هي فسحة أو فضاء للتأمل والبحث في جوهر الأشياء المتراكمة هنا وهناك .. هي طاولة تشريح للوجع الذي ينبت مخالبه في كل مفردة من تلك المفردات التي نعيش .. هو الجنون المطلق في زمن يسوده العقلاء الحمقى..هي لغة تمنح النفس بعض رجاء وصبر .. اللهم اجعلنا من الصابرين على قضائك .. اللهم آمين
يلجني صمتٌ موغل في القدم أستقبله دوماً بحفاوة الفاتحين ، وزغاريد الفرح الموشوم بكل أحزان الدنيا، وشدو أغنيات زمن جميل قضى نحبه بينما كنا نبحث عن الحقيقة .. هنا أطلق تعويذة الإبداع وأسابق فضاءات القهر وألوذ في ملكوت الحرف لعلي أجد ما أبحث عنه ذات مرة ..!!
حين مرّ بي ذات وقت محرر العبيد الأستاذ (م) كنت قد شهدت ذبح الكثير من سنوات عمري تحت مقصلة العيب ،وصوت المرأة عورة، وخيانة الأصدقاء، وقلة الوفاء، واغتصاب الطفولة.. كنت أمني النفس بذات فجر يحمل عني أعباء جنوني ،ويطلقني للريح تحملني كيفما أرادت ، ومرت دهور عميقة بينها زمن جميل ذبح هو الأخر تحت مقصلة الربيع المزعوم وحرية الفوضى، وهذيان الانفلات، واغتصاب الجمال والتاريخ والفكر .. قدمت كلها قرابين زمن أحمق يشلنا ويقذف بنا أينما أراد ولا من معقب ..!!
أهلكني بوجع قاهر لا أملك القدرة على تمزيقه فبعد أن تهرأ ما تبقى لي من بعض عقل دخل أحشائي سواد موغل في العبث ..مزقها دون رحمة وفي كل مرة يتركني والحفرة مهيأة ولكن يبدو أن في العمر بقية .. !!
-لمَ لم تحاولي الهرب .؟
*ألم أحاول..؟ بلى حاولت جربت الغربة أعواما وسنين ..مرارة تعلق في الروح لكن ! مرارة الاغتراب هنا أشد وطئاً وتعلق في اللسان والروح والقلب ..مرارة لاأملك حيلة للخلاص منها ولا أحد يستطيع الا بمعجزة تحدث وزمن المعجزات مر وقضى ..!!
قال الفيلسوف المصلح ذات انثيال روحاني :
وما يثير الرعب قبل الأنتباه .. ويَجِف القلب ، وترتعد الأوصال . حيث يفاجئني من كتب على صدره باللون الأسود (قاتل مأجور ) وهو يمارس حياته بهدوء واسترخاء , بفعل حبة وردية.
يا رحمن .. يا أرحم الراحمين
لقد تغيرت معالم المدينة .. فلا بيت عبادة ناج ، ولا أسرة بلا فجيعه ، ولا عائلة غير مهجرة .. والحياة صارت أقسى من حشرجة الموت.
تراهم هائمين مهاجرين باحثين عن فرصة للحياة .. والباقون يقترفون التحليق بالامل..
نعم أيها المصلح الحياة صارت أقسى من حشرجة الموت.. تمزقت شرايين وأوردة المدينة وتكالب عليها أصناف البغاة فداسوا البراءة ببساطيل الاحتلال والطائفية والحمق والتطرف والتكفير ..و و و (والواوات كثيرة ) ولكن هل من جدوى .؟ والله لا أدري .. أعترف حقاً أن ما يستفزني كثيراً هو فن الجنون الذي لقيته عند نبع النقاء فتابعت حرفك أيها المصلح ووجدتني أنساق الى نمط فيه من الجمال والبراءة ونقاء الروح ما هو غريب ومبدع ..
ويبهرني ذلك الجنون المبتسم حين يردد سمعون:
خذي أربعة الطير
وضميني إليك
إجعلي أشلائي مبعثرة على قمم الجبال
فكل القمم تسعى إليك
كل الشموخ تهاوى إليك
تسامى إليك..!!
إليك . . . .إليك . . .
وكل شيء إليكِ
منذ أكلتُ التفاحة
وانا جائع
أركض وأركض
حيث اللا طريق
ولا وصول ..!
