عزف على وتر الغربة

سبحانك كل الأشياء رضيت سوى الذل
وأن يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان
وقنعت بأن يكون يكون نصيبي في الدنيا
كنصيب الطير ولكن سبحانك
حتى الطير لها أوطان
وتعود إليها وأنا لا زلت أطير
فهذا الوطن الممتدّ من البحر إلى البحر
سجون متلاصقة سجان يمسك سجان

هكذا يلخص مظفر النواب اغترابه بكل ما يحمله من ألم ومعاناة ونزيف نراه جلياً في أسلوبه ويحتل أماكناً مهمة في تلك النفس المعذبة ولا يجد القارئ والأديب جهداً في سماع تلك الصيحات واستبيان مواضع الألم، وبهذه الكلمات أحاول الدخول منها إلى الاغتراب تلك الموضوعة التي تناولها الشعراء مذ كان الشعر ونسجت عليها القصائد الكبيرة التي لا يزال صداها يصلنا حتى الآن وتحتل موضع الإعجاب عند الكثيرين، والواضح من المعنى اللغوي لكلمة(أغْترب) هو النزوح عن الوطن في معناها العام ولكن هذا الشعور قد لا يتوقف عند هذا الحد فربما يتجاوز حتى يصل إلى اغتراب الذات، والأهل، والحبيب لكنها تصبّ آخراً في معنى البعد والنوى مادياً ومعنوياً، حتى نصل إلى وقت الغروب بأحد معانيه لنرى الشمس وهي تنأى بعيداً خلف الأفق لتودّع يوماً بكل ما يحويه من فرح وترح.
نص(وجع غريب) من نصوص الأديبة العراقية المغتربة عواطف عبد اللطيف وهي الأخرى أخذت منها الغربة مأخذها وانعكس على مجمل أدبها الشعري والنثري والمقالي فنرى في أسلوبها المباشر كلمة رفض لهذا الوضع المفروض عليها بلا سبيل للتغيير، عواطف تكتب القصيدة العمودية والتفعيلة والكثير من النثر والخاطرة بأسلوب واضح بعيداً عن التعقيد والرموز وما وراء السطور، فهي تكتب ما تشعر به في لحظات الوهن ولا تحدد بدورها كيف يجيء ذلك الشعور إن كان بهذا الشكل أو بذاك، واختياري لهذا النص هو لما جاء فيه من إلتقاطات صورية.

(النص)

وجع غريب

تسير بنا الحياه
وتتشعب الطرقات
لانعلم ما هي النهايــة
ومتى
على أريكة الليل
تصادر الألوان
نبني أحلاما
نعيشها
نتمناها
نغرق
في لحظات مخيلتنـا
ضباب الألم يكسو احلامنا
وتبقى صدمة الـواقع مرة
لها وقع مختلـف
وشرخ كبير
ومرارة العلقم
وانا لا أجيد محاربة فواصل العمر الحزينة
فيتطاير الغبار
وتعلو رواسب الزمن
والليل طويــــــــل
\
أعلم أن صمتي ..
مرهق حين يشتد الوجع
فوق حد الصبر
بين نبضة ودمعة
في صباح مثقل الجفن
على كتف الأحزان
يعلو الأنين
بقوة الأعصار
تتقاذفني الصفعات
تشلني
أذوق مُر العذاب
وأتجرع كل الكؤوس
لم يعد الدواء بنافع
فقدت الرغبة بالكلام
لا أصدق ما يدور
وانا أرى المبادئ تداس
والقيم تضييع
والأشواك تأكل الورد
والغربان بجنح الظلام نُحلق
والدم يسيــــــل
بشهقات الهمس
وكبرياء الصمت
في زمن المطر الهاطل
لم يبقى في أنهار الروح
سوى قطرات صبر
أتفادى بها أرتطام رأسي
بوجهه الشمس
وخد القمر
كي لا أكون قشة تقذفها الريح
في الوقت الذي تريد
في بحر العُتمة
وتحتل بقعة عجزي
وتمسح ابتسامة كبريائي
كما تريد
عقرب الزمن يدور
فينتابني
وجع غريب
أسارع
قبل ان يجف البحر
ويموت الموج
لأهرب بعيدا
بعيدا
بحملي الثقيــــــل

