من الأصول التي تزرع المودة والمحية بين الناس: إفشاءُ السلام فيما بينهم إلقاءً وردّاً، ولهذا كان السلام من شعائر الإسلام المهمة، ومن حقوق المسلم على أخيه، لا تتم المودة إلا به، ولا تُستَحق الجنة إلا به، فقد أخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ»( ).
ولم لا؟ والسلام هو الله رب العالمين ((هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ)) (الحشر: 23). ولم لا؟ والجنة دار السلام ((لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ)) (الأنعام127) ((وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ)) (يونس: 25)، وأهلها لا يسمعون فيها إلا السلام ((لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا. إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا)) (الواقعة: 25-26)، والسلام تحية الله لهم يوم اللقاء ((تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ)) (الأحزاب: 44)، ((أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا)) (الفرقان: 75).
ولم لا؟ والسلام تحية الملائكة للمؤمنين عند الموت ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ)) (النحل: 32)، وتحيتهم لهم على باب الجنة ((وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)) (الزمر: 73)، وتحيتهم لهم حين يزورونهم فيها ((وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)) (الرعد23 -24).
والسلام كذلك تحية أصحاب الأعراف لأهل النعيم ((وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ)) (الأعراف: 46). ثم السلام هو تحية أهل الفضل في الجنات فيما بينهم ((وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ)) (يونس: 10)، ((تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ)) (إبراهيم: 23).
أليس السلامُ بعد كل هذا حَرِيّاً بأن يكون شعارَ المؤمنين وشارةَ الموفَّقين؟. ومن ثَم فقد أمر الله به المؤمنين وبين لهم أن إفشاءَه خيرٌ لهم وللناس أجمعين، فقال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) (النور: 27)، وقال تعالى ((فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) (النور: 61).
كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى إفشاء السلام مبيناً أنه الطريق إلى مجتمع آمن سعيد، ثم إلى الجنة، فقد أخرج الترمذي وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَاضْرِبُوا الْهَامَ تُورَثُوا الْجِنَانَ»( ). وأخرج كذلك بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ رضى الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ»( ). وأخرج ابن ماجه عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهم أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَكُونُوا إِخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ»( ). وأخرج أحمد عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْشُوا السَّلاَمَ تَسْلَمُوا وَالأَشَرَةُ شَرٌّ»( ) قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: يَعْنِي: كَثْرَةَ الْعَبَثِ. وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَفْشُوا السَّلاَمَ كَيْ تَعْلُوا»( ).
لهذا لم يكن عجيباً أن نرى الجيلَ الكريمَ الفريدَ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصين غاية الحرص على إفشائه فيما بينهم، حتى ليقول أنس بن مالك رضى الله عنه فيما أخرجه الطبراني بسند حسن: إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفرِّق بيننا شجرة، فإذا التقينا يسلِّم بعضنا على بعض( ).
وأخرج الطبراني عَنِ الأَغَرِّ -أَغَرِّ مُزَيْنَةَ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ لِي بِجُزْءٍ مِنْ تَمْرٍ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَمَطَلَنِي بِهِ، فَكَلَّمْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «اغْدُ مَعَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَخُذْ لَهُ تَمْرَهُ» فَوَعَدَنِي أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه الْمَسْجِدَ إِذَا صَلَّيْنَا الصُّبْحَ، فَوَجَدْتُهُ حَيْثُ وَعَدَنِي، فَانْطَلَقْنَا، فَكُلَّمَا رَأَى أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ مِنْ بَعِيدٍ سَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَا تَرَى مَا يُصِيبُ الْقَوْمُ عَلَيْكَ مِنَ الْفَضْلِ! لا يَسْبِقكَ إِلَى السَّلامِ أَحَدٌ. فَكُنَّا إِذَا طَلَعَ الرَّجُلُ بَادَرْنَاهُ بِالسَّلامِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْنَا( ).
وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن بشير بن يسار قال: ما كان أحد يبدأ -أو: يبدُر- ابن عمر رضي الله عنهم بالسلام( ). وأخرج كذلك عَنْ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهم فَيَغْدُو مَعَهُ إِلَى السُّوقِ، قَالَ: فَإِذَا غَدَوْنَا إِلَى السُّوقِ لَمْ يَمُرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى سَقَاطٍ(وهومن يبيع الرديء) وَلَا صَاحِبِ بِيعَةٍ وَلَا مِسْكِينٍ وَلَا أَحَدٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ. قَالَ الطُّفَيْلُ: فَجِئْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمًا فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَى السُّوقِ، فَقُلْتُ لَهُ: وَمَا تَصْنَعُ فِي السُّوقِ، وَأَنْتَ لَا تَقِفُ عَلَى الْبَيِّعِ، وَلَا تَسْأَلُ عَنْ السِّلَعِ، وَلَا تَسُومُ بِهَا، وَلَا تَجْلِسْ فِي مَجَالِسِ السُّوقِ؟ قَالَ: وَأَقُولُ: اجْلِسْ بِنَا هَاهُنَا نَتَحَدَّثُ. قَالَ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: يَا أَبَا بَطْنٍ -وَكَانَ الطُّفَيْلُ ذَا بَطْنٍ- إِنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجْلِ السَّلَامِ، نُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيَنَا»( ).
وأخرج البيهقي عن محمد بن زياد أن أبا أمامة الباهلي رضى الله عنه كان لا يمر على أحد مسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا قال: سلام عليك، سلام عليك، فإذا انتهى إلى باب الدار التفت إلينا ثم قال: «يا ابن أخي أمرنا نبينا عليه السلام أن نفشي السلام بيننا» ( ).
وعند الطبراني: أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَهُ، قَالَ: فَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا سَبَقَهُ بِالسَّلامِ، إِلا يَهُودِيًّا مَرَّةً اخْتَبَأَ لَهُ خَلْفَ أُسْطُوَانَةٍ، فَخَرَجَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ: وَيْحَكَ يَا يَهُودِيُّ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ رَجُلا تُكْثِرُ السَّلامَ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ فَضْلٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ آخُذَ بِهِ، فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: وَيْحَكَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ جَعَلَ السَّلامَ تَحِيَّةً لأُمَّتِنَا، وَأَمَانًا لأَهْلِ ذِمَّتِنا»( ).
أسأل الله أن يوفقنا إلى إفشاء السلام، وأن يورثنا الجنة دار السلام، وأن يهيء لنا الخير حيث كان.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أراها من أقبح عادات المؤمن عدم إفشاء السلام
وكم تحية سلام قربت المؤمنين لبعضهم
وإنها من أحلى عادات المؤمن
فالملائكة ترد السلام
شكرا لك سيدتي وبارك الله بك