نصيب العرب من حضارة العالم
==================
وُجد العرب قبل أن يُعرف اسم العرب . كانت الأمة العربية تقيم أو تترحل بين شبه الجزيرة ووادى النهرين وبادية الشام ومغانى النبط فى شمال الحجاز ولا تُسمى باسمها الذى اشتهر ، على الخصوص ، بعد ظهور الدعوة الإسلامية . ولكنها هى الأمة العربية فى أصولها ومسمياتها لأن الأسماء تولد عادةً بعد مولد صاحبها بزمنٍ يقصر أو يطول . ولم يكن البابليون والكلدانيون إلا عربا ينطقون العربية كما كان ينطقها العرب فى بلادهم المترامية . فأيام الأسبوع من وحى الحضارة العربية التى قسمت الأسبوع الواحد على مطالع الكواكب من الشمس إلى الزُهرة إلى الكوكب السابع - زُحل - أرفع الكواكب فى المدار ، وقد فعلت ذلك منذ أربعين قرنا أو تزيد . إن الأمم الغربية هى التى تحتفظ اليوم بهذا الأثر فى تسمية أيام الأسبوع دون الأمم الشرقية ، وقلما يفهم الأوربيون فى عصرنا أنهم يروون أقوال العرب الأقدمين حين يسمون الأحد بيوم الشمس ، ويوم الاثنين بيوم القمر ، ويسمون الثلاثاء بيوم المريخ ، ويسمون الأربعاء بيوم عطارد ، ويسمون الخميس بيوم المشترى ، ويسمون الجمعة بيوم الزُهرة ، ويسمون السبت بيوم زحل ، ويجعلونه نهاية المطاف .
إن هذا الأثر وحده لخليق أن يبين لنا جملة آثار الحضارة العربية فى أنحاء العالم القديم والحديث وحسب الباحث أن يعلم أن أمم العالم تسمى أيامها بأسماء عربية ليعلم أثر العرب فى التاريخ الإنسانى كله .
وفى الحلقات القادمة سنعلم أن علوم العرب فى الجغرافية والفلك هى صاحبة الفضل الأكبر فى الكشف عن الأمريكتين وابتعاث همم الملاحين إلى الرحلة المجهولة نحو العالم الحديث وأن كولمبس ، مكتشف أمريكا ، اعتمد على خارطة مقتبسة من العرب . وأن الأجرام السماوية أسماؤها عربية وأن الطب والكيمياء عربيان . وحتى فن البناء ذو أصول عربية..فانتظرونا فى الحلقات القادمة .
آخر تعديل سرالختم ميرغني يوم 04-06-2018 في 07:24 AM.
2) العربية تدخل اللغات الأوربية
على أن الحضارة العربية قد ساهمت بنصيبٍ أوفى جدا من هذا النصيب في التاريخ الإنسانى بعد ظهور الدعوة الإسلامية ، ولا حاجة هنا إلى المراجع والأسانيد لأننا قد نستغنى عنها ببضع كلمات عربية لا تزال في لغات الغرب متكررة مترددة حتى اليوم . فهى تدل على تغلغل الحضارة العربية في شئون المعيشة اليومية التي تلازم المرء في داره ، وفى موطن عمله ، كما تلازمه فى جده ولهوه . فكم بلغ من شيوع الحضارة العربية فى معيشة القوم قبل أن يأخذوا من العرب كلمة القميص chemise بحروفها . وكم بلغ من شيوع تلك الحضارة قبل أن يعرفوا الحرير الدمشقى والحرير الموصلى والحرير الغزى بأسماء دمشق والموصل وغزة؟
3) وكم بلغ من شيوعها قبل أن يسموا العود lute والنُقّارة naker والربابة rebec والمفتاح أو الإقليد cle بأسمائها وحروفها العربية المصحفة ؟
وكم بلغ من شيوعها قبل أن يُسموا القهوة باسمها فى لغة الضاد . لا ريب أن شيوع هذه الكلمات "المعيشية" يدلّ على أثرٍ أوسع من ذلك الأثر بكثير ، لأنه يمتد إلى العالم والجاهل ، وإلى المدرسة والبيت ، وإلى ضرورات الكساء والغذاء وأفانين اللهو واللعب ، وليس وراء ذلك من أمدٍ تنتهى أشواط الحضارة إليه . ..والأرقام من عندنا
إلا أن الحروف والأرقام القليلة تُغنى هنا أيضا فوق غناء الأسفار والشروح . لأن الأبجدية برسومها وعلاماتها منقولة إلى الأمم عن طريق العرب . وكذلك الأرقام التي اشتهرت بين القوم بأسماء الأرقام العربية ، ولا سيما رقم "الصفر" الذى تذللت به صعوبات الرياضة القديمة جميعا كأنه علامة من علامات السحر أو (الشفرة) المستعارة من لفظ "الصفر" ومعناه .
4) ولا خلاف بين الباحثين على الرجوع بأوئل الأبجدية إلى حجر "سيناء" المشهور ، أو على سريان الأبجدية إلى بلاد النبط في الشمالى ، وبلاد اليمن فى الجنوب ، ثم سريانها إلى أمم الشرق والغرب من هذين الطريقين . ومهما يكن من رأىٍ في الأصول والنقول فالأمر الذى لا شبهة فيه أن ال A B C D هي أبجد بعينها ، وأن الجيم في الأبجدية مخطوطة على شكل رقبة الجمل ، وهو على هذه الرقعة من الأرض حيوان أصيل في بادية العرب ، ولا يوجد حرف من الأبجدية وحده ما لم يكن مصحوبا بغيره من الحروف ! كولمبس وخرائط العرب
ونترقى من الحروف والأرقام إلى الأسفار والشروح ، فنلخص أثر الحضارة العربية هنا فى سطرٍ واحد فحواه : أن علوم العرب فى الجغرافية والفلك هي صاحبة الفضل الأكبر فى الكشف عن الأمريكتين وابتعاث همم الملاحين إلى الرحلة المجهولة نحو العالم الحديث .
