وهذا الفصل يشتملُ على خمسة مباحث:
1- عَمَلُ الْمَصْدَرِ وَاسمِ الْمَصْدَرِ
يعملُ المصدرُ عَمَلَ فعلهِ تَعدِّياً ولزوماً.
فإن كان فعلهُ لازماً، احتاجَ إلى الفاعلِ فقط، نحو: "يُعجبُني اجتهادُ سعيدٍ".
________________________________________
وإن كان مُتعدِّياً احتاجَ إلى فاعلٍ ومفعولٍ بهِ. فهو يتعدَّى إلى ما يتعدَّى إليه فعلُه، إمّا بنفسهِ، نحو: "ساءَني عصيانُك أباكَ"، وإمّا بحرف الجرِّ، نحو: "ساءَني مُرورُكَ بمواضعِ الشُّبهةِ". واعلم أن المصدرَ لا يعملُ عملَ الفعلِ لشبههِ به، بل لأنهُ أَصلُهُ.
ويجوزُ حذفُ فاعلهِ من غيرِ أن يتحمّلَ ضميرَهُ، نحو: "سرَّني تكريم العاملينَ". ولا يجوزُ ذلكَ في الفعل، لأنهُ إن لم يَبرُز فاعلُهُ كان ضميراً مستتراً، كما تقدَّم في باب الفاعل.
ويجوزُ حذفُ مفعوله، كقوله تعالى: {وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبيه إلا عن موعِدةٍ وَعدَها إياهُ}، أَي: استغفار إبراهيمَ رَبّهُ لأبيه.
وهو يعملُ عملَ فعلهِ مضافاً، أو مجرَّداً من "أَلْ" والإضافةِ، أو مُعرَّفاً بأل، فالأولُ كقوله تعالى: {ولولا دفعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعضِ}. والثاني كقوله عزَّ وجلَّ: {أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسبغةٍ يَتيماً ذا مقربةٍ أو مِسكيناً ذا مَترَبَةٍ}. والثالثُ إِعمالُه قليلٌ، كقولِ الشاعر:
*لَقَدْ عَلِمَتْ أُولَى المُغيرَةِ أَنَّني * كَرَرْتُ، فَلَمْ أَنْكُلْ عَنِ الضَّرْبِ مِسْمَعا*
وَشُرِط لإعمال المصدر أن يكون نائباً عن فعلهِ، نحو: "ضرباً اللصَّ"، أو أن يصحَّ حُلولُ الفعل مصحوباً بأنْ أو "ما" المصدريتين مَحلَّهُ. فإذا قلتَ: "سرَّني فَهمُكَ الدَّرسَ"، صحَّ أن تقول: "سرَّني أن تفهمَ الدرسَ". وإذا قلتَ: "يَسرُّني عملُكَ الخيرَ"، صحَّ أن تقول: "يَسُرُّني أن تعملَ الخيرَ". وإذا قلتَ: "يُعجبُني قولكَ الحقَّ الآن"، صحَّ أن تقولَ: "يعجبني ما تقولُ الحقَّ الآن". غيرَ أنهُ إذا أُريدَ به المُضيُّ أو الاستقبالُ قُدِّرَ بأنْ، وإذا أريدَ به الحالُ قُدِّرَ بِمَا، كما رأيتَ.
________________________________________
لذلك لا يعملُ المصدرُ المؤكّدُ، ولا المُبيّنُ للنوع، ولا المُصغّرُ، ولا ما لم يُرَدْ به الحَدَثُ. فلا يُقالُ: "علَّمتُهُ تعليماً المسألةَ"، على أنَّ "المسألة منصوبةٌ بتعليماً" بل بعلَّمتُ، ولا "ضربتُ ضربةً وضربتينِ اللصَّ"، على نصب اللص بضربة أوضربتينِ، بل بضربتُ، ولا "يُعجبني ضُرَيْبكَ اللصَّ"، ولا "لسعيدٍ صَوْتٌ صوْتَ حَمامٍ"، على نصب "صوت" الثاني بصوت الأول بل يفعل محذوف، أو يُصَوتُ صوتَ حمام، أي: يُصَوِّتُ تصويتَهُ. ويجوز أن يكونَ مفعولاً به لفعلٍ محذوف، أي يُشبهُ صوتَ حمامٍ.
