بسم الله الرحمن الرحيم
(الأدب الساخر من أمتع مايبدعه الإنسان ,فهو يجعل من يقرأ يستمتع ويضحك ,ثم هو يبعث على التفكير العميق فى موضوع ما ,لذلك فقد أعلنت احتجاجى على بعض الشعراء الذين يلبسون ثوب القديم ,ويأتوننا بألفاظ مهجورة ,ويظنون أنعم قد أتوا بما لم يأت به غيرهم, وأرى أن الشعر لابد من أن يكون معاصرا فى ألفاظه وصوره ,حتى يفهمه الناس ويتفاعلون معه ,من هنا كان هذا المقال.)
من شعراء الجاهلية الأولى
البرعاط بن مكثمة الحنفري
بقلم: عبد القادر الحسيني
نبذة عن الشاعر:
عاش البرعاط بن مكثمة الحنفري في القرن الثالث قبل الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وهو بذلك يُعد من الشعراء المتقدمين على امرئ القيس وابن المهلهل , وقد عاش في مضارب بني حنفر جنوب الجزيرة العربية.
واسم الشاعر الحقيقي مازن, وقد سُمى بالبرعاط لكثرة برعطته في الفلاة, ليستمد منها مفردات شعره, ويستلهم الصور الجديدة والمعاني التي أنفرد بها., والتي تعتبر خاصة به وحده,حتى يومنا هذا وقد كتب البرعاط في كافة أغراض الشعر, من مدح وهجاء ووصف وفخر, وللأسف لم يصل إلينا إلا القليل من شعره, حيث حقد عليه الشعراء اللاحقون, وكانوا ينسبون ما كتب لأنفسهم, أو يخفون ما وصل إليهم من أشعاره.
والآن نأخذكم في جولة ممتعة مع أشعار هذا الشاعر الفحل توضح قامته الشعرية السامقة وتوضح أهم سمات شعره.
ومن أرق قصائده الغزلية قصيدته المسماة بالورزانة, حين فاضت مشاعره شوقاً إلى حبيبته, التى رفض أهلها زواجها منه, لفقره الشديد وصعلكته التى اُشتهر بها.
يقول فى هذه الخريدة الخالدة على مر الأزمان:ـ
وتخرنقتْ في الكافياتِ مواجعـي
وتكثربتْ فعوى التى كانت معـى
وتشاهلتْ بين القلاة كمـا تـرى
وتكأكأتْ فى البُرط ترجو مصرعي
ولتسهيل الأمر على القراء نود أن نوضح معاني بعض الكلمات:ـ
ـ تخرنقت أى ظهرت وهى من خرنق يُخرنق فهو خِرناقٌ ومُخرنقْ.
ـ الكافيات :وهى مكان بالصحراء يكفى من يكون فيه الأعداء لأنه محصن من جميع الجهات.
ـ تكثربت: أى تقاعستـ .
ـ فعوى على وزن سلوى وهى اسم من أسماء النفس.
ـ تشاهلت: أى تقلبت
ـ تكأ كأت: والمعنى واضح وهو تذمرت.
ـ البرط : وهو وقت الجد.
وبهذا يضح لنا ما يرمى إليه الشاعر.
ومن أجمل أشعاره في الوصف قصيدته في وصف الخيل والليل والصديق والمسماة بالمتسقرطة وهى من عيون الشعر الجاهلي حيث يقول فيها:ـ
تسقرطَ خافه والليل يسرى
وشدَّ المُكرشاتِ وكان يجرى
فما طال المعفلط أو تهجمى
وفرشط وهو منشلم بأمري
ومدَّ إلى عيالقـهِ سيجتـاً
يلُقُ بهِ وقد أذرى بشعـري
ونود أن نوضح بعض معانيه رغم أنها واضحة كل الوضوح:
ـ تسقرط وهى من السقرطة وهى أن تكون سقراطاً.
ـ خنفه: صوط يصدر من العبرطة.
