عريف ستار
قصة قصيرة
انا عريف ستار والجندي المكلف محمد فارس كنا في موضع واحد , عيوننا شاخصة نحو الافق , تراقب حركة العدو وتتحسب لها , ظننا انه لن يعيد الكرة مرة اخرى بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها في هذا القاطع ,لكن المعلومات الاستخباراتية تؤكد انه يحاول تجميع قواته لهجوم اخر ,وربما قاطعنا المرشح الاول لهجومه , يقع خلف قواتنا طريق مهم يربط محافظتين مع بعضهما ومن المؤكد ان يكون من اهدافه السيطرة عليه ,لإرباك امدادتنا اللوجستية , الوصول اليه سيؤدي الى استسلام فيلق كامل من وحدات الجيش اضافة الى الوحدات الشعبية المرابطة هناك والتي لم يكن مستوى تدريبها جيدا ,ولا تستطيع الصمود امام الزخم البشري الذي يستخدمه في هجماته , وهو التكتيك الوحيد الذي كرره في السابق ,لم اخفِ على محمد فارس مخاوفي فانا أقّدم منه في التجنيد وأعلى رتبة , وتربطني به رابطة المدينة الواحدة واللهجة الواحدة , انه يحب الشعر باللهجة الدارجة وخاصة الابوذية , ما انفك ساعة ألا أطْرق على مسامعي بيتا او بيتين منها وفي بعض الاحيان يجعل عيوني تنهمر دمعا حارا كحرارة الجبهة التي نحن فيها , اوصيته ان يحمل جنازتي الى اهلي في حالة مقتلي وهو ايضا اوصاني بذلك وأضاف ان احتفظ ببطاقة التعريف المعدنية المعلقة في جيده , ابتدأ القصف الشديد بالأسلحة الثقيلة كافة , بحيث لم تترك تلك القنابر الساقطة شبرا من الارض إلا تركت بصماتها فيه , ردت قواتنا بالمثل لمجابهة احتمال الهجوم لم يسمع احدنا الاخر فأصوات القصف صار كالقرع المتناوب على دمام ضخم , اعطاني محمد فارس بطاقته التعريفية وأعطيته بطاقتي التعريفية وقال لي ها هي بدأت ملائكة الله الموكلة بقطف الارواح اعمالها , علا غبار المعركة في الفضاء واختلط بذرات الدخان ألرمادي , وتبعثر الجنود للبحث عن متاريس اكثر حصانة لتحميهم من الشظايا المتطايرة , وما هي الا دقائق معدودة , علت صيحات التكبير وتداخلت مع بعضها ويبدو اننا لكل منا رب اسمه الله وكل منا يصفه بالإله الاكبر , لم ارى محمد فارس بعدها , فالقتال امسى بالأسلحة البيضاء والالتفات الى الوراء يوقعك بالمحظور ,استطاع العدو من خرق الاجنحة والالتفاف حولنا وأمسينا بين نارين , بعد ان هدأت الجولة الاولى من الاقتتال , اتصل قائدنا الميداني المتمرس في فنون قتال المشاة بالقائد الميداني الاعلى الذي يقود قوات الاحتياط , فقد خاض قائدنا معارك عديدة وحصل على اكثر من تكريم من قبل القيادة ووصل بتدرج الرتب العسكرية الى رتبة عقيد , عارضا عليه خطة مرمزة للهجوم المقابل لمواجهة جنود العدو التي تغلغلت في العمق وان يكون من جهتين , الجهة التي نحن فيها , والجهة المقابلة لنا , على ان تقوم المدفعية بتغطية ظهورنا بنيرانها , تم تحديد ساعة الصفر في الساعة الف ومائتين , كان وقت صلاة الظهر قد حان وبدأنا الصولة استطعنا من تحقيق تقدم كبير في هجومنا ,حطمنا خلاله معنويات جنود العدو وجعلناه يدفع ثمنا باهضا , واستسلم من تبقى منه لقواتنا , لكننا نحن ايضا دفعنا خسائر كبيرة نتيجة تطبيق الخطة هذه فالنار الصديقة كانت اكثر تأثيرا من نار العدو , لكننا بالنتيجة حققنا اندحار جيش العدو ومنعنا اندفاعه اكثر في العمق والسيطرة على الطريق العام ..
مرت عشرة ايام ونحن في حالة استعداد بين الجثث المتناثرة على طول خط النار والتي اخذت تتعفن وتتضخم بطونها , كنت ابحث خلالها عن محمد فارس فلم اجده , تم تجميع قواتنا من جديد والبدا بإحصاء الخسائر وإخلاء القتلى والمصابين .
في الليل وردتنا رسالة سرية بإخلاء المكان لقوات اخرى والانسحاب الى الخطوط الخلفية لإعادة هيكلة الوحدات وتعزيز قدراتها بالمشاة والمعدات وبقينا على هذا الحال عشرة ايام اخرى , مضى فيها على وجودي في الوحدة وبعيدا عن اهلي اكثر من خمسين يوما , في الصباح اشرقت الشمس وجاءت بالتباشير مع خيوطها , فقد اطلقوا الاجازات الدورية , اخذت اعيد شريط ذكرياتي مع محمد فارس وقصصه الجنوبية الممزوجة برائحة الاهوار وعبق ازهار القصب كان نموذج اجازتي مع النماذج التي وردت مع الخيوط الاولى لوحدتي امسكت النموذج بأصابعي العشر وهرولت باتجاه سيارة المجازين ,التي تقلنا الى كراج المدينة , وصلت داري منهكا وجدت سردقا منصوبا امامه كان ظني ان احد افراد عائلتي قد توفي سئلت احد المارة عن صاحب السردق قال لي : ستار قد استشهد , جاءوا بأشلائه في كيس من البلاستك ...