ولا يجوز تقديمُ معمولِ المصدر عليه، إلا إذا كانَ المصدرُ بدلاً من فعلهِ نائباً عنه، نحو: "عملَكَ إتقاناً"، أو كان معمولهُ ظرفاً أو مجروراً بالحرف، كقوله تعالى: {فلمّا بلغَ معهُ السَّعيَ}، وقولهِ: {ولا تأخذكم به رأفةٌ}.
ويُشترطُ في إعمالهِ أن لا يُنعتَ قبلَ تمامِ عملهِ، فلا يُقالُ: "سرَّني إكرامُكَ العظيمُ خالداً"، بل يجبُ تأخيرُ النَّعتِ، فتقولُ "سرَّني إكرامُكَ خالداً العظيمُ"، كما قال الشاعر:
*إنَّ وَجْدي بِكِ الشَّديدَ أَراني * عاذراً مَنْ عَهِدْتُ فيكِ عَذولاً*
وإذا أُضيفَ المصدرُ إلى فاعله جَرَّهُ لفظاً، وكان مرفوعاً حكماً (أي: في محلِّ رَفعٍ)، ثمَّ يَنصبُ المفعولَ به، نحو: "سرَّني فهمُ زُهيرٍ الدرسَ".
وإذا أُضيفَ إلى مفعولهِ جَرَّهُ لفظاً، وكان منصوباً حُكماً (أي: في محلِّ نصبٍ)، ثم يَرفعُ الفاعلَ، نحو: "سرَّني فَهمُ الدرسِ زُهيرٌ".
________________________________________
وإذا لحقَ الفاعلَ المضافَ إلى المصدرِ، أو المفعولَ المضافَ إليهِ، أحدُ التوابعِ جازَ في التابعِ الجرُّ مراعاةً للَّفظِ، والرفعُ أو النصبُ مراعاةً للمحلِ، فتقولُ في تابعِ الفاعلِ: "سَرَّني اجتهادُ زُهيرٍ الصغيرِ، أو الصغيرُ" و "ساءَني إهمالُ سعيدٍ وخالدٍ، أو خالدٌ". وتقولُ في تابعِ المفعول: "يُعجبُني إكرامُ الأستاذِ المُخلصِ، أو المُخلصَ، تلاميذُهُ" و "ساءَني ضرب خالد وسعيدٍ، أو وسعيداً، خليلٌ".
والمصدرُ الميميُّ كغير الميميّ، في كونهِ يعملُ عملَ فعلهِ، نحو: مُحتمَلُك المصائبَ خيرٌ من مَركبِكَ الجَزَعَ". ومنه قول الشاعر:
*أَظَلومُ، إنَّ مَصابَكُمْ رَجُلاً * أَهدَى السَّلامَ تَحِيَّةً، ظُلْمُ!*
واسمُ المصدرِ يعملُ عملَ المصدرِ الذي هو بمعناهُ، وبِشروطهِ، غيرَ أنّ عملَهُ قليلٌ، ومنه قولُ الشاعر:
*أَكُفْراً بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي * وَبَعْدَ عَطائِكَ الْمِئَةَ الرِّتاعا*
وقولُ الآخر:
*إذا صَحَّ عَوْنُ الخَالِقِ الْمَرْءَ، لَمْ يَجِدْ * عَسيراً مِنَ الآمالِ إِلاَّ مُيَسَّرا*
وقولُ غيره:
بِعِشْرَتِكَ الْكِرامَ تُعَدُّ مِنْهُمْ * فَلاَ تُرَيَنْ لِغَيْرِهِمِ أَلوفا*
ومنه الحديثُ: "من قُبلَةِ الرجلِ امرأتَهُ الوُضوءُ".
2- عَمَلُ اسمِ الْفاعِلِ
يعملُ اسمُ الفاعلِ عملَ الفعلِ المُشتق منه، إنْ متعدياً، وإنْ لازماً. فالمتعدّي نحو: "هل مُكرِمٌ سعيدٌ ضُيوفَه؟". واللازمُ، نحو: "خالدٌ مجتهدٌ أولادُهُ".
