وجع المنافي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ عمر مصلح
هل .. سؤال كوني ، يعلن عن محاولة للدخول إلى النص المعبر عن القهر المعاش .. ولكن بطريقة سريالية ، إذ ينثال بعدها الاستهلال الغرائبي بمفتتح النص كمبادرة اشتراطية للربط بين الأضداد مثل ( أمل .. نواح ، بوابة .. تربط ، نفق .. يقي ) ثم ينعطف مباشرة إلى نهايات غير مشروطة ومؤدية إلى معان متجاورة مثل ( منافي ، طرقات ، وعرة). إذاً هنالك ثمة طغيان للحس القصصي على النص ، وما عَرض المتضادات إلا لجر التلقي الحسي إلى المقصد. ولو تأملناه جيداً لوجدناه يشي بشخصية انطوائية تحاول الفتك بالمحددات ، والخروج عن الشرنقة .. وهذا تضاد آخر. فليس هنالك ثمة عقلنة بين الصراع البيني ، وتراكيبه الباعثة على خلق نتائج تواصلية .. غير الاستنجاد بالظلام ، كي يخفي وجه الوشاية ، للابتعاد عن الوجوه الزئبقية. لكننا نفاجأ ببقعة ضوء ، تزيح النقاب عن وجه ( هل ) .. وكأنها واقفة في محراب ملَّغم حين تعترف ( كم ارتكبنا من غوايات ) ، هذاما يُخيل لنا بدايةً ، لكنها تباغتنا بـ ( وكل يقبع في منفاه ) .. ودعونا نتوقف عند( يقبع ) هذه قليلاً .. لما لم تقل ( يمكث) مثلاً؟. إذاً هنالك تأكيد على التواري ، عن المشهد بقصدية. والحوار موصول باراسايكولوجياً بداية ، حتى يبلغ الشوق مداه ، من الضغط على الروح ، ويصير مهيمناً كلياً .. فيتحول إلى حوار مشفر ، وكلا الطرفين يعلمان بأنه أسلوب من أساليب خفض القلق . وما يؤكد زعمنا هذا ما آل إليه النص في أول مرحلة انتقالية .. بعد أن انتقل البوح إلى إعلان ظاهر ( أنا .. وأنت ) ( محض أغنية حزينة ) .. هنا تأكيد واضح على العلّة المعافاة التي تعمل بكامل طاقتها .. أي هنالك علاقة متكافئة غير متوازية .. لينثال البوح على أنهما أغنية حزينة ، بتأكيد أنها (هي ) الكلمة ، و ( هو ) اللحن ، والصوت رياح. وهذه لغة مخاتلة ، لاتريد الإفصاح بأكثرمما تبغي من توصيل خشيةً. ولو اكتفت بـ ( غير صدى) لحكمنا على ضرورة إنهاء النص إلا أنه أُردِف بـ (في ذاكرة السهاد) .. أي انه تصريح عن الآن الموجع الذي أكده الغياب. ( أيها القادم من أعماق جنوني ) .. صرخة لاواعية انتهكت حرمة التعتيم الذي هيمن على بنية النص منذ الاستهلال السريالي ووصولاً إلى نقطة يقين العلّة التي أشرنا إليها. ( هش فراشاتك ) وهنا لعب على حبل المعنى، كي يوهم ( هو ) برغبتها بابتعاده ، وبحقيقة المعنى العكس تماماً .. وإلا لماذا ( هش ) بالذات ؟. فالمرادفات للمعنى كثيرة .. أي ان المقصود بـ ( هش ) أَثـِر فراشاتاك وحركها أمام أسواري كتأكيد مبطن لـ (يتمنعن وهن راغبات ). ( لاترجم شياطين وجدي بجمرات أشواقك ).. ليشهد شاهد من أهلها لاشعورياً ، أي انها فلتة لسان ، ظاهراً ، وغاية مقصودة باطنا. لتتبعه اعترافات واضحة ، لا غبار عليها .. ( فأنا محض هشيم معبأ في جسد بارد ) .. وصولاً إلى ( وأمنياتي في طريقها إلى المثوى الأخير ) .. ( فأنا محض غد مصلوب على جدران أمل) حيث يُختَم البوح بتصريح لا تلميح .. بدلالة الـ ( غد ) والـ ( أمل ) اللذين أكدتا النزوع إلى رغبة التواصل التي بررت العنوان ( وجع المنافي ) .. حيث أسفر عن النوايا بدلال واضح.