تسير بنا الحياة
لا نعلم ماهي النهاية
ومتى

تكاد تكون هذه الومضة مستقلة فهي تحتوي على فكرة متكاملة بشرطين ونتيجة لخوض
هذا الطريق(تسير-تتشعب) لكن النتيجة الحتمية هي عدم معرفة النهاية ولا متى إذن
هو طريق مجهول لا يوجد به بصيص أمل إلى نهاية مرجوّة

على أريكة الليل
تصادر الألوان
بني أحلاماً
نعيشها
نتمناها
نغرق في لحظات مخيلتنا

فالليل محراب الغرباء الذي يستكنون له فهو يصادر الألوان ولا يبق إلا لوناً حقيقياً واحداً
وهو لون الحداد العميق ليرحل فيه النظر إلى أماكن بعيدة ترسم بطبشور الرجاء على
سبورة ذلك الليل وطناً وبيتاً ونخلة في منتصف الدار تعيش فيه كسابق عهدها حتى يتجسم لها
من فرط الشوق حقيقة

ضباب الألم يكسو احلامنا
وتبقى صدمة الـواقع مرة
لها وقع مختلـف
وشرخ كبير
ومرارة العلقم
تتجمع هذه الأزاميل لتحفر ذلك القلب مهما تصوّن به الصبر وأخذته العزّة فأن الواقع
وحقيقته ستترك به شرخاً لا يخفى وسينجلي الضباب عن بقايا قلب هدّه الضنى
وانا لا أجيد محاربة فواصل العمر الحزينة
فيتطاير الغبار
وتعلو رواسب الزمن
والليل طويــــــــل
هل هو تواضع أم حقيقة؟ بعد ان امتلأ هذا العمر بالفواصل وعلامات التعجب والاستفهام لكل ما من شأنه ان يحول هذا العمر إلى محض أحزان ليتطاير أمام عينيها غبار الماضي ويترسب ويتكدس فوق الزمن ليكون ليلها الطويل أسلوباً مرّاً للمراجعة.
أعلم أن صمتي ..
مرهق حين يشتد الوجع
فوق حد الصبر
مرهق هو صمتها الذي لا تستطيع النطق بما يختبئ خلفه مع كل ما تحمله من وجع، لأنها لا تريد لملامحها ان تتلون بالهموم ولا لصوتها ان يتغير بالأحزان رغم ان وجعها بدأ يزحف خارج حدود الصبر، ليترجمه القلب وتقرأه العين نبضة هنا تخيف القلب ودمعة هنا تقلق العين فيرتج الصباح مقل الجفن على كتفها(كتف الأحزان).
يعلو الأنين
بقوة الأعصار
تتقاذفني الصفعات
تشلني
أذوق مُر العذاب
وأتجرع كل الكؤوس
لم يعد الدواء بنافع
فقدت الرغبة بالكلام
لا أصدق ما يدور
وانا أرى المبادئ تداس
والقيم تضيع
فيكون الواقع بهذه القسوة يجذبها من رداء الوقار فيتعالى الأنين وتدور تدور لا تعي مكانها بين هذه الصفعات المتلاحقة للغربة والاحلام والرجاءات وطعم العذاب يصطك بأضراسها، ولا ينفع معه أي دواء فقد أصبح جزءاً من تكوينها، حيث ان كل واقعها أصبح متناقضاً فقد أغتيلت فيه المبادئ والقيم.
والأشواك تأكل الورد
والغربان بجنح الظلام نُحلق
والدم يسيــــــل
بشهقات الهمس
وكبرياء الصمت
في زمن المطر الهاطل
لم يبقى في أنهار الروح
سوى قطرات صبر
أتفادى بها أرتطام رأسي
بوجهه الشمس
وخد القمر
كي لا أكون قشة تقذفها الريح
تكاد تحس أن ازدراء القيم انعكس على كل شيء، أشواك تاكل الورد وليل تظلمه الغربان ودماء تسيل، أحاسيس تتلاطم في صدرها تمنعها من المضيّ دون ان تتعثر بهمسات الرفض رغم كبريائها الصامت الذي آثر البقاء وقوراً وهو يرى ما يرى، حتى ان صبرها قد تلاشى وتضائل ولم يبق فيه إلا قطرات تحفظ لها البقية الباقية من صمودها كي لا تكون قشة تتقاذفها الريح ولا بين الشمس والقمر وأتجاهات الأرض.
في الوقت الذي تريد
في بحر العُتمة
وتحتل بقعة عجزي
وتمسح ابتسامة كبريائي
كما تريد
عقرب الزمن يدور
فينتابني
وجع غريب
أسارع
قبل ان يجف البحر
ويموت الموج
لأهرب بعيدا
بعيدا
بحملي الثقيــــــل

