إن لقضية الميراث في الإسلام فلسفة تحدد له ثلاثة معايير ليست الأنوثة أو الذكورة واحدًا منها، وهذه المعايير الثلاث ـ كما بينها فضيلة الأستاذ محمد عمارة ـ هي:
أولاً: درجة القرابة بين الوارث- ذكرًا كان أو أنثى- وبين المورث المتوفى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب، وكلما ابتعدت قلَّ النصيب.
ثانيًا: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال، فالأجيال التي تستقبل الحياة عادةً يكون نصيبها في الميراث أكبر من التي تستدبر الحياة، فبنت المتوفى ترث أكثر من الأب أو الجد، حتى لو كانت رضيعة، وحتى لو كان الأب هو مصدر وثروة الابن التي قد تتفرد الابنة بنصفها، وكذلك يرث الابن أكثر من الأب (الجد) وكلاهما من الذكور.
ثالثا : العبء المالي الذي يُوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله، وهذا هو المعيار الوحيد الذي يُثمر تمايزًا واضحًا يحمل الذكر مسؤوليات، وتصبح الأنثى الطرف الرابح الذي عليه أنْ يدخر أمواله دون لزوم الإنفاق على زوج أو أولاد مثلما هو الحال مع الرجل، والحكمة الإلهية في ذلك لإعطاء المرأة ذمة مالية خاصة ومدخر يجبر الاستضعاف الأنثوي وتأمين حياتها ضد المخاطر .
والخلاصة فإنَّ هناك أكثرَ من ثلاثين حالة في الميراث تأخذ المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هي ما لا يرث نظيرها من الرجال، في مقابلة أربع حالات محددة فقط ترث فيها المرأة نصف حصة الرجل، وهذه الحالات الأربع هي:
1 ـ أبو الميت وأمه إذا اجتمعا معا في الميراث، ولم يكن لولدهما المتوفى أولاد: فللأب عندئذ ثلثا التركة وللأم ثلثها .
2 ـ أولاد الميت: إذا اجتمعوا ذكورا وإناثا في الميراث، فللذكر مثل حظ الأنثيين .
3 ـ إخوة الميت وأخواته الأشقاء أو من أبيه إذا وجد منهم ذكور وإناث معا، ولم يكونوا محجوبين بغيرهم : يأخذ الذكر منهم ضعف حصة أخته .
4 ـ الزوجان: يرث الزوج من زوجته المتوفاة نصف مالها إن لم يكن لها ولد، وربع مالها إن كان لها ولد .
وترث الزوجة من زوجها ربع مالها إن لم يكن له ولد، وثمن المال إن كان له ولد.
ومما يجدر التنبيه إليه أن الإسلام حفظ حق المرأة في حياة والدها كما حفظه لها وأكد عليه بالميراث بعد الممات، فنبه الوالد إلى ضرورة تحقيق المساواة في الأعطية بين أولاده من الذكور والإناث في حال مماته، يدلك على هذا ما ورد عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي فَقَالَتْ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا قَالَ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأُرَاهُ قَالَ لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ».
فقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الأعطية التي لا يتساوى فيها الأولاد في حياة الأب ظلما وجورا، وفي هذا دلالة على مدى رعاية التشريع الإسلامي بالأنثى والذكر على حد سواء، دون محاباة أحدهما على الآخر.