عندما نتدبر آيات الله عزوجل أكيد سنستنبط فرقا بين "موتى وأموات"
يقول الله عزوجل :"وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ"
..........
فالموتى جمع ميت يوصف به المخلوق الذي فارق الحياة ،من منظور جسدي يقرَُ به الواقع الملموس،على ظهر الأرض سواء جثة هامدة أو مخلَفات جسدية تشهد بها القبور .
ويشترك في هذا اللفظ الإنسان والأنعام وحتى المكان ،،،لقوله عزوجل :
"إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ"
"أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ"
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ "
أماَ "أموات" فالمقصود بها هو الإنسان في عالم ما قبل أوبعد الحياة في عالم مانسميه "العدم" أو " البرزخ" خارج نطاق التشكيلة الجسدية ،أي إذا ارتبطت المسألة بالنفس .
ويقول عزوجل : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.
أي أن أولئك الذين يدعونهم لتلبية رغباتهم من مفارقين للحياة ظنا منهم أنهم أولياء لله صالحين ،في الحقيقة مجرد أناس انتقلت أنفسهم إلى عالم البرزخ لايشعرون بشيء البتة ،والتقرب إليهم ماهو إلاَ ضربا من ضلال .
ومما نستشفه أيضا من خلال تدبرنا للقرآن الكريم ،فإن كلمة أموات لم تُذكر إلا جمعا وينفرد بها الإنسان دونا عن سائر المخلوقات ،
أماَ " ميَت" بالشدَة ،فهي تدلل على ماتحوي الأرض من "زروع وثمار"
أي ماليس فيه نفس تسري إنما حراكه يدلل على حياة وحسب.
لقوله عزوجل :" يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ"
وإذا وُصف البلد بأنه ميَت فذلك دلالة على موت الأرض أي الزرع فيها أو "القحط" بصفة عامَة ،لقوله تعالى : وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذَٰلِكَ النُّشُور"
وإذا وُصفت البلدة بأنها "ميتا" ، فذلك دلالة على جمود بها إنساني و"حيواني" ،فلكأنها فقدت ما كان يسري بها من أنفاس،فشُبَهت بالمخلوق الميت الذي فقد نفسه، لمَا انعدمت فيها الكينونة البشرية ،،،وبطبيعة الحال ،بسبب موت الأرض ،وعليه نستخلص إذا الأرض ميَتة ،فبالضرورة ،البلدة ميتا.
يقول الله تعالى (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10) رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ)
وقد شُبَه الكافر بالميت لأنه ورغم ماحوله من أنوار الهداية ،فإنه لايشعر بها ،لايسمع ولايرى ،تماما كميت بين الناس له جسد ولكن نفسه في عالم العدم .
يقول الله تعالى : أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
ويقول الله عزوجل : إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)
وإذا يسأل سائل عن معنى قوله تعالى : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)
فتأويله أن الأرض هي بؤرة الجذب التي يرجع إليها أصل الإنسان سواء حياَ ماشيا على ظهرها أو مفارقا لها،في حياة برزخية وقد رجعت نفسه إلى ربَها وإن انعدم الجسد .
أماَ قوله تعالى لرسوله الكريم : إنك ميَت وإنهم ميَتون "
فلفظ "ميَت" هنا ليست صفة لموصوف وإنما خبر يدل على حتمية انقضاء الحياة الدنيا يوما للرسول عليه الصلاة والسلام ،وغيره .
خلاصة القول : نقول "موتى" أو "ميت" إذا تعلَق الأمر بالجسد ،و"أموات" إذا نشيرُ إلى النفس البشرية الراجعة إلى ربَها . "فالذين قُتلوا في سبيل الله وإن وجدت جثثهم على الأرض أي موتى ،إذا الحديث عن نفوسهم وحالها عند رجوعها لبارئها ،فهم "بين أموات" . يقول الله تعالى :
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾
والله أعلم يتبع.....
رد: فروق لغوية في القرآن الكريم / مباركة بشير أحمد
بوركتم أديبتنا القديرة
وشكرا على هذا الموضوع القيم جدا في البلاغة القرآنية ومعانيها الفائقة
وكم نحتاج التوغل والتمحيص فيها لنبش لآلئها الأثمن مطلقا!
رعاكم الله وزادكم
تقديري والاحترام
رد: فروق لغوية في القرآن الكريم / مباركة بشير أحمد
مالفرق بين الأب والوالد في القرآن الكريم؟
إختلفت الآراء حول مفهوم معنى الأب والوالد ،ولو أمعنَا التدبر فحتما ستوضح لنا الحقائق جلية.
الأب بالمفهوم البسيط هو المنبع الذي يرجع إليه أصل النسب لارتباط وثيق بين السابق واللاحق من الأجيال ،هاته الأبوة التي تمثل سلسلة ممتدة الحلقات إلى أن ينتهي الكون "،فعمروٌ" مثلا له أب وأبوه له أب وأب الأب له أب وهكذا ...فهم مجموعة آباء الواحد خلف الآخر ،ولذا يقول سبحانه في شأن المشركين :
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ"
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ"
ويقول سبحانه في شأن يوسف عليه السلام : " وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
وعندما يقول الله عزوجل عن إبراهيم عليه السلام : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ"
ا نستخلص أن " آزر " هو أحد أجداد إبراهيم عليه السلام ،
أما الوالد فهو الجامع بين الأبوة من حيث النسب ،و الولادة أي الإنجاب ،وهو المُربي ،الساعي على تربية الولد . وعليه فليس كل أب والد ،بينما الوالد هو الأب القريب أو الحقيقي لولده من صلبه.
لذا يوصي الله سبحانه بالوالدين إحسانا لاقتران عنصر النسب مع التربية بيولوجية كانت أو نفسية وما تسبب من تعب وشقاء للوالدين.
