ما يناسب الآخرة !
=========
المتع الدنيوية كثيرة منها متع حسية ومنها متع معنوية . والمتع الحسية تبدأ فى التعاظم رويدا رويدا ولكن لها أجلٌ قصيرٌ محدود سرعان ما تتلاشى بعدها وتصير حطاما ويشعر الإنسان بحقارتها وبأنها لم تكن تستحق أن يلهث وراءها حتى وإن كانت متعةً حلالا . أما الطامة الكبرى فهى المتعة الحرام تأخذ من المتمع بها أمدا قصيرا تتعاظم فى بدئها ثم تخبو وتصير رمادا تذروه الرياح فيشعر مرتكبها بحقارتها ولكن ليت الأمر ينتهى بذلك فأنه يشعر وقد انتهى وقت المتعة وبدأ وقت المحاسبة . انتهت دقائق المتعة وبدأت أبدية المحاسبة .
وقد وعد الله المتقين أيضا بمتعٍ فى الجنة . ولكن من البديهى أنها ليست من شاكلة متع الدنيا . لا يمكن أن تكون مكافأة خالق الكون متعة منتهية . فالإنسان بمجرد انتهاء لذةٍ ما يعتريه شعورٌ يشبه الاحتقار والاشمئزاز والغثيان بما التذ به وهذه فطرةٌ فيه . ولا يمكن لمن خلقك أن يكرمك فى الجنة بشيئٍ يروقك ويبهجك فى البدء ثم يخفت بريقه ورونقه وروعته وجماله شيئا فشيئا وفى النهاية تركله بقدمك فى احتقار . هذا ليس عطاء الخالق العظيم . هذا كان العطاء فى الدنيا وهو عطاء يشبه الدنيا الفانية . فإذا كانت الدنيا نفسها فانية فمن باب أولى أن يكون عطاؤها فان . أحاديث الرسول الكريم خالدة ولا ينضب معينها ومنها أن الجنة فيها ما لاعينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر . لكل عمرٍ ما يناسبه . أعمارنا فى الدنيا أقل من قرن على أية حال فالمناسب فيها أكلةٌ شهية وبيتٌ مريح وزوج يسعدنا ومالٌ وبنون ومركبة فاخرة وأنسٌ وضحكٌ..وما شابه ذلك . حسنا ، فما الذى يناسبنا لو كانت أعمارنا ألف عام؟ يسقط بعض هذه المتع لأنها لا يمكن أن تسعد بها ألف سنة ولأن تركيبتك أنت نفسك ستختلف . فالذى هو مهيأٌ ليعيش ألف عام فى نعيم لا يمكن أن يسعد ويستمتع بأكلةٍ يدوم الهناء بها نصف ساعة أو ببيت يرضى به خمس أو عشر سنوات أو بزوجٍ يشبع رغباته عقدا أو عقدين من الزمان . إنه يريد متعا تدوم معه ألف عام دون أن تخبو أو تنقص مثقال ذرة . هذا مجرد مثال لمن قُدر له أن يعيش ألف سنةٍ فى نعيم . وللقارئ من الفطنة والخيال الخصب تقدير حال من سيعيش مخلدا فى نعيم . لا يجيب على هذا التساؤل غير حديث الرسول الكريم (يقول عز وجل: أعددت لعبادى ما لاعينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر) .