هذا أيضًا مما يخاطب الله تعالى به عبده ورسوله عيسى ابن مريم، عليه السلام، قائلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله: ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ؟ وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رؤوس الأشهاد. هكذا قاله قتادة وغيره، واستدل قتادة على ذلك بقوله تعالى: ( هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) وقال السُّدِّي: هذا الخطاب والجواب في الدنيا. والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر، والله أعلم: أن ذلك كائن يوم القيامة، ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة.
وقوله: ( سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ) هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل، وقوله: ( إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ) أي: إن كان صَدَرَ مني هذا فقد علمته يا رب، فإنه لا يخفى عليك شيء مما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته؛ ولهذا قال: ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ) بإبلاغه ( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ) أي: ما دعوتهم إلا إلى الذي أرسلتني به وأمرتني بإبلاغه: ( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ) أي: هذا هو الذي قلت لهم.
وقوله: ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ) أي: كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم، ( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ).