رنين الرحيل
قراءة في ديوان أجراس قبل الرحيل لادوارد عويس
•
د.بلال كمال عبد الفتاح
يبدو أننا لا نحسن قراءة الشعر إلا عندما يموت صاحبه ، وعند موته يحيا شعره ، فنستمع إلى هسيس لغته ، ونبض عواطفه ، فتصبح كلماته شاهدا ، وموضع نظر وتأمل !
ويبدو أن الأجراس التي دقها ادوارد عويس قبل رحيله لم نسمعها –أو لم نحسن الاستماع إليها – إلا بعد رحيله !
ومن يقرأ ديوان " أجراس قبل الرحيل " يعرف الشاعر ادوارد عويس إنسانا ووطنيا ، حمل هم أمته ، وتألم لآلامها ، فتكلم بلسانها ، وانتصر لقضيتها العربية ، فحمل همها ، وسعى لرفع همتها ، ويبدو أن الشاعر –وسلاحه الكلمة –قد أضناه التعب وهو ينادي هذه الأمة ، فكانت مفردة القول والنداء من أكثر المفردات دورانا على لسانه ، ومن ذلك قوله :
ناديت قومي وكم ناديت من وجع = وكم أعد كآباتي وأحتسب
ناديت قومي ووجه الحسن ممتقع = والشر منعقد والأرض تنتهب
ناديت قومي ولا نار ولا حطب = أين المجامر والنيران يا عرب
لقد أصبح هذا النداء ديدنه وهمه حتى انتهى به إلى موته وهو القائل :
رب هم أدنى لصاحبه الموت = فأعفى برائع الترديد
لقد كان الشاعر مدركا أنه راحل ، فترك نداءه وصية ونشيدا ، لعل المتلقين يتلقونها ويرددونها ، ويفيقون من غفلتهم وسباتهم :
منيت نفسي لو تطير مقالتــــي = وتهز أسماع الطغاة وتقرع
وبسطت أمنيتي ففاضت حيرتي = أهمو على قيد الحياة فأسمع
والشاعر مدرك أن الأجسام منتهية إلى الموت ، ولكنه يخشى أن تموت الفضائل في النفوس ، فتتبدل الموازين ، وتنقلب الحقائق ، وتضيع الحقوق :
فإن رحل الشاعر فقد ترك نداءه وصية ليحملها شاعر ومناد آخر ، حتى تبقى الفضائل حية ، وذلك الموروث والتاريخ حيا في النفوس ، فالأمة لا تنتصر إلا بها فهي المحرك والدافع الذي يدفع الأمة إلى النهوض والدفاع عن حياضها وعزتها :
لا شيء غير الشعب يحمل جرحه = غضبا ويطلق شوقه المغلول
بالعزم تزهر في معابدنا المــــــنى = ويرتل القرآن والإنجـــــــيل
إنه يحمل هم القضية ببعدها الديني والإنساني ، فيصوب النظر إلى المبعدين في مرج الزهور ويمدحهم :
الصابرون المتقون = هم النذير هم البشير
لعذابهم لصلاتهــــم = لسمائهم قلبي يطير
قلب يجدد عشقـــــه = بدم النضال فلا يبور
أقم الصلاة هناك يـا = قلبي على المرج النضير
فالأرض أقرب للسماء = هناك في مرج الزهور
إنه ينادي وينادي ويدق أجراس النذير ويدعو إلى الثورة :
(فالثورة أضحت كل طريقي
عبر الليل وعبر الشمس
وأضحى وهج الغضب المسحور المتدفق
في الفلوات
وفي الوديان
وفي الهضبات
يخضب كل مواقع أقدامي)
وهو يستذكر تاريخ الأمة وثوراتها ويستأنس بثورات الأمم الأخرى ، ليعيد للأمة سيرتها الأولى عزا ومجدا :
نعم انتفاضتنا الطريق قويمة = عبر الدجنة إنها القنديل
نبع الحجارة فائر مـــتوقـــــد = هو لن يشح فإنه سجيل
قمم الجزائر كرست نهجا لنا = ضربت عليه قواعد وأصول
ولظى فيتنام ترسخ نهجـــــه = ركنت إليه مناهج وعقول
ولا يفقد الشاعر الأمل وهو يركز على ندائه وقوله وهو يسرد ألآم الأمة ومآسيها :
ماذا أقول وهل تفارقني المنى = ويضيع مني موقف وبلاء
ما ذقت طعم اليأس رغم مآتمي = يوما ولا برح الفؤاد رجاء
مضى الشاعر صادقا في بث همومه مستصرخا همة أمته ودق أجراسه قبل رحيله ‘ فهل ثمة مستمع لما بقي من رنين ؟؟؟!!!
د. بلال كمال عبد الفتاح