يقول الله تعالى : " وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"
وعندما ينادي يوسف عليه السلام ،وابنة شعيب كلاهما والده بلفظ " يا أبت" بدل ياوالدي
في قوله عزَوجل : " قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ"
"إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ"
فذلك دليل الإنتماء المتجرد من أي طلاء ،الدال على التداخل الجيني ،بين الأصل والفرع
ويوسف عليه السلام قد اتخذه عزيز مصر كما موسى عليه السلام في أسرة فرعون ولدا ،تربى كلاهما في قصر ،وتمتعا برغد العيش ،بينما لكل واحد منهما انتماء إلى أبويه ،
(وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)
(وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا)
لذا يقول سبحانه في شأن موسى عليه السلام :
(فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
وعن يوسف عليه السلام يقول سبحانه:" وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ"
وعلى هذا الأساس نستنبط أن الميراث يتقيَد بالأنتماء الدموي أي النسب ،الأبناء ،الآباء والأشقاء ،والإخوة ...وعندما لم يرث زيد محمدا عليه الصلاة والسلام ،فلا دليل على توريث المتكفل به ،ولاتبني في الإسلام لقوله تعالى :" مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا"
وخاتم النبيين معناها ألاَ ابنا من صلبه ذكرا بعده يرث منه النبوة كما أنبياء سابقين ،
يقول الله تعالى: (( وَوَرِثَ سُلَيمَانُ دَاوُود))َ
( ((فَهَب لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ وَاجعَلهُ رَبِّ رَضِيّاً ))
أماَ تحريم حلائل الأبناء من الصلب في آية المحرَمات في قوله: {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} ،فذلك مردَه إلى أن العرب في الجاهلية كان قد شاع فيهم التبني ،والآية أمر ألهي واجب التطبيق ،لقوم عاشوا الجهالة بشتى ألوانها -بما فييها زواج الإبن من زوج أبيه بعد وفاته ،والجمع بين الأختين- .ومادام الله سبحانه قد حرَم التبني بزواج نبيَه بطليقة زيد متبنيه ،فلاحديث بعده.
خلاصة القول : لفظ "والد" يشمل الأبوة زائد تربية "بيولوجية ،نفسية"
أماَ "الأب" فهو الأصل الذي يُنسب إليه الإبن بالولادة ،أو التسلسل الجيني من جيل إلى جيل.
وقد رفض إبليس السجود لذياك المخلوق باعتبار أنه مخلوق من طين ،يقول الله تعالى : "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا".فإذن هي الإشارة إلى الشكل الخارجي ولو أنه سوي "غير منقوص"ومقارنة بالملاك أو الجان ،فهو محدود القدرات ،ليست لديه أجنحة يكتسح بها الفضاءات ،ولا تركيبة نارية "طيفية" يتحول في أي صورة شاء ،ولهذا أيضا كان اعتراض المشركين على رسلهم :"قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ" ويقول الله عزَوجلَ:
فالحدث الفجائي هنا اعتمد على الرؤية أي على "العين" فهي قد رأت شكلا لاتعلم عنه شيئا سوى أنه كائن بشري سوي ليست به عاهة ،وفقا لشكله الخارجي "البيولوجي" .
ويقول الله عزَوجل : فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا"
إذن فمادامت الصورة تتشكل تبعا للرؤية ،فمن تراه مريم عليها السلام ،فهو بشر ،ولكن عندما يدخل الفعل في مجال الكلام أي مرحلة مابعد الرؤية ،فمن تبادله التصرف ،فهو إنسي أي كدلالة على نوع جنسه ،فهو من الإنس ،،،أي المكلَف بعبادة الله على ظاهر الأرض لايشمله التخفي ،ولهذا لوتدبرنا القرآن الكريم ،فإن لفظ "الجن يقابله لفظ الإنس" ،فذاك يعمل في الخفاء وآخر ،يدب على الأرض مكشوف الصورة . يقول الله تعالى :"وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ" أي رأيتم منهم رشدا .
ولماذا " لن أكلم اليوم إنسايا،وليس " بشرا" أو " إنسانا"؟
لأن لفظ " بشر" يدلل على الشكل الخارجي وحسب ،والذي أشرنا إليه سابقا
ولأن لفظ" إنسان" على وزن "نسيان ،نكران ،نقصان" يشير إلى مخلوق زوَده الله بالعقل ،ووفرَ له سبل العيش والهداية ،ورغم ذلك ينتقص إلى الكمال العقلي و النفسي ،وبالتالي فهو محلَ عتاب إلهي .
يقول الله تعالى : "قتل الإنسان ما أكفره "
خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ"
"إن الإنسان لفي خسر"
فهي لن تكلم إنسيا ،لأنها بالكلام مع ذياك المخلوق"البشري" ،تكون قد تعدت مرحلة الرؤية إلى التعامل ،وهل المتكلم معها صالح أم طالح "إنسان"،فليس ذاك من اهتماماتها ،سوى إمتناعها عن إحداث حوار بينها وبينه ،كونها في دائرة الإنتماء الإنسي،أي من الإنس ، مكشوف الصورة مقارنة بالجن .
........
وإذا لفظ "إنس يقابله جن"
وإنسان يقابله جان"
فبشر ماذا عساه يقابله ؟
وإذا" بشر" ينحصر في مجال الرؤية ، و الجن حراكهم يتمركز في الخفاء ،فتلك حقيقة ثابتة،
فإن لفظ " بشر" تدلل على الملمس أي "البشرة" ،بما أن الجن عبارة عن أطياف .
فهذا "بشر ،إنس وإنسان" وذاك " .طيف،جن وجان"