ـ المعلفط: وهى الشخص السمين.
ـ تهجمى: على وزن تهّجى ومعانها طار من على الأرض.
ـ فرطش: أى اقتحم بدون خوف.
ـ عيالقه: شيء فى أسفل القدم.
ـ السبجت: وهى آلة فى السرج تستعمل لتثبيته.
ـ يلق:وهى على وزن يدق ومعناها يسير بسرعة كبيرة.
ونورد هنا نموذجاً واحدا من شعر المدح الذى أُشتهر به البرعاط وهى فى مدح زعيم قبيلة العنتريت وهى من بطون بنى عبد الحنجل.
يقول البرعاط:ـ
وعنكاشٌ تسفرت فوق أرضي
يرومُ مكانةً فـي العنتريـت
تبرعط بالذى قد كـان منـه
وحطَّ بباكشٍ بيـن الغتيـتِ
سقانـا قُلـوهُ لمـا تمشـك
ولكـشَّ لفثـه بالقشتميـتِ
وقال لنـا هلمـوا يارفاقـي
لتوعن مشكظى فى العمتريتِ
ونورد هنا شرح لبعض المفردات رغم أنها واضحة لكل متذوق للشعر الجاهلي
ـ العنكاش: وهو الزعيم الملهم.
ـ تسفرن: أى وُلد سَفريتاً
ـ العنتريت: قبيلة عربية أصلها من اليمن.
ـ تبرعط: صار برعاطا والمعنى واضه.
ـ باكش: مكان بالقرب من موطن القبيلة.
ـ الغتيت: قبيلة من بطون بنى الأقرش.
قلوه ـ أى ماكان معه من الماء.
ـ تمشكى: أى مشى بزهو وإعتزاز.
ـ لكش: اللكش هو التبرع من غير منة.
ـ لفثه: على وزن نفثه وهو مايخرج من العنكاش أثناء الغضب.
ـ توعن : بمعنى توهي.
ـ مشكظى: أى ماعندى من طافة.
ـ العمتريت: مكان يبعد عن مضارب القبيلة من وًجد فيه يكون أبلهاً.
والآن مع قصيدة رائعة من شعر البرعاط يفتخر فيها ويذم الأعداء, وتسمى هذه القصيدة بمعلقة البرعاط فقد أجمع النقاد على إنه لو وجد فى عصر المعلقات لكانت أهم معلقة, حيث يفتخر فيه بقومه ويهجو كل من عاداهم, وتتضح لنا سمات شعر البرعاط فئ أوضح صورة, حيث استخدام الكلمات السهلة النابعة من البيئة, والصور الجميلة المستوحاة من الطبيعة والتدفق الشعري الجميل, يقول البرعاط:ـ
تشخلطت القبائل وهى تمقـى
تبرطل في السمالق والليالـي
فما زال الذي في الغنش يرجوا
وطرباقٌ يلوح فـى الأعالـى
فعشن بركـهُ والليـل ولـى
على سجطٍ تباركه السحالـى
وأغفى العندريد على السوقـى
كما أغفى البريعط فى النـوالِ
وأظن أنه لا داعي لشرح مفردات القصيدة لأنها واضحة وضوح الشمس, ولا تخفى إلا على من لم يطلع على شعراء العصر الجاهلي.
ولعلكم استمتعتم معي بهذه المقطفات من الشاعر الذي لم يأخذ حقه لا في حياته ولا بعد موته, فقد عزف النقاد عن المرور على شعره, لأسباب عديدة منها صعوبة الحصول على هذه الأشعار من مصادرها, بالإضافة إلى ضرورة علو كعب الناقد الذي يتصدى لهذه الأشعار.
تقبلوا تحياتي
طائر الفجر
* مع الإعتذار لكل من يحذو حذو الشاعر أعلاه
وقبلها الإعتذار للشعر الجاهلى والشعراء الجاهليين فما هو إلا شاعر وهمى لا وجود له