هو أيضاً نكّلت به الحياة فصار "قاب قوسين أو أدنى " بين مطرقة السندان وعواصف الألم المحيط بجسد الحياة الممزق والذي يكاد اليباس الذي حلّ في أرض بوار يتسلق كالدود الأعشى جوانب روحه .. لكنه يظل يرميه بابتسامة مجنونة بريئة لعله يهتدي الى سحابة تطلق المطر من مديات سماء تحمل له النجوم كي يهتدي بها في ظلمة الطريق ..ليظل باحثاً منقبا عن جدوى ..! ثم ..! ثم ماذا..؟
أربكتني عين القلادة حين اقتحمت وكر المجانين هاربة من عتمة النهار ومشفقة على روح تعاني الهول والقهر والانكسار في مدينة لبست معاطف الخريف وغابت عنها الشمس لكن الأرض صارت أتوناً يحرق كل شيء "لا يبقي ولا يذر " :
خائفة أنا .. أرصد أيامي المتبوعة بالأذى وألتمس بقعة ضوء مسروقة من جسد ليل غمر نهاراتي كلها ، وأبى إلا أن يقيم فيها أمدا لا يحده زمان .
منذ مدة وأنا أحاول أن أستعيد بعضا منصوابي ، لعلي أصل إلى الحدود التي تقف عندها نفسي .. نفسي التي ضلت الطريق إلى جسدي المستسلم لمشيئة هذا وذاك .
أعاني كثيرا من ضعف جسدي المضطهد ، وعقلي الغائب ،من أثر تيارات الكهرباء التي أخضع لها رغما عني ، أفعالي التي أقوم بها وأحاديثي التي ينفر منها الجميع، ما هي إلا حقيقة يأبى تصديقها أقرب المقربون لأنهم لا يجرؤون على الوقوف أمام الحقيقة وجها لوجه .
حرام يا سولاف تعبتُ وأنا أبحث عنك ..نعم أنتِ لا تعرفين أني مربوطة الى السرير لكن ولأجلك زحفت وحبوت وتسلقت ذلك الجبل الذي فيه تختبئين اسمعيني غالية ليس على المجنون حرج وكلنا في الهم شرق (يمعودة خليها على الله ما كو غيره يصفيها ) غير أني فكرت وتمحصت وانطلقت من ذهني المتعب فكرة عظيمة تعالي لمَ لا ندخل بيت روح النبع ونستأذن في البقاء هناك ما تبقى من زمن ..سمعت عفوا رأيت عفوا عفواً قرأت أنها تنوي الاحتفاء بالمجانين الذين أصابتهم لوثة العقل ذات يوم أسود ضاعت فيه مساحة البياض التي كانت تسكن القلوب على الرغم أني وجدتها ذات حديث تقول ..
هل تعرفون معنى أن يُسلب الأنسان عمره وحياته وأن يهدّ كيانه وتتشرد أسرته ويضيع الحلم في ظلم البشر؟
هل جربتم معنى الحرمان من الحبِّ والحياة ومرارة ان يقضي الإنسان ليله بدون نوم وهو يتلوى من الشوق؟
هل جربتم أن تنزع قلوبكم منكم بدم بارد على حين غفلة؟
هل جربتم معنى أن تعانق غربة الروح غربة الوطن، وتصبح إحدى مفردات زادك اليومي, غربة يتناسل منها الوجع مع مرور الأيام تتقاذفنا رياحها وتمعن بتعذيبنا ونحن نقف من بعيد خاشعين أمام عتبات الانتظار وقلوبنا تحترق وتنادي وتصرخ ولا منْ يرد!!!
نعم بح المنادي والمسامع تشتكي من الصمم!!!!
ياويلي ..!! نعم جربنا كل هذا وعشناه غاليتي .. أنتِ أيضاً تبحثين عن الوطن ..أنتِ أيضاً تعيشين الغربة، أنتِ أيضاً شجرة حزن تسقيها دموع الوجع والقهر ..آآه ياله من حزن ولد ونشأ ونما في عمق الروح فصار سمتها التي لا تنكر ..وبات ذنبنا الذي لا يغتفر أننا من بني البشر..!
تعبت تعبت تعبت يا الله الى أين المفر ومتى المستقر،
اللهم ( إني مغلوب فانتصر) ..
وثيقة من المشفى التي رقد فيها الاستاذ (م) والذي صار من هؤلاء العقلاء الحمقى الذين تعج بهم أركان المدينة بعد أن كان ذات زمن محرراً للعبيد ..!! نعم خرج من أروقتها يحمل وثيقة تشهد له بالعقل هل كان مجنوناً حقاً فالمدعين يا أحبتي كثر ..!!