أؤمن بإن الإبداع الإنساني فضاء رحب لا تأسره الحدود واللغة ، هو كالسلم الموسيقي ، نغمة من هنا ونغمة من هناك والمحصلة سيمفونية شجية تطرب لها ذائقة البشرية.
ولإنني عاشقة للزهور الحقيقية والزهور الأدبية أطير في فضاء الأدب لأقتطف من جنائنها ما يستحق ان اشارككم به هنا.
اليوم حطيت رحالي في ربوع الأدب الروسي ، ومن يتحدث عن الأدب الروسي بلا شك سيتصدر حديثه أمير شعراء روسيا الكسندر بوشكين، هذا الأديب الشاعر الذي امتزجت ثقافته الروسية بالثقافة الفرنسية فقرأ لموليير وفولتير وغيرهم ، والثقافة الإنجليزية فقرأ للورد بايرون وشكسبير فكان الناتج قمة في الروعة. وبالرغم من أن بوشكين لم يعش أكثر من 36 عاما إلا أنه ترك إرثاً ادبياً ثرياً بأفكاره النبيلة على هيئة مجموعة من الدواوين الشعرية ، الروايات، المسرحيات الدرامية.
لم يكتب بوشكين وهو سليل العائلات النبيلة من قصره ولطبقته المخملية فقط ، بل نزل الى الشارع واحتك بالناس وعاش معاناتهم ، كان يؤمن بإن على الأديب أن يكون واقعيا وحتى يكون الأدب مقنعاً وذو مصداقية يجب أن يقوم على وقائع الحياة البشرية الحقيقية وأن يلمس كل اطياف المجتمع من اشراف ونبلاء وحرفيين وفلاحين ملامسة واقعية.
كانت مبادئه واضحة جدا في أشعاره ، كتب عن الاستبداد الإاجتماعي وعن مركزية السلطة التى كانت حكراً على القيصر وحاشيته من النبلاء، وطالب بإعطاء الشعب الحرية والمشاركة بالقرار والحد من هيمنة النبلاء في البلاد واعتبر أن الشعب هو المرجع الأساسي للسلطة.
أدهشني حقيقة في سيرة هذا الشاعر إطلاعه بعمق على التراث الإسلامي وسيرة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وتأثره جداً بهما ووصف العرب والمسلمون بإنهم امة لها تراث عريق وعادات وتقاليد راسخة مما ألهمه لكتابة بعض قصائده مثل :
قبسات من القرآن – الرسول – محاكاة العربي- ليلي العربية
قصيدة ليلى العربية:
تركتني ليلى
مساء أمس دون اكتراث
قلت : توقفي ، إلى أين ؟
فعارضتني :
" لقد شاب شعر رأسك "قلت : للمتهكمة المتعالية
" لكل أوانه !
فالذي كان مسكاً حالكاً ،
صار الآن كافورا "
لكن ليلى سخرت
من الحديث الفاشل
وقال : " أنت تعلم :
أن المسك حلو لحديثي الزواج
أما الكافور فيلزم النعوش " .
بلا عنوان
إن خدعتك الحياة
فلا تحزن ، و لا تغضب !
في اليوم الشجي اهدأ ،
يوم الفرح ، ثق ، لا بد آت !
القلب يحيا في المستقبل ،
فالحاضر كئيب !
كل شيءعابر ، كل شيء سيمضي ،
وما سيمضي – سيصبح أجمل
في هذه القصيدة تأثر بوشكين بالأيات القرآنية التى تتجلى فيها قدرة الخالق عز وجل فيقول:
لقد أضأت الشمس في الكون
وأضأت أيضا السماء والأرض
مثل نبتة كتان تمتلئ بالزيت
تضئ في مصباح بلوري
صل للخالق فهو القادر
فهو يحكم الريح في يوم قائظ
ويرسل السحب إلى السماء
ويهب الأرض ظل الأشجار
انه الرحيم
قد كشف لمحمد القرآن الساطع
فلننساب نحن أيضا
نحو النور
ولتسقط الغشاوة عن الأعين
ولإنه كان صاحب مبدأ كتب قصيدة بعنوان أسطنبول، ينتقد فيها الإمبراطورية العثمانية عندما انسلخت عن هويتها الإسلامية :
تخلت اسطنبول عن الرسول
إذ حجب عنها الغرب الماكر
حقيقة الشرق الأزلية
وتركت استنبول الصلاة والسيف
في سعيها إلى التسلية والترفيه
ونسيت استنبول عرق القتال
وتعودت على شرب الخمور في أوقات الصلاة
ومن يتحدث عن بوشكين لابد ان يذكر قصيدته عن الحرية التي تعتبر من أروع القصائد الوطنية والتي يقول فيها :
الا ابتعدي عن طريقي
يا ربة الأوتار الخافتة
اين انت ايتها العاصفة الرجولية
يا مغنية الحرية الفخورة ؟
اقتربي و مزقي اكليلي
و حطمي قيثارتي الناعمة
اريد أن اتغنى الحرية الإنسانية
.و أفضح الرذيلة في عروشها
آه لو ان لصوتي القدرةَ على ان يهّز النفوس
لمَ هذا اللهب المتوقد , عبثاً , في صدري
و لم تمنح لي موهبة الكلمة الرهيبة ؟
اتراني ارى شعبنا , يا أصدقائي , و قد تحرر
من جور العبودية بأمر من القيصر ؟
أو لم يحن لفجر الحرية الوطيئة الرائع
أن يشرق على وطننا اخيراً
عاش هذا الشاعر في وجدان الشعب الروسي لإنه سخر فكره وقلمه لخدمة هذا الشعب ولم يستخدمه كنوع من الترف الإجتماعي لذلك كُتب على النصب التذكاري المشيد له في مدينة ليننجراد بعض من أبياته :
وســأظل طويلا عزيزا على شعبي
لأنني قد أيقظت بقيثارتي مشاعر طيبة
ولأنني باركت الحرية في زمني القاسي
ودعوت بالعطف على الســاقطين
سلوى حماد
* المعلومات مستقاة من عدة مصادر