حانت منها التفاتة إلى لوحة معلقة على جدار خرب من جدران بيتها الذي تآكلت قواعده بفعل الزمن والعاديات التي مرت عليه..
شعور بالوحشة والإغتراب خلفته تلك النظرات المنبعثة من عينين شهلاوين تطالعاتها من تلك اللوحة النازفة بالبكاء..
أذهلتها تلك الدموع التي لا تزال منسابة على خد طفلة وحيدة.. وأصابتها طائلة الألم الموجع الذي يبعثه مرأى الدموع بالاكتئاب.
قررت الإتصال به لعل سماعها لصوته في الأقل يهدئ من روعها..
أدارت قرص الهاتف فاجأها صوت امرأة ، شعرت بالحنق والغيرة تتقدان في أحشائها، ومن دون أن تقرر أية وجهة تسلك وجدت نفسها تسير على إسفلت الشارع لا تلوي على شيء..
تمشي دون إدراك لما يمكن أن يواجهها في ذلك الليل الموحش الذي اكتسى حلة رمادية تبعث البرد في الاوصال..
شعرت في وحدتها الهرمة بأن ثمة أقدام تلاحقها..
صوت اللهاث الذي أحسته أثارها حد الجنون وتساءلت:
من عساه يكون؟
أهو مجنون أثارته حمى الألم المفجوع في دخيلته فدفعته إلى السير في ذلك الشارع الكئيب؟ هل تلتفت إليه أم تواصل سيرها؟
ولكن! إلى أين تراها تمضي وبلا مبالاة بما يمكن أن يحدث لها في ذلك الليل البهيم التفتت إليه صفعتها الدهشة..
- يا الهي اهذا أنت؟ كيف.. متى.. أين؟!
تدفقت سيول التساؤلات على لسانها وهي تطالع الوجه الذي أحبته لوحة الحب الضائعة في متاهات الأيام..
كم تمنت لو تلقي بجسدها إليه وليكن بعد ذلك ما يكون
انتظرت منه رداً لتساؤلاتها لكنه بقي صامتاً .. محدقاً في وجهها متفرساً في الشحوب والأسى الذي كانت تبعث به نظراتها اليه.. لم يبد حراكاً.. مدت يديها اليه لكنها اخترقت الهواء داخلها الفزع والرهبة وهي ترى صورته تتلاشى مع الضباب الذي غطى المكان..
لم تكن تدرك في تلك اللحظة أنها وصلت إلى حافة الجسر الذي تهدلت أسواره بفعل الرياح العاتية التي أصابت المدينة..صرخت جوارحها متوسلة بصمت أدمته مشاعرها الضائعة. خذني إليك.. أرجوك لا تكن شبحاً أرسله الضباب ليعبث بي خذني بربك لا تتركني وترحل..
غير أن توسلاتها التي بقيت صامتة محترقة في داخلها تناثرت في الفضاء البهيم حين انزلقت قدماها من أعلى الجسر لتسقط في هاوية النهر العميقة مستدرجة معها كل الأحلام والآمال والآلام التي حواها العمر..
في الوقت ذاته
كان هاتفها يعلن برنينه المتواصل رغبة رجل أضناه الشوق
لسماع صوتها بلهفة مريرة..!
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 08-27-2013 في 02:01 AM.
الغالية الرّقيقة ازدهار السّلمان
قرأت هذه القصّة المؤلمة المتقنة الأسلوب والحبك الرّائعة التّسلسل وقد قفز الى الذّهن المثل القائل [تجري الرّياح بما لا تشتهي السّفن]
فالرياح تهذي والسّفن تتهادى وفي بطونها حبيب ملتاع أوأمّ متلهفّة أو فلذة كبد والجميع فيها قلوبهم ترفّ للقاء فقط ....لنظرة فقط في وجه من غاب وما آب .ولكن الزّمن حارس غادر .فسفن الرّحيل راسية من حولنا ...فقد يرحل الواحد منّا وغصّته في القلب وحنينه مضطرم.....
أخيّتي
قصّة مترعة بالالم بها من الهواجس والمفاجاءات والحنين ما يتلف الرّأس....وقد أتقنت فنّ القصّ فيها وابجدياته باقتدار...
محبّتي وعودة ميمونة فانت سيّدة يشتاقها الوجدان جدّا ..راجية الاّ تغيبي وألاّ يكون النّداء متأخرا لا سمح الله يا اخيتي الطّيبة .