ولا تجوزُ إضافتُهُ إلى فاعلهِ، كما يجوز ذلك في المصدر، فلا يقالُ: "هلْ مُكرِمُ سعيدٍ ضُيوفَهُ".
وشرطُ عمله أن يقترنَ بألْ. فإن اقترنَ بها، لم يحتج إلى شرطٍ غيره. فهو يعملُ ماضياً أو حالاً أو مستقبلاً، مُعتمداً على شيءٍ أو غيرَ معتمدٍ، نحو: "جاء المعطي المساكينَ أمسِ أو الآن أو غداً".
________________________________________
فإن لم يقترن بها، فشرطُ عملهِ أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، وأن يكون مسبوقاً بنفيٍ، أو استفهام، أو اسمٍ مُخبَرٍ عنه بهِ، أو موصوفٍ، أو باسمٍ يكون هوَ حالاً منه، فالأولُ، نحو: "ما طالبٌ صديقُكَ رفعَ الخلافِ". والثاني نحو: "هلْ عارفٌ أخوك قدرَ الإنصافِ؟". والثالث نحو: "خالدٌ مسافرٌ أبواهُ". والرابعُ نحو: "هذا رجلٌ مجتهدٌ أبناؤُهُ". والخامسُ نحو: "يَخطُبُ عليٌّ رافعاً صوتَهُ".
وقد يكونُ الاستفهامُ والموصوفُ مُقدَّرَينِ. فالأولُ نحو: "مُقيمٌ سعيدٌ أم مُنصرفٌ؟" والتقديرُ: أمقيمٌ أم منصرفٌ؟ والثاني كقول الشاعر:
*كناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيوهِنَها * فَلَمْ يَضِرْها، وَأَوَهى قَرْنَهُ الْوَعِلُ*
أي: كوعلٍ ناطحٍ صخرةً. ونحو: "يا فاعلاً الخيرَ لا تنقطع عنه، أي: يا رجلاً فاعلاً.
واعلم أنَّ مبالغةَ اسم الفاعل تعملُ عملَ الفعلِ، كاسم الفاعل، بالشروطِ السابقةِ، نحو: "أنتَ حَمُولٌ النائبةَ، وحَلاَّلٌ عُقَدَ المشكلاتِ".
والمثنّى والجمعُ، من اسمِ الفاعل وصيَغ المُبالغة، يعملان كالمُفرد منهما، كقوله تعالى: {والذاكرينَ اللهَ كثيراً}، وقولهِ: {خُشَّعاً أبصارُهم يخرجون من الأجداث}.
وإذا جُرَّ مفعولُ اسم الفاعل بالإضافةِ إليه، جازَ في تابعهِ الجرُّ مراعاةً للِفظه، والنصبُ مراعاةً لمحلهِ، نحو: "هذا مُدرَّسُ النحوِ والبيانِ، أوِ البيانَ" ونحو: "أنت مُعينُ العاجزِ المسكينِ، أو المسكينَ".
________________________________________
ويجوزُ تقديمُ معمولهِ عليه، نحو: "أنتَ الخيرَ فاعلٌ"، إلاّ أن يكونَ مقترناً بأل: "هذا المُكرمُ سعيداً"، أو مجروراً بالإضافةِ، نحو: "هذا وَلد مُكرمٍ خالداً"، أو مجروراً بحرفِ جرٍّ أصليٍّ، نحو: "أحسنتُ إلى مُكرمٍ عليّاً"، فلا يجوزُ تقديمهُ في هذه الصُّوَر. أمّ إن كان مجروراً بحرفِ جرٍّ زائد فيجوزُ تقيمُ معمولهِ عليه، نحو: "ليسَ سعيدٌ بسابقٍ خالداً"، فتقولُ: "ليس سعيدٌ خالداً بسابقٍ"، لأنَّ حرفَ الجرّ الزائدِ في حكم الساقط.
3- عَمَلُ اسْمِ الْمَفْعولِ
يعملُ اسمُ المفعول عمَلَ الفعلِ المجهول، فيرفعُ نائبَ الفاعلِ، نحو: "عزَّ من كان مُكرَماً جارُهُ، محموداً جِوراُهُ". وتجوزُ إضافتُهُ إلى معمولهِ، نحو: "عَزَّ من كان محمودَ الجوارِ، مُكرَمَ الجارِ".
