قراءة في نص (جدب وعدك) للكاتبة بارقة ابو الشون/ جوتيار تمر

قراءة في نص (جدب وعدك) للشاعرة المميزة بارقة ابو الشون/ جوتيار تمر

النص

جدب وعدك
بارقة ابو الشون

حينما تخلو الدروب منك
اظل ابحث عن خطاك
علني التمس قبسة حرف
من اطراف بقاياك
ابحث عن نشيدا لدولتي
حين تنقشع ضباب اشرعتي
الراسية قرب موانئك البعيدة
تشهر سيف مودتك بخاصرتي
ينتحب جرحي
...
وطني لاتغلق كل ستائر حلمي خجلا
شاءت اقداري ان تجمعني بك هماً
شاءت اقدارك ان تعرفني الماً
ان تعرف كل المدن الراسية وتنكر ارضي
جدب وعدك
جدب
اهفو الى دربك
تاخذ ك الطرقات وترحل
كل صراخ الغيب تدق على اكمامي
جدب انت
جدب وانا بادية الصحراء
حلم آذاري تمر ببابي
تغرس فيّ الكلمات
نثار الصفحات
وتندى عيناي صليل قيودي
يأخذني الصبح الى قافية الطوفان
وفزاعة سطوري الملقاة
_____________

القراءة : جوتيار تمر
جدب وعدك
نتأمل الجدب في العنوان الذي يشي بالاتي بصورة عفوية تامة، حيث لن يستسيغ المتلقي حكماً اقسى من الجدب نفسه على الصورة التي يمكن ان تعبر عنها الكلمة، فالجدب نقيض الخصب، وفي نفس الوقت يحمل دلالة الذم ، كما انه يعبر عن القلة من الشيء، وهي في كل تصنيفاتها تحمل معاني قاسية، وهذا ما يمكن ان يتجلى بشكل واضح في الامر الذي الزم الجدب والزمت الشاعرة على ارفاقه به، وكأن لسان حال الشاعرة هنا يقول معاتباً الاخر بسبب خلو وعده من ما يناقض الجدب بكل معانيه.
حينما تخلو الدروب منك
اظل ابحث عن خطاك
علني التمس قبسة حرف
من اطراف بقاياك
ظرفية قائمة نسبت لزمنية رامزة، لكنها تعبر عن استمرارية الفعل دون وضع قفلة زمنية او مكانية محددة، وكأن في كل اخلاء للدروب تبدأ رحلة البحث، ويبقى الامل قائماً، وهذا بلاشك يحسب للذات الشاعرة انها بعد مخاض الجدب في العنوان لاتقع في اليأس المطلق الذي يمكن ان يعيق استمرارية الفعل الباحث. ويبقى هنا ان نشير الى قيمة الفعل ومدلوله ضم سياق شعري بحيث يثير تساؤلاً محقاً، سواء على المستوى الذاتي ام الذات الاخرى، خاصة ان الاخر لم يحدد ملامحه بشكل مطلق.
ابحث عن نشيدا لدولتي
حين تنقشع ضباب اشرعتي
الراسية قرب موانئك البعيدة
تشهر سيف مودتك بخاصرتي
ينتحب جرحي
استلاب يعمق الدلالة في الذات الشاعرة، بحيث يجبرها على التشظي، وتؤكد لنا في الوقت نفسه هذا الحضور المكثف للذات الشاعرة في النص، لكنه حضور مرهون بامور تتسع دائرياً وضمن سياق شعري شفيف، استحضار (دولتي) هنا ينقل النص الى مساحة اوسع مما كان يشغله في البدء، لكنه يرسم ملامح الاخر من خلال هذه المساحة بحيث لاتحمل المدلولة نفساً واحداً للاخر فحسب، انما انفاساً تترصد الحالة، ولعل استعانة الشاعرة بمدلولات( ضباب- موانئ- سيف- ينتحب..)، جعلها تعمل على ابقاء هذه المساحة قائمة لضرورة تراها بأن تنسجم مع عمق الجرح الذي يتركه الجدب من ناحية، وانتظارية بسبب البعد من جهة اخرى.
وطني لاتغلق كل ستائر حلمي خجلا
شاءت اقداري ان تجمعني بك هماً
شاءت اقدارك ان تعرفني الماً
ان تعرف كل المدن الراسية وتنكر ارضي
يتجلى قيمة الاستلاب في هذا المقطع بحيث نجد الشاعرة تستنجد بمكنونات النفس من اجل استجلاء الوقت والحال معاً، وفي هذا النداء الخفي المليء بالشجن نستشعر بما وصلت اليه نفسية الشاعرة( وطني لاتغلق.....) هذه ال(لا) تحمل معاني كثيرة اعمق من كونها تصنف نحوياً بنهي عن فعل قائم، لذلك نجدها تجبرنا عل تقمص منطق معد مسبقاً ولعل الامر هذا احالنا بالتالي الى ان نستمر ضمن سياق مموسق للنص، بحيث نبقى ضمن دائرة الذات الشاعرة التي التحمت كلياً بالكلمة هنا، فوصفت لنا الحال بدلالة عكسية تبيح للمتخيل ان يخطط بيانياً لمدى الالتحام الحاصل بين الشاعرة والكلمة من جهة وبينهما وبين الانتماء/ الوطن، من جهة اخرى، وجمال الشعر يكمن دائما في اللعب على التضادات، وهذا ما يبرز هنا بشكل جلي وممتع رغم وجيعة المعنى.
جدب وعدك
جدب
اهفو الى دربك
تاخذ ك الطرقات وترحل
كل صراخ الغيب تدق على اكمامي
وفق تدرج دلالي لفظي وصوري بارع تبقي الذات الشاعرة على سعة دائرة الانتماء لتشكل ابعاداً ذاتية اخرى وتضيفها الى الجسد الشعري لتصور لنا هذا المزج الصوفي الروحاني بين الجسدين وبقاء الجسد الثالث محملاً بما سيؤول اليه نتائج السعي الفعل الجواني، والرحيل الحتمية المخلفة ورائها هذا الدق الموجع.
جدب انت
جدب وانا بادية الصحراء
حلم آذاري تمر ببابي
تغرس فيّ الكلمات
نثار الصفحات
وتندى عيناي صليل قيودي
يأخذني الصبح الى قافية الطوفان
وفزاعة سطوري الملقاة
ازاح هذا المقطع الكثير عن كاهل الشاعرة، سواء على المستوى الجواني، ام البراني، وهذا جعلها تستعين بالجدب بشكل مكثف بدلالاته واشاراته، وبقوة وجمال صادم، حيث يمتزج هنا الحسي الوجداني بالـتأملي وفق لغة مخاتلة وطرية في آن معا فينمو النص بانسياب هام معتمداً على آلية التكرار التي هي آلية اشتغال منفعلة وفاعلة كي تحقق غايتها التفاعلية في التوصيل الشعري، ولعل الحلم الآذاري له هنا صهوته في تغيير مسار الحلم نفسه ومسار الجدب الحاصل، فآذارنا خصب، ولقد استطاعت الشاعرة في قفلتها الموضوعية للقصيدة ان تبقي ابواب التخييل مفتوحة على مصراعيها، كي تلزم المتلقي عل امرين: اما العودة الى النص، او البقاء ضمن دائرته.
...

