ــــــ
أعيد نشر هذه القصيدة التي حان وقتها
الغيمةُ هيَ الحكايةُ
والنجمُ يبحثُ عن ضوئِهِ بينَ الزقاقِ
بينَ أجنحةِ الأشلاءِ
ورفرفةِ الخيولِ للصهيلِ
بينَ تخضِّبِ الشرفاتِ بالدماءِ
وداءِ الثعابينِ
النجمُ ينقصُه الضوءُ
كما ينقصُ الساسةَ الشرفُ
سليلُ الماءِ بيتي
والقامة ِالهيفاءِ
تفٌّ على ضمائرِهِم العرجاءِ
تفٌّ على جيوبِهم القحطِ
القلبُ يهزهُ النبضُ
وإنْ اهتزَّتْ الأشلاءُ طرباً للموتِ
سيجيءُ النهرُ
جوقةَ ماءٍ
ويعزفُ بحنجرة ِالسماءِ
منتصبينَ حينَ نقفُ
كلُّ المدى عيونٌ خضر
أشرعة ٌتفتحُ الجدرانُ لها أذرعاً
جثثُ الأمسِ مهودٌ
منْ يدري
ربَّما الفُ غدٍ
سيأكلُ أعناقاً فتيِّةَ العطاءِ
الأصابعُ التي ترسمُ بالطباشيرِ
لا تُمسكُ الممحاة َ
هيَ لا تعرفُ غيرَ الوطن ِ
كتبتْهُ على سبُّورةِ القلبِ
قبلَ أنْ يفجِّرُهَا المشوهونَ
حائطُ المدرسةِ بلا ممحاةٍ اليومَ
كُتبَ بالدمِ اسمَكَ يا عراقُ
ونضحَ العَرقُ أحمرَ الابتسامِ
وحينَ تجمَّدَ عَرقُ الشرفِ على جباهِ القتلةِ
نادى الصمتُ بأعلى صوتِهِ:
حيَّ على الفتى واحتضانِ الترابِ
حيَّ على السحابِ الماطرِ باسمِهِ
والرمالِ الحائرةِ بينَ الأضلعِ الممزقةِ
أيُّهُم تلملمُ وبأيِّهم تستجيرُ!
يا أوردة السلامِ
أزهرتْ الأرضُ بالقتلى
والخليفة ُيتخاصمُ على الغنائمِ
والعمَّةِ، والدولارِ.
النهرُ مُغتَصَبٌ
المهدُ أهوجُ
وأنا الضفةُ البكماءُ
الكلماتُ ترضعُ فمي
وفمي تقرَّحَ بالشعرِ
أبتلعُ كلَّ يومٍ وطني المعبأ بالسكاكينِ
وأتحشرجُ باسمِهِ الشوكَ
كيفَ أشربُكَ يا وطني الظمآنَ
لأبلعَ الظمأينِ؟
عليَّ أنْ أنحني ثلاثاً وعشراً
هيهاتَ أيتُها النصالُ
هيهاتَ لمثلي الانحناءُ
يلتفُّ حولي شعبي عشباً
كلَّمَا جعلني حقدُهُم عزلاءَ
صحيحٌ أنْ أصلَ الكرسيِّ شجرةٌ
لكنْ حينَ اقتـُلِـِعَ منهَا
صارَ جديراً بالحرقِ.
المهرُ غالٍ
والثعبانُ يلتهمُ القرى
المهرُ عصيٌّ
ومنَ الجدارِ إلى الجدارِ
لا أرى غيرَ الخنادقِ
والمتاجرِ والمدنِ المباعةِ
زلزلْ أيُّهَا الحزنُ أوتاركَ
ليسَ الوقتُ للأمنياتِ
زلزلْ أوتاركَ للحياةِ
ما زالَ يصهلُ ما تبَّقى منَ الوطنِ
ومقلة ُالحقولِ تنتظرُ اللقاءَ
باغتْ غُصَّةَ أمِّي
باغتْ الفواختَ
سيمتدُّ الليلُ طويلاً
فزلزلْ أوتاركَ عاشرةً وألفاً
يا أجملَ الكائناتِ
يا يدَ الصحوِ
أبصمي للعشبِ
فعلى صدرِ العراقِ إبهاميَ
ثمرٌ،،ذهابٌ
عودةٌ، واكتمالٌ
ــ
( بين المحنة والأمل )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
قراءة في قصيدة ( زلزل أوتارك ) .. لشاعرة العرب / وفاء عبد الرزاق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
في زحمة الفوضى التي أطاحت بكل ما هو جميل وأصيل ورائع ، في ظل هذا الزخم من الوجع الواصل إلى أوردة وشرايين القلوب العربية ، وفي ظل الخريف العربي الذي أطلق عنانه الغرب اللعين ، على كل ما هو مستقر وآمن وسالم ، في وطننا العربي والإسلامي , وفي ظل المؤامرات المتوالية من أعداء العرب والمسلمين ، لإسقاط الأنظمة العربية في العالم وبصفة خاصة في الشرق الأوسط لتتغير خريطته لصالح الصهيونية العالمية وإسرائيل .
لقد أزهرت المؤامرات وأثمرت ، وتغيرت بالفعل خريطة الشرق الأوسط إلى الشكل الذي أراده الغرب ، وتمددت يوتوبيا الأمريكان ، وافترشت الكثير من دول العالم العربي .. طالت أظافر وأنياب المؤامرات الكثير من الدول العربية .
