حدثان لا انساهما ، لان في اعماق هذين الحدثين تكمن مأساة شعبنا الذي تتلاعب به موجة الوعي من جهة ، وموجة التأخر من جهة اخرى ، وهنا تكمن المأساة.
سبق وان كتبت عن الحدث الاول في القسم السادس عشر ، و الان ابغي أن اكتب عن الحدث الثاني والذي تتجسد فيه مفهوم القول (( شر البلية ما يضحك )).
ذهبت بمهمة الى كلية الحقوق حاملا مجموعة كبيرة من المناشير ، اصدرها اتحاد الطلبة بسبب اصرارهم على اعلان اضرابهم ، متحدين النظام الرجعي الذي يستمد اهم تعاليمه من خونة الشعب ، والذين تحركهم لندن خدمة لمصالحها الاستعمارية.
التقيت برئيس اتحاد الطلبة ، وببعض اعضائها البارزين ، وسلمتهم المناشير ، وتحدثنا حول الاضراب ، وطريقة كسب الطلبة المحايدين ، وزجهم في المعركة التي تمثل المصالح الطلابية عامة ، وعندما هممت بالخروج فوجدت مجموعة من الشرطة المدججة بالسلاح ، والهراوات بأيديها تحيط بالكلية ، لذا اصبح خروجي محالا.
رفعت شعارات تعبر عن مطالب الطلبة ، وبدأت الهتافات : يسقط الحقير نوري سعيد ، ولم اجد الا الشرطة تهتف من خارج الكلية : يعيش الحقير نوري سعيد هههههههه
انتبه المعاون لهذا الامر ، ونبه الشرطة عليها.
الخبر يضحك ، الا ان شر البلية ما يضحك ، وهنا في اعماق هذا الجهل تكمن مأساة امة !!!
.......................
3
اجرت غرفة صغيرة ، باسم مستعار ( يونان )، في منطقة القصر الابيض ، في بيت كبير جدا قد اجره مسيحي من احدى القرى المجاورة للموصل ، واسمه ابو جورج.
الغرفة وكر صغير للنشاط السياسي السري. بعد حوالي شهر سمعت من احدهم أن صاحب البيت شك بأمري ، وسيخبر الشرطة عني. في الحال استطعت ان انقل بعض الحاجيات الممنوعة مع الحذر ، وفي اليوم الثاني الشرطة كبست البيت وفتشت الغرفة وعثرت على بعض المناشير وأعلنت الاختفاء. وهذا يعني ابقى بألبستي وحذائي اثناء النوم حتى اذا ما كبس البيت حالا اهرب من مخرج اخر نعرفه. ووكان هذا قبل ثورة 14 تموز بأسابيع.
الجو كان يلتهب حرارة والحذاء لم يفارق قدمي منذ يومين وبدأت اشم رائحة الجورب. كنت في حينها مختفيا في احدى البيوت في السنك الواقعة وراء البريد المركزي الواقع على شارع الرشيد.
بعد يومين ، علي ان انتقل الى بيت قريب من الشورجة أي عند منارة سوق الغزل الاثرية.
في الصباح الباكر توجهت من خلال ازقة ضيقة في عقد النصارى باتجاه البيت المطلوب. عرفت ان شخصا يراقبني ويصعب علي ان افلت منه والمسافة بيني وبينه اقل من مئة متر.
ازقة بغداد اعرفها بصورة جيدة ، فكرت ما اعمله ، بعد ان تأكدت من المراقبة. توجهت الى عقد الكنائس ، وكان اليوم هو الاحد ، ودخلت كنيسة الارمن الكاثوليك الأرثدوكس ، وكانت مزدحمة بالمصلين. من خلال الجموع ذهبت وجلست في الصف الامامي واختفت رائحة جوربي بعطور زوار الكنيسة والحمد لله.
كان جالسا بجانبي رجل في الخمسينات ، انيق جدا وتفوح منه العطور اسوة بغيره ، و بعد روتين الصلاة ، و فكري عند رجل الامن. لم اجد الا الرجل الذي بجانبي يترك مكانه ، وذهب دون كلام ، وبعد قليل جاء وبيده ابريق ، وقال لي بأدب ، انزع حذاءك لأغسل رجلك ( والله ثولني وحرت ما اقول ) هههههههههههههههههههه تمنيت لو يلقى القبض علي ولا هذا الموقف المخجل !
اجبته رجلي مجروحة ، وأعاد القول ، اخلع الحذاء ، خلعته و اذا برائحة جوربي يعميه وصاح اختنقت وخرجت من الكنيسة بحذاء واحد ، وأنا مكسوف جدا ، وصار الكل ينظروني. خارج الكنيسة خلعت حذائي الاخر ورميته بالطريق وهربت ( افندي بلا حذاء ، ومن يراني يضحك ويعتقدني مجنونا ) دخلت البيت السري بلا حذاء !!!! حدثتهم بما حدث ، ولا احد منهم صدق قولي !!!!! وبعد ساعة دخل شاب مسيحي ، وحدثوه بأمري ، فأجابهم صحيح في كل سنة وبهذا التاريخ المسيح وتلاميذه غسل كل منهم رجل الاخر وسرت هذه العادة لحد اليوم.
اصعب حدث مخجل مررت به ولا يمكنني ان انساه.
اخوكم ابن العراق الجريح : صلاح الدين سلطان
آخر تعديل صلاح الدين سلطان يوم 11-24-2015 في 02:58 AM.