وشروطُ إعمالهِ كما مرَّ في اسمِ الفاعل تماماً.
4- عَمَلُ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ
تعملُ الصفةُ المشبهةُ عملَ اسم الفاعلِ المتَعدِّي إلى واحدٍ، لأنها مُشبَّهةٌ به ويُستحسَنُ فيها أن تُضافَ إلى ما هوَ فاعلٌ لها في المعنى، نحو: "أنتَ حَسَنُ الخُلُقِ، نَقِيُّ النفسِ، طاهرُ الذَّيلِ".
ولكَ في معمولها أربعةُ أوجُهٍ:
1- أن ترفعهُ على الفاعليّة، نحو "عليٌّ حسَنٌ خُلقُهُ، أو حسَنٌ الخُلُقُ أو الحسنُ خُلقُهٌ، أو الحسنُ خُلُقُ الأبِ".
2- أن تنصبهُ على التّشبيهِ بالمفعولِ به، إن كان معرفةً، نحو: "عليٌّ حسنٌ خُلقَهُ، أو حَسَنٌ الخُلُقَ، أو الحسنُ الخُلُقَ، أو الحسَنُ خُلُقَ الأبِ".
3- أن تنصبهُ على التمييز، إن كانَ نكرةً، نحو: "عليٌّ حسنٌ خُلقاً، أو الحسَنُ خُلقاً".
4- أن تَجرَّهُ بالإضافة، نحو: "عليٌّ حسَنُ الخُلُقِ، أو الحسنُ الخُلُقِ، أو حسنُ خُلُقهِ، أو حسَنُ خُلقِ الأبِ، أو الحسن خُلُقِ الأبِ".
________________________________________
واعلم أنهُ تمتنعُ إضافةُ الصفة إذا اقترنتْ بألْ، ومعمولها مُجرَّدٌ منها ومنَ الإضافة إلى ما فيه "أَلْ"، فلا يُقالُ: "عليٌّ الحسنُ خُلقهِ، ولا العظيمُ شدَّة بأسٍ". ويقال: "الحسنُ الخُلُقِ، والعظيمُ شدَّةِ البأسِ".
5- عَمَلُ اسْمِ التَّفْضِيلِ
يرفعُ اسمُ التفضيلِ الفاعلَ. وأكثرُ ما يرفعُ الضميرَ المستترَ، نحو: "خالد أشجعُ من سعيدٍ". ولا يرفعُ الاسمَ الظاهرَ إلا إذا صَلَحَ وقوعُ فعلٍ بمعناهُ مَوقعَهُ، نحو: "ما رأيتُ رجلاً أوقع في نفسه النصيحةُ منها في نفس زهير"، ونحو: "ما رأيتُ رجلاً أوقع في نفسه النصيحةُ منها في نفس زهير"، ونحو: "ما رأيتُ رجلاً أوقعَ في نفسهِ النصيحةُ كزهير". ونحو: "ما رأيتُ كنفس زهيرٍ أوقعَ فيها النصيحةُ". وتقولُ: "ما رجلٌ أحسنَ به الجميلُ كعليٍّ" ومن ذلك قولُ الشاعر:
*ما رَأَيْتُ امرَأً أَحَبَّ إِلَيْهِ * البَذْلُ مِنْهُ إِلَيْكَ يا ابْنَ سِنانٍ*
فإن قلت فيما تقدَم: "ما رأيتُ رجلاً تقعُ النصيحةُ في نفسه كزهير، ما رجلٌ يحسنُ به الجميلُ كعليٍّ. ما رأيتُ أمرأ يحبُّ البذلَ كابنِ سنان" صحَّ.
وقد يرفعُ الاسمَ الظاهرَ، وإن لم يَصلُح وقوعُ فعلٍ مَوقعَهُ، وذلك في لغةٍ قليلةٍ، نحو: مررتُ برجلٍ أكرمَ منهُ أبوهُ".والأفضلُ أن يُرفعَ "أكرم" على أنهُ خبرٌ مُقدَّمٌ، و "أبوهُ". مبتدأ مؤخرٌ. وتكون جملة المبتدأ والخبر صفةً لرجلٍ