في الوقت الذي يؤلب بحر العتمة أمواجه السوداء ليغطي بطغيانه بقعة العجز التي تخفيها بعيدا عن الأنظار وكذا تحاول ان تمسح ابتسامتها التي ترسمها بكل كبرياء، رغم الوجع الغريب الذي ينتابها كلما حرك الزمن عقربه، فتهرب بنفسها بعيداً كطير مهاجر بحملها الثقيل.

تتوقف الكلمات امام روعة حضورك

ورقي دراستك

الشكر وحده لا يكفي للتعبير عن الأمتنان

دمت بخير

تحياتي

اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عواطف عبداللطيف     تتوقف الكلمات امام روعة حضورك ورقي دراستك الشكر وحده لا يكفي للتعبير عن الأمتنان دمت بخير تحياتي

الأستاذة الشاعرة
عواطف عبد اللطيف
تستحقين الكثير

كوني بخير

أيها العادل في الكشف عن مواطن الجمال والظالم لمواقع الحروف
لقد أجدت الطبخ ولكنك قدمته لي في صحون غير مغسولة وغير معقمة
كيف سأعينك أمينا على حبيبتي وأنت تقلب همزة وصلها إلى قطع
عد إلى النص من جديد واقرأه بعناية وصحح ما خربته من كلمات
وإلا سأصرخ صرخة توقظ الخليل وسيبويه من قبريهما
وأقودك إلى صالات المحاكم مكتوفا وأعلن أنك اغتصبت اللغة اغتصابا

عادل الفتلاوي
شفيت الغليل حين دخلت إلى كهوف الغربة وأخرجت لنا من دررها
جمالا رائعا وخصوصا نص الأخت عواطف فإن الغربة لا تفارق أي كلمة في نصها

سيزعل منك مظفر النواب لأنك غيرت القفص وجعلته فقص

تحياتي ومودتي

اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرسول معله     أيها العادل في الكشف عن مواطن الجمال والظالم لمواقع الحروف لقد أجدت الطبخ ولكنك قدمته لي في صحون غير مغسولة وغير معقمة كيف سأعينك أمينا على حبيبتي وأنت تقلب همزة وصلها إلى قطع عد إلى النص من جديد واقرأه بعناية وصحح ما خربته من كلمات وإلا سأصرخ صرخة توقظ الخليل وسيبويه من قبريهما وأقودك إلى صالات المحاكم مكتوفا وأعلن أنك اغتصبت اللغة اغتصابا عادل الفتلاوي شفيت الغليل حين دخلت إلى كهوف الغربة وأخرجت لنا من دررها جمالا رائعا وخصوصا نص الأخت عواطف فإن الغربة لا تفارق أي كلمة في نصها سيزعل منك مظفر النواب لأنك غيرت القفص وجعلته فقص تحياتي ومودتي

عدّلتها استاذي قبل ان تصرخ فدعهم نائمين :v9v9net_013:
الأستاذ القدير والشاعر الكبير عبد الرسول معلة
شكراً لمرورك القيم

كن بخير

تفتقد المرافئ تواجد أ.عادل ناقدا وأديبا نحريرا
فعساه بخير وسلام