5) فالجغرافية اليونانية القديمة طُويت فى زمان الإهمال والنسيان حتى نشرها العرب ، وأضافوا إليها ما أضافوه من تحقيقات الرحّالين والفلكيين الذين صححوا خطوط الطول والعرض ، وحساب الشروق والغروب ، وأعادوا النظر فى جغرافية بطليموس من الناحية الوصفية ، ولم يعرف الأوربيون هذه الجغرافية إلا من طريق العرب فى المغرب وصقلية ، وعلى واحد من كبار الجغرافيين العرب - وهو الشريف الإدريسى - اعتمد روجو الثانى ملك صقلية فى سبك كرة الأرض ، ورسم معالمها المعروفة .
وشاعت كلمة الخرطة chart منقولة من اللغة العربية ، لأنهم كانوا يرسمون معالم الأرض على خرطةٍ من الجلد قبل شيوع الرسم على الورق ، ومما لا شك فيه أن الخرطة التي اعتمد عليها كولمبس وعرف منها القول بالكروية إنما كانت مقتبسة من معلومات العرب فى الجغرافية والفلك وأقوال الأقدمين والمحدثين .
6) وأجرام السماء عند الغرب أسماؤها عربية
أما الفلك فقد تغنينا فيه كما أغنتنا في غيره بضعة أسماء عربية محفوظة إلى الآن بألفاظها وحروفها للدلالة على أثر الحضارة العربية في معرفة الأوربيين بهذا العلم الجليل .
وحسبنا مثلا كلمة النسر الواقع wega وكلمة سعد السعود sadalsud وكلمة الثور tauri وكلمة الراعى وما جرى مجراها من الأسماء الفلكية للإبانة عما استفاده الأوربيون من العرب في باب العلوم الفلكية والرياضية . ..وفن البناء
وتتصل الرياضة بهندسة البناء كما تتصل بالمنطق والفلسفة من بعض جوانبها النظرية .
والمشهور عن العرب أنهم رحّالون غير بنّائين ولكن الشهرة السماعية شيئ والواقع المشاهد شيئٌ آخر . ومن الواقع المشاهد أن تنظر إلى النخلة وما عليها من السعف ثم تنظر إلى الأعمدة والأقواس المركبة عليها لتعلم الأصل الذى استعيرت منه الأبنية من هذا الطراز ، ولقد وُجدت بعض النقوش الأوربية وفيها آيات من القرآن الكريم ، لأنهم كانوا ينقلون الرسم عيانا ولا يفقهون معناه .
7) أرسطو وابن رُشد
وقد اشتهر في القارة الأوربية لقبان ساطعان في علم المنطق والفلسفة هما لقب الفيلسوف الكبير ولقب الشارح الكبير ، فإذا أطلقوا كلمة الفيلسوف فالمقصود بها هو المعلم الأول أرسطو اليوناني زعيم الفلاسفة المشائين ، وإذا أطلقوا كلمة الشارح فالمقصود بها هو ابن رُشد فيلسوف قرطبة وأستاذ الأساتذة من الفلاسفة الأوربيين إلى فاتحة العصر الحديث .
ويتبع الهندسة والرياضة علم الملاحة الذى يُخيل إلى الكثير من المتعجلين أنه علمٌ بمعزلٍ من الحياة العربية لأنهم لا يعرفون عنها إلا أنها حياة بداوة مترحلة سفينتها الوحيدة ذلك الحيوان الملقّب بسفينة الصحراء .
إلا أن الواقع المشاهد هنا أيضا غير الشهرة السماعية على الأفواه . فإن الملاحة فنٌ عربىٌ عريق ، تمكن به العرب من كشف السواحل الإفريقية واستأثروا فيه - أو كادوا - بقيادة السفن في المحيط الفارسى . تنتظم المئات من السفن وتجرى في البحار الشرقية إلى سواحل الهند والصين . ولا تزال بعض الكلمات "البحرية" عربية الألفاظ مع قليل من التحريف ، ومنها كلمة "فلك" felouque وكلمة طرح السفينة tare ، وكلمة دار الصناعة arsenal ، وكلمة أمير البحر admiral فضلا عما هو متواتر عن نسبة "البوصلة" إلى العرب على اختلاف الأقوال عن أصلها القديم .
وفى الطب يكفى أن يقال إن جامعة "لوفان" لم تعرف إلى القرن السابع عشر مرجعا للطب والعقاقير أوفى من كتب الرازى وابن سينا وابن الهيثم ، وأن أطباء العرب صححوا آراء بقراط وجالينوس فى التشريح ووظائف الأعضاء .
وفى الكيمياء يكفى أن نعلم أن القلويات كلها معروفة باسمها العربىّ إلى اليوم alkali وأن أهم الحوامض _ وهو ماء الفضة _ لم يوصف فى كتاب غربى قبل كتاب جابر بن حيان ، وأن ملح البارود من تحضيرات تلميذ العرب روجرز باكون .