(( فضاء قاس ))
تعجرفت عليه الدقائق ، أحس بإرهاق يجبره على الولوج في عتمة منزله الفقير ، كانت أكرة الباب ما زالت ملمعة منذ أن غادر صباحا إلى العمل ، و في هذه الصفرة البراقة و اللامتناهية , رأى تلكم البصمات الراعشة ، بصماته ، تشوق للدخول , وأمواج الصبغ القاني تتثاءب على مساحات الباب ، كان من الخطأ أن يتأخر كل هذا الوقت ، و جريمة أن يعود مخمورا , فينزل بأطفاله و زوجته , متراكم عذابات العمل و الشارع ، تهجى شفاه الخشب القديم , وعيناه توعدان بتغييرات جذرية , عل ما فات يندثر بين صدى الكركرات القادمة ، الباب شامخ , والاكرة تنتظر ، يده ترتعش ، ربما هو التعب , قلبه يجرف بدقاته سني التعب الراحلة , وسني الخواء التي ستأتي ، ربما لأنه مرغم هذه الليلة , على تهجي خربشات قلم ابنه الصغير على الدفتر , رأسه يتطوح كشجرة خريف يائسة ، ربما لأنه سكران , جسمه يرتعد ، ربما لأنه خارج المنزل , هواجس و تبريرات كانت تدفعه للدخول ، فتح الباب ودخل , فوجد بأنه قد اجتاز جدارا وحيدا , يفضي إلى الفراغ ، انتقل من الخارج إلى الخارج ، لم يكن ما خلف الفضاء القاسي , و الباب المغلق إلا ... فضاء قاس آخر .
***