وهو أنه قدرها المحتوم وأن عافيتها مرهونة بدوام حبها له وهو المصدر الرئيس لها وكلمة (ليس أمامي ) التي كررتها بعد ذلك إمعانا منها للتأكيد على استسلامها لقدرها لتكون أكثر وفاء وإخلاصا.
الحب ليس فيه مساحات رمادية ولا يؤمن بوسطية المشاعر، الحب حتى يصبح قابلاً للحياة يجب أن يكون هو/ هي طرفي المعادلة في حالة أعتراف كامل بأن كل منهما يكمل الأخر، ولن تكون هناك سعادة مكتملة في بعد أحدهما عن الأخر.
نعم أن السفر في عيون الحبيب تلون الأشياء من حولنا بمقدار تغلغلنا في غاباتها وحقولها.
عيون الحبيب هي النافذة التى نرى من خلالها الكون أكثر رحابة، وهي السطح الأكثر نقاءً والذي تنعكس عليه الأشياء على حقيقتها فنرى كل ما حولنا بأدق التفاصيل.
ليعرف أن وجودها في قلبه سيكون كوجود الياسمين في الحقل زينة وجمالا ونقاء وعبقا ..وأن العطر هو أكثر الأشياء إذكاءً للذاكرة ..
لا يمكن ان يجد الحبيب مكاناً أكثر أماناً ودفءً وعطاءً كقلب الحبيب، هناك فقط يترعرع ياسمين المشاعر ليعرش على كلاهما وينساب عطر الرومانسية ليسقي روحيهما.
وهنا جمعت بين المتضادين باسلوب ولا أروع .. وهما الحلاوة (كلام الحبيب) والمرارة(الحرمان منه) في حاضرها وحسْبُ حاضرِها مرارة بُعْدُ الحبيب.
عندما تقرر المرأة أن تهب قلبها لمن يستحق يهيمن قلبها على باقي حواسها، فلا طعم للأشياء في غيابه ولا صوت يطربها الا همسه، وبالتأكيد تتذوق المرارة في بعده وتفقد الأشياء بهجتها ونكهتها.
وهذا يعني مدى تفتتها وتشتتها بدونه وكأن بوجوده تلتحم اشلاؤها ولو كان البعض منه .. وكذلك الحال له ليعيدا تركيب بعضهما من جديد للبدء بصفحات جديدة وأبجدية مختلفة
المشاعر عبارة عن معادلة من هو/هي يتحدان ويكونان مخلوق جديد يشع فرحاً وسعادة وبهجة ...في غياب احدى طرفي المعادلة تتبدل الصورة ويصبح المخلوق غائب الملامح...
فهي إذن غير قادرة على الحركة والطيران فالمرأة يلزمها الرجل وهو رمز القوة والقدرة والحركة فلا تستطيع المرأة بدون وليّ أمرها وهو الرجل أن تتحرك بحرية كما يفعل الطائر بجناحة
أنثى النص هنا تمارس أنثويتها بصدق وتجد الشجاعة والقوة في الاعتراف بإنها بدونه لا تقوى على ممارسة حياتها ، هي تؤكد له أهمية وجوده في حياتها.
فالحبيب هو الذي يمنح الحياة دفئا ولكن لفرط تعلقها به تزداد البرودة أكثر حدة.
تؤكد أنثى النص هنا بأن صقيع الوحدة يضرب عمقها بقسوة فأنفاسه كفيلة بنشر الدفء في أعماقها، هو شمسها التى تضيئ ليلها وتذيب جليد وحدتها.
تبرهن له على إخلاصها بالاحتفاظ بهمسه ليمنح فجرها النور حين وصفته بالسريان في عيونه وكذلك تقول بأنها محتفظة منه بأدق التفاصيل وهي التي تمنحها هذا الشوق للعودة إليه.
عندما تعشق الأنثى بصدق يصبح الحبيب محور حياتها، تهيئ له مكاناً خاصاً في ذاكرتها كصندوق العجائب تحتفظ فيه بكل تفاصيله، همساته، لمساته ، نظرات عينيه، نبضات قلبه، عطره، ابتسامته، كيف يكتب، كيف يأكل، ماذا يكره وماذا يحب...وتكون قمة سعادتها في استحضار كل ما يتعلق به لتضخ في شرايينها مزيداً من مشاعر الشوق واللهفة له.
وتدخل أديبتنا في الاعتراف مرة أخرى بأشياء لا تخطر على بال الحبيب وهي أنه يسكن في رؤوس أصابعها التي تحتضن القلم الذي لا يكتب إلا له.
عندما تهم الأنثى العاشقة بالكتابة يطل عليها الحبيب من بين السطور وتتخيله أمامها فتشاكسه بالحروف وتتجسد كل مشاعرها نحوه في كل ما تخطه يداها وله فقط تنساب عصارة الروح رقراقة لتخضب الورق بطعم الوله.
وأخيرا لم تجد بدّا من البند الأخير وهوقرار العودة وهو الأساس التي قدمت كل ما تقدم تمهيدا لإعلانه ولكن بصورة شاعرية وبلغة مليئة بالحميمية وحين أعلنت حرق المراكب لكي تلغي كل خطوط الرجوع أو العدول عن قرارها ودليل على ثقتها بالحبيب وبنفسها وتعبير صارخ عن الوفاء.
الحب الحقيقي التزاماً أخلاقياً قبل أن يكون التزاماً عاطفياً وأنثى النص هنا ملتزمة بعهدها الذي سطرته بنبضات قلبها مع الحبيب، هل على ثقة بإنها بأيدٍ أمينة وقلبها ينبض في المكان الصحيح، لديها قناعة تامة بإن الحبيب يستحق التضحية وان الحياة باتجاهه ستكون هي الأجمل.
.................................................. .................................................. .....................
أديبنا الراقي الشاعر مصطفى السنجاري، تقبل باقة من أصدق الأمنيات لك بموفور الصحة والعافية والسعادة بقدر ما أسعدتني لإنك توجت نصي بهذه القراءة الرائعة الموشاة بخبرتك الأدبية وكرم أخلاقك وذوقك العالي.
جميل هذا التواصل الإنساني الذي يخلق من الحروف جسوراً من المودة والامتنان...فشكراً باتساع السماء على هذه المبادرة الراقية.
لك احترامي وتقديري ومودة لا تبور،
سلوى حماد