وفي حضرة الوجع والألم والانكسار والهزيمة ، لا يستسلم الكاتب المؤمن بقضايا وطنه ، بل يشهر قلمه وكتاباته في وجوه وصدور الأعداء .. رصاصات تحرق وتثور وتقلب الموازين .
والشعر بندقية الكاتب التي يصوبها إلى أعدائه ، يطلق رصاصاته / كلماته التي تهز أوتار الحياة .
وعندما ينطلق هذا الزلزال يهز أوتار القلوب ، ويحرك المشاعر ، ويدفع بعجلات الثورة ، ويحرك كل ساكن نحو التغيير .
تلك الغيمة / الحكاية .. حكاية الأزمة العربية ، الغيمة التي أخفت في حضنها الكثير من الدول التي كانت بالأمس مستقرة وآمنة وسالمة ومزدهرة .
ولكن ..
( والنجمُ يبحثُ عن ضوئِهِ بينَ الزقاقِ
بينَ أجنحةِ الأشلاءِ
ورفرفةِ الخيولِللصهيلِ
بينَ تخضِّبِ الشرفاتِ بالدماءِ
وداءِ الثعابينِ
النجمُ ينقصُه الضوءُ ) ..!!
تلك الصور المبتكرة والمتلاحقة لحالة الأزمة العربية / العراقية ، التي تعبر عن حالات الانكسار والانهزامية والضعف والتشتت والتشرذم .. وما زال النجم بين كل هذا وذاك يبحث عن ضوئه .
تماما .. كما ينقص الساسة الشرف .. لقد لجأت الشاعرة إلى هذه العبارة القاصدة معناها ذهنياً .. لأنها كفرت بساسة العرب الذين تشرنقوا على أنفسهم ، واكتفوا بالشجب والرفض والاستنكار .. ومن منا لا ينتظر الفجر بعد طول الليل ، هي أيضا تنتظر الفجر بأصالة العربية .. فتقول :
سليل الماء بيتي
والقامة ِالهيفاءِ
تفٌّ على ضمائرِهِم العرجاءِ
تفٌّ على جيوبِهم القحطِ
القلبُ يهزهُ النبضُ
وإنْ اهتزَّتْ الأشلاءُ طرباً للموتِ
هذا الأصل العريق الذي لا ولن يهتز أبدا ، مهما كانت قوة المحن .. يقف قويا صامدا أمام الرياح العاتية والأمواج الهادرة ..
سيجيءُ النهرُ
جوقةَ ماءٍ
ويعزفُ بحنجرة ِالسماءِ
منتصبينَ حينَ نقفُ
كلُّ المدى عيونٌ خضر
أشرعة ٌتفتحُ الجدرانُ لها أذرعاً
وما يكتب على سبورة القلب لا يمكن أن تطاله ممحاة ........ الأعداء ، والعراق الحضارة والتاريخ والعلوم والثقافة والدين ، التي نالها سهام المؤامرة لن يمحوها أي شئ مهما كانت قوته وجبروته .. فهي في قلب الحياة ، ولن تموت أبداً ..
يا أوردة السلامِ
أزهرتْ الأرضُ بالقتلى
والخليفة ُيتخاصمُ على الغنائمِ
والعمَّةِ، والدولارِ.
فهي وردة السلام .. : ( كتب بالدم اسمك يا عراق ) .. في القلوب مكانها ..
وتتلاحق الصور الفنية المعبرة عن حالة الانكسار / حالة طارئة ..
النهرُ مُغتَصَبٌ
المهدُ أهوجُ
وأنا الضفةُ البكماءُ
الكلماتُ ترضعُ فمي
وفمي تقرَّحَ بالشعرِ
أبتلعُ كلَّ يومٍ وطني المعبأ بالسكاكينِ
وأتحشرجُ باسمِهِ الشوكَ
كيفَ أشربُكَ يا وطني الظمآنَ
لأبلعَ الظمأينِ؟
وبرغم ما عاناه العراق من الحرب والدمار واستنزاف الثروات والفوضى .. فالشاعرة مثل وطنها صامدة شامخة لا تنحني .. وكيف تنحني وفي قلبها العراق ..
هيهاتَ أيتُها النصالُ
هيهاتَ لمثلي الانحناءُ
يلتفُّ حولي شعبي عشباً
كلَّمَا جعلني حقدُهُم عزلاءَ
وتأبى الشاعرة التي تحمل الوطن في قلبها ويحملها الوطن في قلبه أن تنحني بوطنها ، وما زال في العزيمة إرادة قوية ، وفي القلب شموخ الأصالة والهوية .. برغم كل هذا ..
ما زالَ يصهلُ ما تبَّقى منَ الوطنِ
ومقلة ُالحقولِ تنتظرُ اللقاءَ
الأمل الذي يحرك القلوب والعقول ، ويفجر الثورات ، دائما يسكن في القلوب المؤمنة بالإنتماء ، القادرة على العطاء المخلص ، هو الذي يحرك تلك المشاعر الفياضة لشاعرة العرب .. وفاء عبد الرزاق .. فكانت رائعتها قصيدة ( زلزل أوتارك ) .. لتضاف قيمة جديدة إلى رصيدها الإبداعي .
نبيل مصيلحي
18/9/2015