من كتاب "الزهرات الوردية في الفتاوى الأجهورية"، تأليف علي بن محمد بن عبد الرحمن الأجهوري، تحقيق أبي الفضل الدمياطي أحمد بن علي، الجزء الثاني، مركز التراث الثقافي المغربي ودار ابن حزم، ص158-160
***
الشركة على قسمين: شركة اختيار، وشركة إجبار؛ فأما شركة الاختيار فعلى ثلاثة أقسام: شركة أبدان، وشركة وجوه، وشركة أموال.
وأما شركة الأبدان فحكمها الجواز اتفاقا بشروط ثلاثة:
الأول: أن يتحدا في العمل، فلو اشترك خياط وحداد ونحوهما من مختلفي الصنعة لم يجز؛ لما في ذلك من الغرر، بخلاف ما لو اتحدا في الصنعة فإنه يجوز، ويلحق بهذا ما إذا كان العمل متلازما كما إذا كان أحدهما يجهز الغزل للنسيج والآخر ينسج، أو يهيئ القمح للطحن والآخر يطحن، وكذلك الدقيق مع الخبز والطين مع البناء.
الثاني: أن يأخذ كل بمقدار عمله، فلو كان عمل أحدهما أكثر أو أجود، وأخذ الآخر النصف- لم يجز.
الثالث: أن يحصل لهما التعاون والرفق بالاشتراك، فإن لم يحصل لهما ذلك لم يجز.
وأما شركة الوجوه فاختلف في تفسيرها؛ فقال قوم: هي شركة الذمم، وهي أن يتفقا على الشراء في ذمتهما من مال لهما، ولا صنعة، والربح بينهما- فهي ممنوعة اتفاقا.
وقال قوم: شركة الوجوه هي بيع وجيه مال حامل يجز من ربحه، وهي أن يكسد عند شخص بضاعة؛ لعدم وجاهته وكثرة حموله، فيأتي إلى الوجيه، فيتفق معه على أن يبيعا له على أن يكون له جزء من ربحها وهي كالتي قبلها في المنع؛ لكونها إجارة مجهولة، وفيها تدليس على الغير.
وأما شركة الأموال فهي على ثلاثة أقسام: شركة مفاوضة، وشركة عنان، وشركة مضاربة وهي القراض.
فأما شركة المفاوضة فهي أن يجعل كل منهما لصاحبه أن يتصرف في البيع والشراء والكراء والاكتراء في الغيبة والحضور، وسميت مفاوضة؛ لأن كل واحد منهما فوض الأمر لصاحبه، ولصحتها شروط:
الأول: أن يكون المال الذي يعمل فيه ذهبا من الجانبين أو ورقا كذلك، أو ذهبا وورقا من جانب ومن الآخر كذلك، أو ذهبا من جانب وعرضا من الآخر، أو ورقا من جانب وعرضا من الآخر، أو عرضا من الجانبين سواء كان من جنس العرض الآخر أم لا- فلا يجوز أن يكون من جانب ذهبا ومن الآخر ورقا على المشهور؛ لأنه صرف وشركة وذلك ممنوع. أما صحة اجتماع الذهب والورق من كل منهما فبشرط استواء المقدارين والصنفين، وأما صحة الشركة بالعين من جانب والعرض من جانب فهو مذهب "المدونة "، وأما صحتها بالعرضين فأما في حالة الاتفاق فبالاتفاق، وأما في حالة الاختلاف فعلى المشهور.
الشرط الثاني: أن لا يكون رأس المال طعاما من الجانبين، فإن كان لم يجز؛ لأنه يلزم من الجواز بيع الطعام قبل قبضه؛ إذ كل باع نصف طعامه بنصف طعام الآخر.
الشرط الثالث: أن يكون الربح والخسران موزعا على قدر المالين، فلو أخرج أحدهما ألفا والآخر ألفين، والربح بينهما أثلاثا، فلو شرط النصف فسدت وفسخت قبل العمل. وإن عمل رجع صاحب الألفين بفاضل الربح، فيأخذ ثلثه، ويرجع الآخر عليه بفاضل عمله، فيأخذ سدس أجرة المجموع.
وأما شركة العنان بكسر العين وفتحها فمعناها أن كل واحد منها يشترط على صاحبه أن يستقل بالتصرف وحده، وهي العقود الجائزة كالمفاوضة.
وأما شركة الجبر فهي أن يشتري أحد تجار السوق شيئا مع حضور غيره منهم، فلمن أراد منهم الدخول معه أجبر له المشتري، وللجبر شروط، منها: أن يشتريها للتجارة، فلو اشتراها للقنية أو للسفر ونحوه لم يجبر. ومنها كون شرائها بالسوق، فلو كانت بالبيت لم يجبر، وهل الزقاق كالبيت فيختص به مشتريه وهو قول أصبغ، أو لا يختص كما لو ابتاعه في السوق وهو قول ابن حبيب؟ قولان.
ومنها أن يكون غيره من تجارها حاضر معه لم يتكلم، فلو غاب عن السوق يوم الشراء لم يكن له حق. وكذا لو كان حاضرا ولكن زائدة فيها فلا حق له، وكذا إن لم يكن من تجارها خلافا لعبد الملك. وهل يجبر من اشترى وهو مسافر مع رفقته بجبر رفقته كالسوق وتراعى فيه شروطه وهو قول ابن حبيب؟ أو يختص به؛ لأن الذي ورد إنما هو في السوق وهو لأصبغ؟ قولان. واتفق مالك وأصحابه على شركة الجبر، وبها قضى عمر رضي الله عنه. انتهى. والله أعلم.