع. فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ "لَنْ تُرَاعَ". فَعَلَى الْأَوَّل لَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ لَمْ يَقَع لَهُ فَزَع بَلْ لَمَّا كَانَ الَّذِي فَزِعَ مِنْهُ لَمْ يَسْتَمِرّ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَفْزَع, وَعَلَى الثَّانِيَة فَالْمُرَاد أَنَّك لَا رَوْع عَلَيْك بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ اِبْن بَطَّال: إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْهُ مِنْ الْفَزَع, وَوَثِقَ بِذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَلَك لَا يَقُول إِلَّا حَقًّا .اِنْتَهَى. وَوَقَعَ عِنْدَ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ رِوَايَة جَرِير بْن حَازِم عَنْ نَافِع "فَلَقِيَهُ مَلَك وَهُوَ يَرْعُد، فَقَالَ: لَمْ تَرُعْ".
وَوَقَعَ عِنْدَ كَثِير مِنْ الرُّوَاة "لَنْ تَرُعْ" بِحَرْفِ لَنْ مَعَ الْجَزْم. وَوَجَّهَهُ اِبْن مَالِك بِأَنَّهُ سَكَّنَ الْعَيْن لِلْوَقْفِ، ثُمَّ شَبَّهَهُ بِسُكُونِ الْجَزْم فَحَذَفَ الْأَلِف قَبْلَهُ، ثُمَّ أَجْرَى الْوَصْل مَجْرَى الْوَقْف. وَيَجُوز أَنْ يَكُون جَزَمَهُ بِلَنْ، وَهِيَ لُغَة قَلِيلَة حَكَاهَا الْكِسَائِيّ.