خمياء الحقيقة والموت في نص عباس باني المالكي / الطيب لسلوس
الطيب لسلوس /الجزائر
في
الشاهد الأول
كان ينتظرُ
أحلام النهار..،
ألا يعلم أن
خفافيش الليل
باضت
في أسفار الأنبياء..،!
وصار الضوء
كرة محروقة
علقها نمرود
في رحلته إلى الأسرار..!!!
الحقيقة أن نص الشاعر الرائع عباس باني المالكي نص مدجج بخميائية تحول كلكلمة من تراب إلى كلمة من الذهب. واللوحات التي رسمها في شيء من الخوف وبالكثير منشجاعة المغامرة والجرأة، ومن المهم إذا أرادنا أن نفكك حياة النص الحية و شبكةالقول أن نزعم هنا أن كل شيء يعمل لصالح النص حتى التناقض نفسه وحتى الخطأ أو مايعتبره منطقا خطا أو النحو ليصبح محل تساؤل هل هذا خطأ أم عن قصد فالنص بتجاوز حوافالنحوية والبلاغية الكلاسية إذ تنفتح اللغة على كون خاص ومن ثم على نحو خاص، نحويقولها هي بالذات دون غيرها. دعنا نقول أن المالكي تجاوز مسألة البلاغة والصورةالإبداعية لقد أصبحت اللغة عجينة طرية من نوع آخر خادمة وبكل ما تملك من قدرةالتأقلم مع الكون الجديد الذي أقحمها فيه الشاعر وبينما أنت تعيد قراءة نص المالكيمرات ومرات يتكشف لك أن هناك خيطان رفيعان يشدان النص وهما سؤال الموت والحقيقية
وفي اللوحة الأولى يصور لنا المالكي الحقيقة التي ينتظرها هذا الواقف أبدا،الحقيقة التي لم تعد في يد الخير، الحقيقة التي صارت هاربة بين يدي لصوص ودجاليالمعنى المستغلين للحلم الإنساني وليس الآن ولا غدا سرقت الحقيقة بل من قديم منذ أنتلسط الجبروت على طيبة الأنبياء واستغل صفاءهم
(2)
حين يلامس الأعمى
المرآة..،
يتنفس عتمة الأعماق ،
يوقظ فيه البرد ،
يجتازه ظلام صقيل،!
تتشظى صورته !
كاسراً زجاج الروح
في مفاصله ..؟
يصرخ
لايسمعه
إلا الموتى
ولعل نبوية هذا الأعمى هي مصير كل تائه في سبيل وجدهفالبصيرة النافذة والمشرفة على معنى الوجود هي عمى على التكرار ، فالنظر برأيالمالكي إلى نفس الأشياء ومن نفس الزاوية هو محض عطالة لأن التنوع والاختلاف هوالقاعدة وليس التكرار لذا كان العمى على التكرار هو التزام بالرؤية النبوية فالنبيلا يكرر لأن ذلك محض شرح وحواشي لكن من هم الموتى هنا هل هم الواقفين على الحياةبعيون لا تطرف لشيء يتكرر هل هم من عرفوا كل؟ شيء؟ هل حوذيو عربة المعرفة الصامتينعلى الحياة؟ ربما هم كل هؤلاء هم وحدهم الذين يسمعون صراخ أعمى بنار ما يعرف وأعمىبسؤاله وقلقه.
3
التماثيل
الشاهد الأول
على أن السكون
أحدفصول الموت
وكما قلت من البداية أن قلق المالكي يشده خيطان هما الموتوالحقيقة ويتم تنويع اللوحات في كل مرة هاهي اللوحة الثالثة تأتي مفردة لحقيقة منحقائق الموت الذي يراه متبطنا صلب الحياة فالموت ليس فعل خارجي أو فعل يقوم بطردنامن الحياة والوعي بل الموت فعل يتبطن الحياة نفسها بل ويؤسسها من حيث هي حياة أيضا،فالتمثال شاهد على أن الموت يتبطن الحياة كما ينغرز موت التمثال في الفراغ شاهداعلى الحياة وليس فيها وشاهدا على الموت وليس فيها لوحة رائعة ترسم لنا أيقونة تشهدعلى الحياة وهي ميتة وتشهد على الموت وهي حية حيث يقول أن هذا التمثال هو دليل علىفصل من فصول تمازج الحياة والموت في فعل واحد
(4)
حين يشيخ..،
لايعرف غير
جسد..،
تتكسر عليه
الريح..،
حين يمر العمر
بلانوافذ..!
تستمر مساءلات المالكي معددة صور فعل الموت في الحياة وصور فعلالحياة في الموت غير أن الجسد هنا لم يعد جسد الإنسان أو حياته بل جسد الوجود الذييظل مغلقا من حيث أنه لا يجيب مهما اعتقدنا أنه حدثنا أو وشوش لنا فهو مثل جدار بلانوافذ تتكسر عليه كل أسئلة الريح لتعبره علها تخلص إلى أجابات ما لكن دون جدوى،فسيظل هذا الجسد مغلق على ريح المعرفة
(5)
المدن بلا أنبياء
العرافون رموا التاريخ
إلى القمامة..،
والإنسان
صار موزع بريد
في مدن الجحيم
وفي اللوحة الأخيرة والرائعة يتأسف المالكي على أن المدنبلا أنبياء يخففون من يأس لقحط البشري الذي لا يهتم بما يفعله الأنبياء وهم فاتحواجغرافيتنا المطلة على الإنساني والحميم هم فاتحوا البشري على السمو بالروح إلى نارباريها وينبه إلى كل ذلك أن العرافين هم سبب الخراب الإنساني هم من أهملوا أخوةالإنسان للإنسان وبنوة الإنسان للخير والجمال هم حيث لم يعد الإنسان مجرد موزع بريدعليه أن يوصل الرسائل دون أي تعاطف مع من يوصل لهم الرسائل وكيف وهم يسكنون جحيمعيشهم وجحيم رغباتهم الصغيرة.
المالكي وضع من البداية محاولة للإجابة علىالضياع في البشري والاني والعام ضياع الإشارة الآن في مطبات جعلت الإنسان رقماوجعلت منه مجرد آلة استهلاك تصنع لها الرغبة وتصنع لها القدرة على تحقيقها،والمالكي يتأسف كثيرا لأن العراف نجح في جعل البشر يلغون في حديث الأنبياء من بنيجلدهم هكذا يصف المالكي الإنسان الجريح إنسان المساء الوجودي المالكي الذي صور لناالشمس الغاربة للبشرية بتخليها عن السمو عنتفاهتها