رن التلفون في آخر الليل، كان المتحدث "زامر المسلح"، فقيه الأدب، ما كدت أقول حرفاً إلا وكلماته تتدفق.
* وصلت لصانع شواهد القبور؟
* أجل، لكن ما العجلة لتتصل في هذه الساعة؟
* أريد أن تجهز لي شاهد قبر.
* حسناً تعال غداً...
* ولكن المرحومة عزيزة علي، وأريد أن أطمأن إلى أني في العنوان الصحيح.
* يا حبيبي، هل تعرف ما الساعة الآن? الصباح رباح... نحضر لك بدل الشاهد شاهدين.
* لا فقط واحد... هل أنقلك النص؟
رأيت أن الشخص بالطرف الآخر لا يسمع إلا صوته، قلت:
* هات... ماذا نكتب؟!
* أكتب: هنا ترقد الزوجة الغالية نيروز ، رجاء يا الهي استقبلها بسعادة مثل ما أرسلها لك بسعادة!!!
2. هنا يرقد رامي سعيداً
كان رامي يحب الحياة ويحب المناصب ولو على خازوق.
تقدم به العمر وهو مكانك عد.
كان ينظر حوله ويشتاط غضباً. كلهم صاروا حملة ألقاب وهو ما زال قطروزاً رغم شعوره أنه أفضل من الجميع، وشهاداته تملأ حيطان الديوان.
كان يغضب حين يقال أن فلاناً أنهى الجامعة ونال لقب جامعي وما هي إلا بضع سنوات واذا هو في القمة... وأنت يا رامي مضت سنوات عمرك بلا فائدة، رغم شهاداتك وثرثرتك.
كيف ينجح الآخرون، وانت مكانك عد؟!
قضى جل أيام عمره غاضباً. ربما لهذا السبب تعقدت دروب الحياة أمامه أكثر.
عندما تقدم به العمر، وبات يتحرك بصعوبة، فكر وقال لنفسه لا بد أن أجعل من موتي حدثا لا ينسى، اخوزق به الجميع ، عندها سيعرفون ان رامي كان ذكيا جدا.
قبل موته بيومين انتهى من كتابة وصيته، ولأول مرة يشعر بالرضاء عما أنجزه، قال المعزون:
* أخيراً انتقل إلى ربه راضياً مرضياً.
المفاجأة كانت في وصيته التي فتحت بعد انتهاء مراسيم العزاء. كتب كلمات قليلة:
* انقشوا على شاهد قبري كفة يدي مضمومة الأصابع إلا الإصبع الأوسط بارزاً إلى أعلى وتحتها: "هنا يرقد رامي سعيداً"!!
3. احذر أن تقربه
كان الحوار حاداً حول الميت المسجى. زامر توفاه الله: ولا أهل له غيرهم ، فهل عليهم الصرف على أجره ودفنه بسبب رباط العائلة؟
البعض اعترض وقالوا أنهم براء من زامر حتى اليوم الآخر، لقد نهب بيوتنا وسطى على أموالنا وأملاكنا، وأبقانا على البلاطة، لتأكل لحمه القطط والكلاب، الأمر لا يخصنا.
قال كبيرهم: يا جماعة الخير مهما كان في دنياه حسابه عند ربه، انه يحمل اسمنا، ونحن نقوم بواجبنا نحو عائلتنا، صحيح أنه نهبنا، ولنعتبر ان مصروفات دفنه هي سرقته الأخيرة لنا.
* بل يسرقنا حتى في مماته!!
وبتردد ، وبسبب ضغط كبير العائلة ، دفع كل فرد حصته مجبراً لتغطية مصروفات الجنازة والأجر.
دفنوه، وسارعوا ينهون أيام العزاء بأقل من يومين، لقلة عدد المعزين.كان واضحا ان زامر لم يترك أحد بعيداً عن شره. كانت يده تطول جميع أهل البلد .
عندما طرح كبير العائلة ضرورة إقامة شاهد على قبره استهان الأقارب بذلك وتذمروا ، قال أحدهم:
* اسمه مثل الزفت، حتى لعزائنا بموته لم يحضر إلا نفر قليل، والشاهد يوضع لمن يعز على أبناء عائلته.
أصر كبير العائلة أنه يعرف ما يعتمل بالصدور، وللعائلة اسمها وكرامتها ولا يمكن أن تتخلى عن شخص يعد من أبنائها، ستصبح سمعتنا في الحضيض.
وهكذا أقنعهم، أو ملوا النقاش، ووضع كل منهم ما يقدر عليه، وأوصوا له على شاهد لقبره، وقرر كبير العائلة حتى يبرئ ذمته أمام الخالق عندما يحين أجله أن يكتب على شاهد القبر:
* نرسل لك أيها الرب ابن عائلتنا زامر، الذي أفرغ جيوبنا وسرق أملاكنا، نحن غفرنا له ونطلب أن تغفر له أيضا، ولكن إذا غفرت له، اياك ان تقربه من عرشك!!.
أستاذي الجميل / نبيل عوده
هذه أقاصيص ، ينبغي صياغتها في صورة سردية ،
لا حوارية، فكثرة الحوار تتقاذفها الرؤية المشهدية فتميت الصورة السردية
وتتداخل مع الرؤية الممسرحة للعمل القصصي،
كما يفضل وضع عنوان لكل أقصوصة،
وتقسيم العمل أو جعله قصة واحدة لو تضمن وحدة الموضوع..
محبتي وباقة ورد لقلبكـ
د/ ثروت عكاشة السنوسي
مصـــــــــــــــــــــــــر
الأديب القاص د. ثروت عكاشة السنوسي
ملاحظة تستحق التفكير .. لا اقول اني متماثل تماما مع رايك السردي ودور الحوار في السرد.. او جعل القصص قصة واحدة.
كتبت هذه القصص بتباعد زمني نسبي.. وكان صراعي مع نفسي ان احافظ عليها كأقاصيص قصيرة نسبيا او انفخهم الى قصص قصيرة .. وملاحظتك تعيدني الى صراعي السابق مع نفسي . ويبدو ان الكاتب سيظل يعيش تناقضاته الذاتية .. وهناك عدة قصص نشرتها كاقاصيص .. او ما يسمى قصيرة جدا ( وهو لون لم يثبت نقسه) اعدت صياغتها لتصبح قصصا قصيرة
الموضوع يطرح تساؤلات تستحق مداخلة خاصة.
تحياتي
نبيل عودة