الدكتورة
قصة قصيرة 15/7/2012
رن الهاتف النقال , في الساعة الواحدة فجرا , الضوء الذي صدر منه أضاء لها طريق تناوله للرد على المتصل , امسكت التلفون وعيونها ذابلة من شدة النعاس , ردت على الاتصال بدون أن تعرف المتصل , أجابت : ألو, رد عليها بالكلمة نفسها وزادها صباح الخير , صوته ليس غريبا على مسامعها , لولا أن تكون طبقاته ممزوجة ببحة لم تعتادها من قبل , نعم , تفضل ., ماذا تريد ؟ بهمس وكلمات ناعمة تظهر حسن الأداء وإجادة فن التقليد للأصوات , أسف على الإزعاج , أنا مجرد معجب , يطلب صداقتك , جمالك ابهرني ومركزك الاجتماعي ابهرني أكثر , ردت بهدوء وكياسة , يا أخي أنا امرأة مرتبطة بزوج , واعتقد ليس من حسن الذوق , أن تتصل في هذا الوقت المتأخر من الليل , لتبدي لي إعجابك , أبواب مكتبي في الجامعة مفتوحة وبالإمكان أن تحضر هناك وتقول ما عندك , بهذه الكلمات ختمت ردها , وعادت إلى النوم . بعد خمس دقائق من الاتصال الأول , عاد مرة اخرى ليتصل بها , نهضت من فراشها لتضيء غرفتها بالمصباح الأحمر اللون , الذي عادة ما كانت تضيئه إلا عند رغبة زوجها في قضاء حاجاته الغريزية , تلك الرغبة التي كادت أن تنطفي عندها بعد دخولها سن الرابعة والأربعين , امرأة لا تتملك من الجمال الخارق لكي يوصف بالوصف اللاطبيعي , ولا تملك من المال الذي ربما يكون هدفا للمتصيدين , ويفتح شهوة الطمع لديهم , امرأة لا تملك سوى شهادتها ألدراسية ومركزها الاجتماعي , دكتوراه في إحدى اللغات الأجنبية جعلتها أستاذة جامعية في إحدى جامعات البلاد الكثيرة , امرأة مخلصة في عملها , حريصة في أداء أعمالها , تحاول بشتى الطرق أن تتدخل المادة في ذهن طلابها , كما تحاول في بيتها بشتى الطرق أن ترضي ذلك الزوج , الذي يقلها في المستوى الدراسي والاجتماعي , بالرغم من انه يريد في بعض الأحيان أن يفرض عليها تلك السيادة الهشة , والسلطة المكتوبة في قوانين العرف والدين , تسايره , وتحاول التنازل عن الكثير من حقوقها الشرعية , امرأة تعطي أكثر مما تأخذ , لكن بالرغم من ذلك الإجهاد النفسي والجسدي الذي تبديه , يشعر منها بالغيرة المفرطة إلى الحد الذي تدفعه نفسه أن يبحث عن أي وسيلة لإغاظتها والنيل من كرامتها , ذلك الزوج الذي لم تتزوجه لحب أو جاه بل رماها الدهر بقدره المحتوم , بل بالقسمة المزعومة , بل بسوء الاختيار, ليكون الرجل الخامس الذي يتقدم لخطبتها , عندها لم ترفضه , لان قطار العمر كاد أن يمر بجميع عرباته , على سكة الزمن الحاضر , المملوء بكل صور الإحباط , وشباك الأمر الواقع ., حققت كل شيء , وصلت إلى ما تصبو إليه , لكن تلك الغريزة التي خلقت لتدفع بالإنسان في بعض الأوقات إلى هاوية الجنون أو الرذيلة , الغريزة التي أنزلت الخليفة من السماء السابعة إلى الأرض الأولى , ولولاها لما كان للشيطان شأنا , تلك الغريزة التي يتوقف إطفاءها على القبول بهذا الرجل , فهي أصبحت ما بين ضغط الحاضر الذي يشكل لديها فرصة ,تغلبها هاجسا من أن تضيع منها , والحسرة على الماضي التي أضاعت فيه الفرص الأربعة الأولى ,
انتبهت إلى مضجع زوجها , خال من ذلك الجسد الذي لا تشعر بدفئه طيلة الليل , أين ذهب احمد , ربما ذهب إلى الحمام ليقضي حاجته , فقد تعود الاستيقاظ مرة أو مرتين , رن الهاتف مرة اخرى , نفس الرقم الذي اتصل بها المرات السابقة , أرادت أن لا تشعر زوجها بان هناك من يتصل بها, عند ما عرفت بأنه مستيقظ في هذا الوقت المتأخر من الليل , افتعال الأسباب للدخول في شجار معها , كان شأنه طيلة السنين الماضية , خرجت من غرفتها لتتخذ من مكتبها ملاذا لها , أصابها الذهول والدهشة , عندما رأت باب مكتبها مفتوحا , تقربت خلسة منه وجدت زوجها جالسا , وبيده الهاتف , تبين لها من خلال نور مصباح الطاولة , وحركة يداه, انه يحاول أن يتصل بأحد ما , سارعت إلى وضع هاتفها على وضع الصامت , اهتز الهاتف منبئا عن اتصال وارد , بعين تنظر إلى الهاتف , والأخرى تنظر إلى داخل المكتب , أغلقت الهاتف واتصلت بدورها بذلك الغريب , سمعت الرنين , نعم انه رنين هاتف زوجها , عادت إلى فراشها مضمرة قرارا اتخذته للتو مع إيقاف التنفيذ حتى الصباح الباكر .
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 09-19-2013 في 11:11 AM.