وُلدت في الإسكندرية يوم (19 جمادى الأولى 1280هـ=1 ديسمبر 1863م) لأب تركي وأم مصرية من صعيد مصر، وكان والدي "محمد بك أمين" قبل مجيئه إلى مصر واستقراره بها واليا على إقليم "كردستان".
وفي إحدى زيارات محمد بك أمين للأستانة ثارت "كردستان" ضد الدولة العثمانية وأعلنت استقلالها. فعوضته الدولة عن إمارته التي ثارت بإقطاعات في إقليم "البحيرة" بمصر. وحين أتى مصر قرر الإقامة بها، وتزوج من إحدى بناتها، والتحق بالجيش المصري على عهد الخديوي إسماعيل.
وتلقيت تعليمي الابتدائي في مدرسة "رأس التين" التي كانت تضم أبناء الطبقة الأرستقراطية، ثم انتقلت مع أسرتي إلى القاهرة، وسكنت في حي "الحلمية" الأرستقراطي، وحصلت على التجهيزية (الثانوية العامة)، ثم التحقت بمدرسة الحقوق والإدارة، ومنها حصلت على "الليسانس" سنة (1299هـ = 1881م) وكنت أول متخرجيها.
وقد اقتربت في تلك الفترة من حلقة الشيخ "جمال الدين الأفغاني" ومدرسته الفكرية التي ازدهرت بمصر في ذلك التاريخ.
عملت بعد تخرجي فترة قصيرة بالمحاماة، ثم سافرت في بعثة دراسية إلى فرنسا، وهناك انتظمت في جامعة "مونبلييه"، وبعد دراسة استمرت أربع سنوات أنهيت دراستي القانونية بتفوق سنة (1303هـ=1885م).
أثناء دراستي بفرنسا جددت صلاتي مع الشيخ "جمال الدين الأفغاني"، ومدرسته، حيث كنت "المترجم" الخاص للإمام "محمد عبده" في باريس.
وفي فرنسا قرأت لكبار مفكري أوربا مثل "نيتشه" و"داروين" و"ماركس"، وحاولت الاقتراب من المجتمع الفرنسي، وإقامة الصلات الوثيقة مع نمط حياة الفرنسيين الاجتماعي، غير أن طبيعتي الشرقية الخجولة، والانعزالية التي ميزت شخصيتي لم تمكناني من الذهاب بعيدًا في هذا المضمار. كما عرفت في تلك الفترة الحب والصداقة مع "سلافا" الفرنسية التي زاملتني في الجامعة، لكن هذه الصداقة وذلك الحب ظلا "رومانسيين".
في سلك القضاء
في صيف (1302هـ=1885م) عدت إلى القاهرة، وعينت بالقضاء في النيابة المختلطة، وكنت حينها في الثانية والعشرين من عمري.
تدرجت في سلك القضاء، حيث رأست نيابة محافظة "بني سويف"، ثم رأست نيابة "طنطا" عام (1309هـ=1891م)، وهناك واجهتني حادثة مهمة حيث وقع "عبد الله النديم" (1259هـ=1843م – 1314هـ = 1896م) أبرز زعماء "الثورة العرابية" وأصلب قادتها في قبضة البوليس، وذلك بعد اختفاء أسطوري دام تسع سنوات، وجيء به لرئيس النيابة (أنا) فأكرمت لقاءه وأعطيته مالاً من عندي، وهيأت له في محبسه أقصى ما يمكن من ظروف الرعاية والراحة، ثم قررت أن أقوم بالسعي لدى المسؤولين في العاصمة كي يفرجوا عنه ويطلقوا سراحه. وكررت نفس الصنيع مع الطلبة المقبوض عليهم في التظاهرات، بل كنت أخفي بعضهم حتى أستصدر له العفو من السلطات.
وفي (ذو القعدة 1309هـ=يونيو 1892م) عُينت نائب قاضٍ في محكمة الاستئناف، ثم رُقيت بعد عامين إلى منصب مستشار، وكنت حينئذٍ في الحادية والثلاثين من عمري. ولقد عُرفت عني طوال مدة عملي في القضاء دعوتي لجعل القضاء المصري والمحاكم الأهلية الوطنية جهة التقاضي والمحاكمة بالنسبة للأجانب الذين يعيشون في مصر، باستثناء أحوالهم الشخصية.
الجدل حول طروحاتي وأفكاري
لا زلت أعَدُّ أحد مواطن الجدل الفكري وبؤر الشد والجذب والصراع بين مختلف تيارات الفكر على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي، بالرغم من مضي زمن طويل على بدء إسهامي في الحياة الفكرية لأمتنا. فهناك فريق يتعصب لفكري ، فأنا في نظرهم الرائد الذي قاد الحركة الفكرية والاجتماعية لـ"تحرير المرأة" نصف المجتمع، فأخرجها من ظلمات العصور المظلمة إلى نور الحداثة والانفتاح.
في حين يرى فريق آخر أنني فتحت نافذة "التغريب" الأوروبي، بما تعنيه من مجافاة روح حضارتنا وتقاليدنا، فأورثت بفعلتي المنازل والحياة الزوجية والناشئة كل أمراض الحضارة الغربية التي يئن ويشكو منها أصحابها.
وهكذا اختلف الفريقان، وما يزالان، حول طبيعة وأثر الإسهام الفكري لي. بينما أعتقد أن هذا "الاستقطاب الحاد" في تقويم المفكرين وأفكارهم لون من ألوان "العقلية القبلية" يجب أن تتبرأ منه حياتنا الفكرية والاجتماعية، حيث إنه ثمرة من ثمرات "النظرة أحادية الجانب" التي يفتقد أصحابها "شمولية النظر"، والمنهج "الوسطي- المعتدل" في تقويم الفكر، ونقد آثار المفكرين.
ليست رائداً في مجال تحرير المرأة
لم أكن أول من نادى ودعا إلى "تحرير المرأة"، بالرغم من شهرة هذه الدعوة ونسبتها إلي ، فقد سبقني بها وإليها "أحمد فارس الشدياق" (1219هـ=1804م – 1306هـ= 1888م) في صحيفة "الجوائب" أي قبل أن أولد . كما أن بعض ما ناديت به مثل تقريب الفروق بين حق المرأة وحق الرجل في التعليم مبثوث في مداولات "لجنة تنظيم التعليم" التي كان "رفاعة الطهطاوي" (1216هـ = 1801م – 1290هـ= 1873م) عضوًا بها.
لكن تبقى لي في هذا الميدان ميزة انفردت بها؛ فكل من عداي كان حديثهم عن "تحرير المرأة" والنهوض بها أمرًا من أمور كثيرة تناولوها فيما أبدعوه من أفكار وآثار، أما أنا فقد وهبت كل جهودي وجميع آثاري -تقريبًا- لهذه الدعوة، حتى صرت علمًا عليها ورمزًا لها، فإذا لم تكن لي ريادة السبق، فإن لي الريادة في تكريس كل جهدي الفكري لهذه القضية قبل غيرها من قضايا الإصلاح.
ولم تكن القيود التي سعيت إلى "تحرير" المرأة منها "قيودًا إسلامية"، كما لم تكن الآفاق والحدود التي سعيت لتبلغها المرأة العربية والمسلمة هي بحذافيرها الآفاق والحدود التي رسمتها الحياة الغربية للمرأة والتي يشكو منها الإسلاميون المستنيرون، فضلاً عن الغربيين المنصفين. لقد كانت الروح الشرقية والآفاق الإسلامية ماثلة في ذهني أثناء دعوتي، ولم أكن أهدف من دعوتي إلى تغريب المرأة العربية بقدر ما كنت أنشد "تحريرها" من قيود لم تكن أبداً من صنع الإسلام وإنما من نسج عادات بالية متوارثة.
نشاطات وكتب
امتد نشاطي خارج العمل القضائي:
- فكتبت في صحيفة "المؤيد" عددًا من المقالات دون توقيع،
- وأصدرت كتابي "المصريون" بالفرنسية سنة (1312هـ=1894م) ، رددت فيه على هجوم الدوق الفرنسي "داركور" على مصر والمصريين،
- كما أصدرت كتابي "تحرير المرأة" سنة (1317هـ=1899م)،
- وأصدرت كتابي "المرأة الجديدة" سنة (1318هـ=1900م)،
- وشاركت في نشاط "الجمعية الخيرية الإسلامية".
- وفي (رمضان 1324هـ = أكتوبر 1906م) توليت سكرتارية الاجتماع الذي عُقد بمنزل "سعد زغلول" والذي صدر عنه البيان الشهير الموجه للأمة يدعوها للإسهام في إنشاء الجامعة الأهلية المصرية (جامعة القاهرة)،
- ثم توليت رئاسة اللجنة بعدما عُين "سعد زغلول" وزيرًا للمعارف.
- وكان آخر أعمالي العامة الخطاب الذي ألقيته بالمنوفية عن الجامعة والتعليم الجامعي المرجو لمصر والمصريين. ثم فارقت الحياة بعدها بأسبوع في يوم (13 ربيع أول 1326هـ = 15 إبريل 1908م) عن عمر 45 عاماً.
ساعتان لزوجتي
كانت حياتي الأسرية متسقة مع مزاجي الهادئ، وروحي الفنانة، وإحساسي الرقيق، فقد تزوجت سنة (1312هـ = 1884م) من ابنة أمير البحر التركي "أمين توفيق"، وكنت أخص زوجتي بساعتين من وقتي يوميًا وبشكل منتظم، وكنت أقضي في مكتبتي ثلاث ساعات يوميًّا، وأنجبت بنتين هما "زينب" التي أحضرت لها مربية فرنسية، و"جلسن" وأحضرت لها مربية إنجليزية.
بين "المصريون" و"تحرير المرأة".
شكل الزي النسائي سنة 1899م
عندما أصدرت كتاب "تحرير المرأة" سنة (1317هـ = 1899م) أحدث ضجة كبرى في المجتمع المصري والمجتمعات الشرقية..حيث كان لباس المرأة آنذاك يخفي شخصيتها تماماً مما يعد انتقاصاً لها ، ومن أهم القضايا التي أثارت الجدل أكثر من غيرها في هذا الكتاب:
1. ما أثرته عن الحجاب الذي كان يسود عالم المرأة في تلك الفترة.
2. ما دعوت إليه من ضرورة تقييد الحق المطلق الممنوح للرجل في الطلاق.
3. نقد نظام تعدد الزوجات والدعوة إلى ضبطه وتقييده.
ومن الجدير بالذكر أن كتابي "المصريون" الذي كتبته بالفرنسية والذي صدر قبل كتابي "تحرير المرأة" بخمس سنوات، يرد ويفند آرائي في "تحرير المرأة"، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الثلاث التي أثارت الجدل ؛ ومن ثم فإننا عندما نقرأ "المصريون" يُخيل إلينا أن الذين يتحدثون ويبرهنون ويجادلون هم خصومي في كتاب "تحرير المرأة"!!