وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوف ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
اسباب النزول - أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي
قوله تعالى: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ } الآية.
أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر [بن] الغازي، أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ، أخبرني أحمد بن محمد بن الحسين، حدَّثنا أحمد بن حفص بن عبد الله، حدَّثنا أبي، حدَّثنا إبراهيم بن طهمان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل: { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ} الآية.
قال:حدَّثني مَعْقِل بن يَسَار أنها نزلت فيه.
قال: كنتُ زوَّجت أختاً لي من رجل، فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوّجتك وأَفْرَشْتُك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليها أبداً.
قال: وكان رجلاً لا بأس به، فكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، فقلت: الآن أفْعَلُ يا رسول الله، فزوجتها إِياه. رواه البخاري عن أحمد بن حفص.
أخبرنا الحاكم أبو منصور محمد بن محمد المَنْصُوري، حدَّثنا علي بن عمر بن مهدي، حدَّثنا محمد بن عمرو [بن] البختري، حدَّثنا يحيى بن جعفر، حدَّثنا أبو عامر العُقَدِي، حدَّثنا عباد بن راشد، عن الحسن قال: حدَّثني مَعْقِل بن يَسَار قال:
كانت لي أخت فَخُطِبَت إِليَّ: وكنت أَمْنَعُها الناسَ، فأتاني ابن عم لي فخطبها فأنكحتها إياه، فاصطحبها ما شاء الله، ثم طلقها طلاقاً له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها، فخطبها مع الخُطَّاب، فقلت: مَنَعْتُها الناسَ وزوجتك إياها ثم طلقتها طلاقاً له رجعة، ثم تركتها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إليّ أتيتني تخطبها، لا أزوجك ابداً، فأنزل الله تعالى: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} الآية. فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه.
أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النَّصْرَاباذيّ حدَّثنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن مَاسِي البَزَّاز، حدَّثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري، حدَّثنا حَجَّاج بن مِنْهَال، حدَّثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن:
أن مَعْقِل بن يَسَار زوّج أخته من رجل من المسلمين، وكانت عنده ما كانت، فطلقها تطليقة ثم تركها ومضت العدة فكانت أحقّ بنفسها، فخطبها مع الخطاب فرضيتْ أن ترجع إليه، فخطبها إلى مَعْقِل بن يَسَار، فغضب معقل وقال: أكرمتك بها فطلقتها، لا والله لا ترجع إليك بعدها.
قال الحسن: علم الله حاجة الرجل إلى امرأته وحاجة المرأة إلى بعلها، فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ} إلى آخر الآية.
قال: فسمع ذلك مَعْقِل بن يسار فقال: سمعاً لربي وطاعة، فدعا زوجها فقال: أزوجك وأكرمك. فزوجها إياه.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الشاهد، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو الحِيرِي، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا عمرو بن حماد، حدَّثنا أسباط، عن السُّدِّي عن رجاله قال:
نزلت في جابر بن عبد الله الأنصاري، كانت له بنت عم فطلقها زوجها تطليقة، فانقضت عدتها ثم رجع يريد رجعتها فأبى جابر، وقال: طلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها [الثانية]؟ وكانت المرأة
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين فتنقضي عدتها ثم يبدو له أن يتزوجها وأن يراجعها وتريد المرأة ذلك فيمنعها أولياؤها من ذلك فنهى اللّه أن يمنعوها، والذي قاله ظاهر من الآية، وفيها دلالة على أن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها، وأنه لا بد في النكاح من ولي، وفي هذه المسألة نزاع بين العلماء محرر في موضعه من كتب الفروع،.
وقد روي أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار المزني وأُخته.
روى الترمذي عن معقل بن يسار أنه زوج أخته رجلاً من المسلمين على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت عدتها، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب، فقال له: يا لكع ابن لكع أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها، واللّه لا ترجع إليك أبداً آخر ما عليك، قال فعلم اللّه حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل اللّه: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } ، إلى قوله: { وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } ، فلما سمعها معقل قال: سمع لربي وطاعة ثم دعاه فقال: أزوجك وأكرمك[1]. وقوله تعالى: { ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } أي هذا الذي نهيناكم عنه من منع الولايا أن يتزوجن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف، يأتمر به ويتعظ به وينفعل له { مَنْ كَانَ مِنْكُمْ } أيها الناس { يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } أي يؤمن بشرع اللّه ويخاف وعيد اللّه وعذابه في الدار الآخرة وما فيها من الجزاء { ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ } أي اتبعاكم شرع اللّه في رد الموليات إلى أزواجهن، وترك الحَمِيَّة في ذلك { أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ } لقلوبكم { وَاللَّهُ يَعْلَمُ } أي من المصالح فيما يأمر به وينهى عنه { وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } أي الخيرة فيما تأتون ولا فيما تذرون تريد زوجها قد رضيت به، فنزلت فيهم الآية.
[1]رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة واللفظ للترمذي