لو تدرجنا هنا في أتساع المعنى وفق تقارب أو تباعد المفردات اللغوية , نجد هنا أن الشاعرة أعطت الى اللغة كل المساحات التي من خلالها أن تعبر عن مكنون ما بداخلها من عالم ضاج ومزدحم بعمق الحياة أي أن الشاعرة استطاعت أن تجذب الحياة من عمقها وظاهرها دون أن تفرق المعنى أو تبعده عن تتبع في اللغة ولكن هنا نتساءل أي لغة هذه التي استطاعت من خلال خلالها أن ترتيب المعنى الداخلي للغة مع مكنونها الذاتي المكون لمنطقة الوعي واللاوعي . حيث نجد بين أول مفردة (عمقا) وهنا أشارة الى العمق بأتساع استنهاض اللغة من الداخل لتكون الحافز الجوهري المعبر عن الحياة لأن مهما عبرنا عن ظواهر الحياة لا تزيدنا إلا تسطح المعنى لدينا ونبقى على طرف اللغة الموحية والمنساقة الى الدالة الموحية بكل ما هو بؤري والمقارب الى ما تريد أن ترسله الشاعرة الى المتلقي , فلو جمعنا هنا هذه الكلمات ( الحياة , الفضاء الضوء , الروح ., , الطهر , القمر , نجمة , الفجر , السماء , المطر , الجحيم) نجد أن كل هذه المفردات توحي بالعلو مع هذا أن الشاعرة أرادت أن تنظر الى هذه الأشياء برغم علوها هي عميقة في وجدودنا الإنساني حيث بدأت بالمفردة ( عميقا ) أي أن كل هذه الأشياء لها تثقلها الأرض مع أن هذه المفردات تمتلك الإشارة إليها وفي نفس الوقت تمتلك الحس الروحي بهذه الإشارة وهذا يدل عن أن الشاعرة قاربت الأرض والسماء بلغة صوفية منتجة للبؤرة الحقيقية للنص أي أن التدرج بالرؤيا الصوفية الملتصقة بالروح قبل الإشارة إليها , هذا يدل على أتساع ما تشعر الشاعرة عن المعنى الذي يجمع كل الحياة من خلال المعنى المعبر عنها , وهنا تجعلنا الشاعرة بأن اللغة المعبرة لديها هي مفردات لا تخرج عن نطاق التشظي الروحي الصوفي في لحظات الانتماء الى الذات أي أن الإنسان يمتلك كل هذا الكون الملامس لروحه ومن الداخل وما هذا إلا أحياء بعلو قيمة الإنسان وأتساع قيمته في الكون, وعندما يعمق المعنى وما يزيد الدلالة أشعاع اللغة ضمن مفرداتها الحية , حيث نشعر أن التجسير بين معاني اللغة يمتد بامتداد التوتر الذي يحافظ على صياغة الصورة الشعرية المتحركة والمشحونة بطاقة الصوت اللساني داخل المفردة وتكون هذه الطاقة التي تحرك الفعل الشعري من أجل البقاء ضمن نهج الصورة الشعرية المشعة والتي تعبر عن أقصى حالات القوة الصوتية الإيقاعية في لغة الشعر , فلو تتبعنا حالة الإيقاع المركز بالحافز الخفي للتصور الصوفي ومدى اقتراب هذا الإيقاع من الصورة الذهنية نجد أن النص يمتلك مقوماته الذاتية التي تحفزه بالاستمرار بتكوين الصورة المشعة ضمن بؤرة متحركة أي لا تصل الصورة داخل النص الى نهاية مغلقة بل تفتح عالم من الرؤيا لكي تقارب المعنى الأستعاري التي يشار له من خلال تقارب المفردات التي تحدد العلو في منهجية التركيب اللغوي وتوتره المستمر داخل النص . فنشعر بثقل أزمة الذات التي حاورت اللغة ومن مناطق التي تعطي المعنى بشكل المتوتر والاستمرار بهذه الإثارة او التوتر داخل النص فنجد ما بين