القولُ في آية التسمية وبيان نزولها أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الجرجاني، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الجوهري، حدَّثنا محمد بن يحيى بن مَنْدَه، حدَّثنا أبو كُرَيْب، حدَّثنا عثمان بن سعيد، حدَّثنا بشر بن عمارة عن أبي رَوْق، عن الضحاك عن ابن عباس، أنه قال: أول ما نزلَ به جبريل على النبي - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - قال: يا محمد استعذ ثم قل: { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} .
أخبرنا أبو عبد الله بن [أبي] إسحاق، حدَّثنا إسماعيل بن أحمد الخلاَّلي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن زيد البجلي، حدَّثنا أبو كُرَيب. حدَّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} . أخبرنا عبد القاهر بن طاهر البغدادي، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر، أخبرنا إبراهيم بن علي الذُّهلي، حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا عمرو بن الحجاج العبدي، عن عبد الله بن أبي حسين، ذكر عن عبد الله بن مسعود قال: كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} .
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد الْحَرشِيّ، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا محمد بن عيسى بن أبي فُدَيْك، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: نزلت { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} في كل سورة.
القول في سورة الفاتحة
اختلفوا فيها: فعند الأكثرين: هي مكية من أوائل ما نزل من القرآن.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو الحِيرِي؛ حدَّثنا إبراهيم بن الحارث وعلي بن سهل بن المغيرة قالا: حدَّثنا يحيى بن [أبي] بكير، حدَّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي مَيْسَرَة:
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كان إذا برز سمع منادياً يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت انطلق هارباً، فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك.
قال: فلما برز سمع النداء: يا محمد، فقال: لبيك، قال: قل: أشهد أن لا إله إلاَّ الله أشهد وأن محمداً رسول الله، ثم قال: قل: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ} حتى فرغ من فاتحة الكتاب.
وهذا قول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المفسر، أخبرنا الحسن بن جعفر المفسر، قال: أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن محمود المَرْوَزِيّ، حدَّثنا عبد الله بن محمود السعدي، حدَّثنا أبو يحيى القَصْرِي، حدَّثنا مروان بن معاوية عن العلاء بن المسيب، عن الفضيل بن عمرو، عن علي بن أبي طالب قال: نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش.
وبهذا الإسناد عن السعدي: حدَّثنا عمرو بن صالح، حدثنا أبي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: قام النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بمكة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ.
فقالت قريش: دَقَّ الله فاك أو نحو هذا، قاله الحسن وقتادة.وعند مجاهد: أن الفاتحة مدنية.
قال الحسين بن الفضل: لكل عالم هفوة، وهذه بادرة من مجاهد؛ لأنه تفرد بهذا القول، والعلماء على خلافه.
ومما يقطع به على أنها مكيه قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ}[1]يعني الفاتحة.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي، أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الحيري، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدَّثنا يحيى بن أيوب، حدَّثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وقرأ عليه أبيّ بن كعب أُمَّ القرآن فقال: والذي نفسي بيده، ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلَها، إنها لَهِيَ السبعُ المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.
وسورة "الحجر" مكية بلا اختلاف، ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة ثم ينزلها بالمدينة.
ولا يسعنا القول: بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب. هذا مما لا تقبله العقول. قرأ بعض القراء مَلِك وقرأ آخرون مالك وكلاهما صحيح متواتر، ومالك مأخوذ من المِلْك كما قال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ[2]} ، و ملك مأخوذ من المُلك كما قال تعالى: { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ[3]} ؟
وقال: { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَٰنِ[4]} وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين وذلك عام في الدنيا والآخرة، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هناك كل شيء، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى { لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا[5]} ، وقال تعالى: { يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ[6]} ، وعن ابن عباس قال: يوم الدين يوم الحساب للخلائق، يدينهم بأعمالهم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، إلا من عفا عنه.
والملْكُ في الحقيقة هو اللّه عز وجل، فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز، وفي الصحيحين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وصحبه وسلم أنه قال: يقبض اللّه الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون "رواه الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا"
والدين : الجزاء والحساب كما قال تعالى { أَإِنَّا لَمَدِينُونَ[7]} أي مجزيون محاسبون، وفي الحديث: (الكيّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) "رواه أحمد والترمذي وابن ماجة من حديث شداد بن أوس مرفوعا" أي حاسب نفسه، وعن عمر رضي اللّه عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا).