بكلمات قليلة جدا يثير القرآن الخيال ويفتح آفاقا كانت مغلقة . هذه العبارة القصيرة تثير فى نفسى الشجون . فهى مع قصرها تحكى فى صمت قصة مؤثرة . فأنا لم أكن أعلم بأن خيبر القريبة من المدينة كانت مقاطعة يهودية . واليهود أهل تجارةٍ ومعاملات ربوية وبخلٍ وأموال مكدسة . إذن كانت خيبر حيا برجوازيا كما يكون الحال فى أحياء الأمراء والشيوخ فى المدن العربية . وطبيعى ألا يتجرأ الفقراء من عامة الشعب من الاقتراب منها . فقد ترسب فى قرارة أنفسهم بأنهم ليسوا على مستوى تلك الشوارع النظيفة والأسوار العالية والنخيل الباسقة وأنهم لو ضلو طريقهم ودخلوا تلك الشوارع فسيصيح فيهم من يزجرهم . وفى مثل هذه الأحوال كان العربى البدوى المسكين يعيش طول حياته يرسم فى مخيلته أرض خيبر وصياصيها وهدوءها وشقشقة الطيور في حدائقها إلى أن أُمر الرسول الكريم بغزوها وحصارها وفتحها عنوة . إنها نعمة كبرى من المولى الكريم على جنود المسلمين أنصارا ومهاجرين . مجرد السير بحرية فى شوارع خيبر متعة للأقدام . إنها الآن أرضهم ولن يزجرهم بعد الآن زاجر ولن يطردهم حارس وفى ذلك راحة للنفوس أى راحة وتحقيق لأحلامٍ طالما راودت خيالهم .
هي الآية27 من سورة الأحزاب وسياقها(وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) معنى { وَأَوْرَثَكُمْ... } أي: أعطاكم أرضَ وديار وأموال أعدائكم من بعد زوالهم وانهزامهم { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا... } أي: أماكن جديدة لم تذهبوا إليها بعد، والمراد بها خيبر، وكأن الله يقول لهم: انتظروا فسوف تأخذون منهم الكثير { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } وهكذا انتهى التعبير القرآني من قصة الأحزاب.
واذا استعرضنا القصة بفلسفة أحداثها، وتحدثنا عَمَّا في هذه القصة من بطولات،فسيطول الشرح لما فيها من بطولات متعددة، ولكل بطل فيها دور.