أول كلمة(الحياة ) وأخر كلمة (الجحيم) تمتد حياة كاملة من الفضاء والروح والقمر أي هي لحظات تنوير للروح كي لا تغرق بعيدا عن ما تراه الشاعره ما يمثل الحياة الحقيقية التي تسعى إليها في احتضان الروح والفوز بها من أجل أن تكون منهجية التنوير الحقيقي أو تنوير الحياة , لو عدنا الى المفردات الأخرى نجد أنها تمثل الخط الأخر في ترتيب الحياة ( اللهب , المشانق , الماء , النور , أسجد , العسل , النهر , حنانا , واختبارا,شظايا, وهاجا ,الجحيم ,وسلاما , بردا وسلاما.) هنا البحث عن صنع الحياة بالطريقة التي تنتمي إليها ,وهذا يحدد قيمة التضحية من أجلها أو من أجل المحافظة عليها وهذا طبعا يتطلب التمسك الروحي بقدر ما يتطلب التضحية من أجل تحقيق الاختيار الذي يمثل الضفة التي تسعى الشاعرة إليها , فلا يتم هذا الاختيار المقارب الى الذات إلا إذا كانت هناك التضحية حتى لو أدى هذا الى المشانق , وهنا نجد هناك توازي في الوصول الى الاختيار بين اختيارات الحياة الخارجية وبين الاختيارات الجوهرية الداخلية من الروح والتي تمثل القناعة المتمسكة التي بنت عليها أزمة اختيارها فهي بقدر ما تسعى الى وجودية الحياة الخارجية في الحياة نجدها متمسكة بالقيم الروحية الى حد التضحية من أجلها وصولا الى المشانق , حيث هذا التمسك يهبها الماء.. القدرة على العطاء والنور الذي يعطها القدرة على الرؤيا لكل شيء حولها , فالشاعرة استطاعت أن تخلق نص في أسلوبية الإيحاء بين العالم الروحي والخارجي أي أن النص يستمر حتى النهاية لدى الشاعرة في خلق التأثير الإيحاء الداخلي للصورة الشعرية وفق أعطاء اللغة المحفزة على المقاربة في المعنى . وهذا الإيحاء الداخلي يعطي الى الأشياء الخارجية تنسيق الكامل بالإخضاع الى أو الانقياد الى العالم الداخلي الروحي , والذي يميز النص هو الصور المتعددة المعبرة عن الرؤيا الشعورية الروحية والمادية في الوجود بحيث تتجمع هذه الرؤيا في تلاقي الروحي مع الإشعاع في الظواهر الخارجية بأسلوبية المعنى الدالي , ولكبر الأزمة التي تعتمر داخل الروح وأتساع نطاقها داخل الوعي وعدم القدرة على التصالح مع الظاهر الخارجية بما يمثل من ابتعاد عن قناعة وفكر الشاعرة هنا تطلب الشاعرة (بردا وسلاما) لكي تهدأ وتعيد صياغتها من جديد لكي لا تفقد حالة التلامس الجوهري في رؤية الحياة بالشكل المتطابق مع جوهرها في القيم الحقيقية ,وهنا لو استندنا الى عنوان النص لوجدنا ما هو إلا صراع وأزمة مبين الذات الروحية المظاهر المادية الخارجية والشاعرة استطاعت أن تقنعنا بمنهجية فكريا الريؤي ضمن طاقة شعرية حققت من خلالها تقرب الرؤيا مع اللغة بشكل كبير أبعد النص عن الترهل والضيق في الوصول الى نهايته المراد أن توصلنا لها الشاعرة بأن الحياة أن خلت من ينابيع النور لا يمكن أن تعاش .. أي أن الشاعرة وظفت اللغة في اختيارات الروح وصراعها مع المد الظواهر الخارجية بشكل رائع وعميق .. استطاعت الشاعرة أن تجعل من النص نسق حواري داخلي مع اللغة بشكل كبير ومنهجي ...