(1)
إن التابعين ليسوا نمطا واحدا!
كيف؟
هناك تابع اضطرته أحداث ما إلى التبعية لكنه يأباها؛ لذا تكون إرادته هي التحرر من هذه التبعية؛ لذا نجده يبذل للفكاك وسائله؛ لذا لا تطول تبعيته؛ فسرعان ما تنتهي.
وهناك تابع وجد نفسه تابعا، ووجد أنه رابح على جماعته؛ لأنه التابع الأول؛ لذا فإرادته تكون هي البقاء على جماعته والإبقاء عليها تابعة؛ لذا يبذل لهذا الإبقاء أسبابه.
ومن يتأمل حال العرب أو حكام العرب يجدهم من النوع الثاني، ذلك النوع الذي استمرأ التبعية، ولم تبق فيه إرادة لمحاولة الفكاك وإنهاء التبعية.
ومَنْ هذه حاله نجد طموحه محصورا في متابعة ما يسمح به المتبوع، وإذا تأملنا حال العرب في التربية مع الغرب لن يخرج الأمر على ما ذُكِر.
كيف؟
إن النظريات الغربية في علوم التربية والعلوم المساعدة من علم نفس تعليمي وغيره تأتي من الغرب، ولم يملك أحد أن يتبنى مشروعا لإبراز نظرية إسلامية في التربية.
لماذا؟
لأن الفقه يكون لما هو قادم من الغرب، أما التاريخ الإسلامي وعلومه فهي مرغوب عنها.
وهذا مظهر أولي من مظاهر التبعية، فهل يكتفي الغرب به فقط؟
لا.
لماذا؟
لأن الاستمراء يقتضي المزيد؛ فهو كالإدمان الذي يدفعك دفعا إلى طلب المزيد والمزيد حتى ولو كان دمارا وهلاكا.
فماذا كان المزيد؟
إنه التربية الدولية!
(2)
ما التربية الدولية؟
يعرفها أديرسون وجيليوم – نقلا عن الدكتور أشرف عرندس، كلية التربية بجامعة المنوفية - بأنها التربية التي تهدف إلى تزويد الفرد بالمعرفة والمهارات والقيم والاتجاهات التي يحتاجها ليعيش حياة فعالة في عالم يمتلك مصادر طبيعية محدودة، ويتميز بسلالات بشرية متنوعة، ويعتمد بعضه على بعض اعتمادا متزايدا.
ماذا يعكس هذا التعريف؟
يعكس المشكلات – كما يتصورها الغرب- التي تتمثل في ندرة الموارد وكثرة المستهلكين؛ وهذا يعكر صفو السادة القابعين في الغرب الذين يستأثرون لأنفسهم بموارد العالم من دون أصحابها. وينعكس هذا التعريف على كل ما يتصل بالتربية الدولية.
كيف؟
إن فلسفة التربية العالمية هي أن العالم صار قرية واحدة كما اشتهر بيننا، وصار معلوما من كثرة الترداد.
وماذا يعني هذا؟
يعني أن هذه القرية تحتاج إلى نظام سياسي واحد ونظام اقتصادي واحد ونظام فكري ونفسي واحد، و ... إلى آخر ما يحتاج إليه الكيان الواحد. ولقد وُجدت صيغة النظام السياسي في الأمم المتحدة، ووُجدت الصيغة الاقتصادية في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير وغيرهما، ووُجدت الصيغة الفكرية التربوية في اليونسكو.
هذه فلسفة هذه التربية التي لا تعدو أن تكون آلة من آلات شتى لفرض الهيمنة الغربية، فما مجالاتها؟
مجالاتها تنحصر في الآتي: القيم الإنسانية، والأنظمة العالمية، والقضايا والمشكلات العالمية، والتاريخ الدولي.
فما موضوعات هذه المجالات؟
القيم الإنسانية تدور حول التسامح وملحقاته التي تعني قبول الآخرين من دون نقاش؛ فلا يحق للمسلم أن يرفض البوذية بل يجب عليه أن يهيئ لأصحابها معابد، والأنظمة العالمية هي النظام الاقتصادي والبيئي والسياسي والتكنولوجي، والمشكلات والقضايا هي نتيجة أفعال الغرب التي دمرت البيئة العالمية وتسببت في ثقب الأوزون وفي حربين عالميتين وغير ذلك مما لا يخفى على أحد مهتم، والتاريخ الدولي يجعلك تدرس تاريخ الآخرين ليس لتعرفهم وتتعامل معهم ككيان له حق الحياة والوجود بل لتعرفهم وتقبلهم فقط؛ لأن الوجود لا يكون إلا إذا رضي عنه الغرب.
ويقنعونك بكل ذلك بذكر مسوغات وجود ذلك النوع من التربية، فما هي المسوغات؟
إنها المشكلة السكانية العالمية، ولا يجعلونك تلتفت إلى أنهم يعانون من قلة الخصوبة التي تجعل حكوماتهم تدفع الشعب على الولادة بالمكافآت المالية والخدمية حتى لا تفهم أنهم يقصدونك أنت. وإنها الثورة التكنولوجية التي قربت بين أطراف العالم، ولا يجعلونك تفهم الأمر على أنه فتح أسواق لهم. والأمن والسلام، ولا يسمحون لك بأن تسأل: وَمَنْ سادة الحرب وصناع السلاح وإحداث الفتن والقلاقل في العالم؟ ألستم أنتم أيها الغرب؟
(3)
إنهم يصنعون المشكلات، ويوقعونك فيها، ثم يلوحون بالحل من عندهم ولا سبيل قبالتك إلا أن تقبل.
لماذا؟
لأنك لم تختر البناء الذاتي الذي يقويك، إنما اخترت التبعية السهلة التي تطلب معظمها ويعطونك هم الجزء الباقي.
كيف يعطونك الجزء الباقي في التربية الدولية؟
أورد جيليوم – نقلا عن الدكتور أشرف عرندس، كلية التربية بجامعة المنوفية - أساليب تضمين المناهج المحلية التربية الدولية التي تتلخص في الآتي:
- إضافة الموضوعات الدولية إلى المناهج دون إحداث أي تغيير في خطة المنهج، وهذا يمثل المدخل التدريسي غير المباشر.
- إضافة وحدات دراسية أو مواد مستقلة عن التربية العالمية، وهذا يمثل المدخل التدريسي المباشر.
- المدخل التطبيقي بتطبيق الأهداف والمفاهيم والمبادئ الخاصة بالتربية العالمية.
- تهيئة المعلمين حتى يكونوا نموذجا في تقديم التصور العالمي إلى المناهج من خلال اجتهاده في نقل مفاهيمها، والمعلم هنا يخص معلم الجامعة ومن دونه.
(4)
فهل نستعيد إحساسنا بتفردنا، ومن ثم نبدأ رحلة البحث عن الخصوصية الإسلامية في كل مناحي الحياة التي منها التنظير للتربية؟!