هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ
لما ذكر تعالى حال أصحاب اليمين، عطف عليهم بذكر أصحاب الشمال فقال: { وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ } أي أيُّ شيء هم فيه أصحاب الشمال؟
ثم فسر ذلك فقال: { فِي سَمُومٍ} وهو الهواء الحار،
{ وَحَمِيمٍ } وهو الماء الحار،
{ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} قال ابن عباس: ظل الدخان
وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وغيرهم ، وهذه كقوله تعالى: { انْطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ - لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ[1]} ولهذا قال ههنا: { وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} وهو الدخان الأسود
{ لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ } أي ليس طيب الهبوب، ولا حسن المنظر
{ وَلَا كَرِيمٍ} أي ولا كريم المنظر،
وقال الضحّاك: كل شراب ليس بعذب فليس بكريم،
قال ابن جرير: العرب تتبع هذه اللفظة في النفي، فيقولون: هذا الطعام ليس بطيب ولا كريم، هذا اللحم ليس بسمين ولا كريم، ثم ذكر تعالى استحقاقهم لذلك فقال تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ} أي كانوا في الدار الدنيا منعمين، مقبلين على لذات أنفسهم،
{ وَكَانُوا يُصِرُّونَ} أي يقيمون ولا ينوون توبة
{ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ } ، وهو الكفر باللّه،
قال ابن عباس: الحنث العظيم: الشرك وكذا قال مجاهد وعكرمة والضحّاك وقتادة ،
وقال الشعبي: هو اليمين الغموس
{ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ- أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ } يعني أنهم يقولون ذلك مكذبين به مستبعدين لوقوعه،
قال اللّه تعالى: { قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ - لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } أي أخبرهم يا محمد أن الأولين والآخرين من بني آدم سيجمعون إلى عرصات القيامة لا يغادر منهم أحد،
كما قال تعالى: { ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ[2]} ، ولهذا قال ههنا: { لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } أي هو موقت بوقت محدود لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص، { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ - لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ - فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ } ، وذلك أنهم يقبضون ويسجرون حتى يأكلوا من شجر الزقوم حتى يملأوا منها بطونهم،
{ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ - فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} وهي الإبل العطاش واحدها أهيم والأنثى هيماء،
ويقال: هائم وهائمة،
قال ابن عباس ومجاهد: الهيم الإبل العطاش الظماء،
وقال السدي: الهيم داء يأخذ الإبل فلا تروى أبداً حتى تموت، فكذلك أهل جهنم لا يروون من الحميم أبداً،
ثم قال تعالى: { هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} أي هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم،
كما قال تعالى في حق المؤمنين: { كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا[3]} أي ضيافة وكرامة.