هنيئا لك بارقةأبو الشون بهذه القراءة المتمكّنة التي وفّقت فيها القديرة جوتيار تمر في تملّي عمق النّص
فقد وقفت فيها عند مدلول اللّفظ وفكّت رموزه كاشفة عن مكامن الجمال والإبداع فيه....
والنّص في حدّ ذاته يوفّر لمتلقيه جماليّة التّقبّل بما يسمح بتشفيره وفتح مغالقه ...
فهنيئا لك وشكرا للقارئة المتمكّنة في هذا العمل الأدبي الذي يستند الى دراية بمكانيزمات القراءة الادبية ومناهجها

جوتيار تمر صديق
من مواليد العمادية التابعة لمحافظة دهوك/ كردستان العراق
ولدفي 14-7-1972
-حاصل على دبلوم في اللغة العربية والعلوم الاجتماعية من معهد اعداد المعلمين.
- بكالريوس تاريخ/ كلية الاداب – جامعة دهوك
-ماجسيتر تاريخ العصور الوسطى/ كلية الاداب – جامعة دهوك.
كتب ونشر العديد من المقالات والنصوص الادبية من قصة وشعر ونقد في الصحف والمجالات المحلية اذكر بعضها:
1-النصوص باللغة العربية:
-مجلة الف باء العراقية.
- مجلة كولان العربي.
– مجلة به يفين ( الكلمات).
- مجلة نجم بيث نهرين.
- مجلة نيسان.
2- النصوص باللغة الكردية:
- مجلة متين.
-مجلة جريسك ( الشرارة).
3-الجرائد باللغة العربية:
- جريدة الاهالي.
- جريدة التآخي.
- جريدة الاتحاد.
- جريدة نيشتمان ( الشعب).
- المحلق العربي لجريدة الاتحاد الاسلامي.
- جريدة وه لات ( الوطن).
- جريدة داهينان ( الابداع).
- جريدة ئائنده ( المستقبل).
- جريدة الحقيقة.
- جريدة المنارة.
- جريدة طريق الشعب.

4-الجرائد باللغة الكردية:
- جريدة جاودير ( الرقيب).
-جريدة وار.

5-مساهم بشكل مكثف في المواقع والمنتديات على شبكة الانترنيت.
6- اصدرديواناً شعرياً مشتركاً بعنوان ( دم ميديا سقف قرطاج) مع الشاعرة التونسية الر ائعة ضحى بوترعة.
للتواصل مع الشاعر والكاتب جوتيار تمر
ايميل الشاعر جوتيار تمر— كوردستان – دهوك
jutyar_13***********

قراءة راقية لنص جميل
تحياتي للأعزاء
بارقة وجوتيار
وشكراً للغالية بارقة لنقلها القراءة
وتمنياتي لكما بالتوفيق والتقدم الدائم