يقال عن ابي الفرج الاصفهاني المتوفي في العام 310 هجرية ، انه استغرق في تاليف كتابه( الاغاني ) خمسين عاماً .. ومن ثم اهداه الى سيف الدولة الحمداني .. ويعد هذا السفر الذي تفرد في انجاز ه ابي الفرج من ذخائر العرب ، ومن نفائس الكتب التي تفتخر المكتبة العربية في اقتنائها .. فهو يتكون من عدة مجلدات وقد اختلف الموثقون في عددها .. ويقال عنه ايضا انه كتب ثلاثين كتابا وقد تنوعت مباحثها وخصائصها .
حقيقة لا اريد ان ان اسهب او اطنب حول هذا الكتاب .. بقدر ما اريد ان اقف امام حقائق تثير فينا الاعجاب .. وهي كيف كان يكتب هؤلاء الافذاذ .. وكيف كانوا .. يقضون الايام والليالي . ويتجردون عن ترف الدنيا وملذاتها .. ويصبحون في عالم رحب .. هو عالم الكتابة والتامل وانجاز ما تقر به عقولهم .
نقول .. اليس بـ (الخمسين عاماً بالكثير) في تاليف كتاب .. انها حقيقة اشبه ما تكون كالخيال ،ونحن نعرف جيدا يان الاصفهاني ومثله من معاصريه.. كانوا يكتبون على ضوء القناديل .. التي تحترق بالزيت .. ويكتبون بالمداد .. اي الحبر الذي يصنعونه من الرماد او السخام وعلى جلود الرق وصفائح جريد النخيل ويستعملون الاقلام التي يصنعوها من العظام والقصب ومن ريش بعض الطيور.. وهذا قبل ان تصل صناعة الورق اليهم من الصين في القرن الاول الهجري.
اذا .. لنا ان نتصور .. كيف كان يعاني المتقدمون من مزاولة الكتابة والتي تاخذ من حياتهم الكثبر والكثير .. ولكن بالرغم من هذا كان نتاجهم ضخما في مباحثه الواسعة.
واليوم نرى كيف يكتب المؤلف كتابه .. وهو يتمتع بكل متطلبات الحياة .. من تدفئة في الشتاء وتبريد بالصيف .. والمصابيح ذات الاضاءة الجيدة ..والورق الجيد واقلام السوفت الفاخرة واعتماده على المصادر الجاهزة في ( الكومبيوتر) حتى يجد كل شيء امامه جاهزا .. وعندما يخرج كتابه ..تراه يخرج اصما ابكما
يتوكا على عكازات واهية .!
اعرف صديقا ، الف كتابا عن سيرة ذاتية لاحدى الشخصيات السياسية ،،ويقول انه صرف من عمره عشرة سنوات في كتابته ،، واخذ من وقته الكثير ومن جهده الهم العسير ، و لما اهدى الي نسخة منه وقراته وجدته هزيلا حتى ان الشخصية التي التي خرجت من بين اوراقه خرجت ربما وهي تصرخ متالمة مما اصابها من اجحاف و
اضطراب في عدم اجادة رسمها كما ينبغي ازاء الحقائق !
اقول لو قدر للاصفهاني او القلقشندي صاحب كتاب الاعشى او الطبري صاحب التاريخ الشهير او حتى ابن خلدون صاحب المقدمة او السيوطي ان يعيشوا عصر (الحاسوب) ويكتبون ماذا سينجزون من الاسفار .. وخاصة ونحن نعيش في عالم ابدا لايصحو راسه من صداعه المزمن نتيجة الفوضى والانهيارات اليومية المتلاحقة .!!
أين نحن من هؤلاء
وقد جرفتنا التكنولوجية التي أردنا أن نواكبها فركبتنا
وأنستنا حتى أنفسنا
اغتنموا الوقت سابقا بالعمل المتواصل والسير نحو الهدف عن قناعة تامة وإرادة حقيقية
حيث لا وقت للراحة والترفيه والتسلية
أما الآن ومع تلك المفاهيم المنتشرة بتنا أقل إنتاجية وعطاء
والنفس البشريّة إن لم يشغلها الإنسان بالطاعة والعمل المفيد شغلته بالمعصية
مقال شيّق ومهم
بورك يراعك الناضج أخي القدير مهند إلياس
لك التحايا فيض
قرأت مقالك بتمعن وجمال سردك جعلني أتابع الحروف وقد ارتسمت شخصياتها بالذهن ورحلنا معك إلى ذلك الزمن الجميل بوسائله البسيطة
وربما أخالف البعض في رايهم للتكنولوجية ووسائلها المتطورة وكيف كانت لتساعد علماءوباحثي ذاك الزمان
أرى أنّ هذه الامور كانت لتفقد تلك الاعمال الضخمة جمالياتها وقيمتهافربما ابتعادهم عن العالم وانعوالهم عن الناس وانغماسهم في البحث والكتابة دون الاهتمام بأمور أخرى هي من جعلت هذه الاعمال ذات شهرة ومكانة
تحياتي
عندما نقارن رواد الأمس وما قبله بأدعياء الريادة اليوم ..نتجنى على الحقيقة بدون دراية
فلا لاوجه للمقارنة ..أخي أبو عمار
أين منهم نحن..الأصمعي والبحتري والمتنبي ووووو..
مشكلة الأدب اليوم بحكم التطور التكنلوجي والنشر ومالا ألى ذلك جعلت
ومن ثم السياسة جعلت الأشباه والأمعة في المقدمة والواجهة
أنه زمن العهر..بكل شيء
مقال رائع يسلط الضوء على ما آل أليه أدب اليوم
تحياتي للأخ مهند ..ومرحبا بك في قسم المقال