أخذ على عاتقه أن لايبرح منزله الحقير طيلة أيام العيد، لقد قضى فترة لابأس بها دون ان ينظف البيت، بعد طرد ليز العيد المنصرم، لم يعد يثق بأحد، لقد استغلت رجولته وأودعتها غياهِب أنوثتها ثم استغلت معدته الفارغة فأودعتها ألذ أطاييب الطعام وأشهاها، كم يفتقدها الآن، لكنه لن يتنازل ويطلبها من جديد..بدأ برمي ملابسه الرثة في كيس قمامة كبير، ثم بدا بتمزيق كافة أوراقه التي دون فيها ذكرياته عن ليز، يالها من فتاةٍ مشاكسة تلك الخادمة، كانت لها أنامل فنانٍ في رسم الحروف إنها تنقش الحروف كما لو كانت نوتة موسيقية، تحتاج عزفاً منفرداً ليستمتع بلحنه كل ليلة..ـ ما إن انتهى كمُ الأوراق من أمامه، حتى وجد مساحة في الغرفة منحتها اتساعاً ومنحت المكان رونقاً خاصاً رغم انه مازال أول عملية التنظيف.. نظر إلى سريره إنه يحتاج إلى رمي من الطابق الرابع حتى حاوية القمامة أسفل العمارة، لكنه لن يتهور ويخشى أن يذهب بواب العمارة ضحية مغامرته، لذلك قرر أن يتخلص من السرير بوضعه في المصعد ثم الرمي به خارجاً، ما إن تم له ما أراد، عاد ليجد الغرفة أكثر اتساعاً ورونقاً، نظر إلى الستائر كانت بحالة جيدة، لقد استبدلتها ليز قبل أن يستغني عنها، مازال عبق أنفاسها عالقاً بين ثناياها، لذا قرر أن يتركها كماهي باستقبال العيد.. ركن البيانو كان هادئاً جميلاً لايلزمه سوى البدء بمقطوعة موسيقية إحياءً لليلة العيد! سيعاود العزف من جديد بعد رحيل ليز عنه لم يعد يطيق أوتار البيانو، لا يعلم لِم شعر بحنين من نوع خاص بينما كان يتأمل البيانو، كانت تجلس أمامهُ صامتة مُستمتعة بعزفه، هاهي أريكتها ورائحة عطرها، إنه الركن الأنيق الوحيد في منزله الذي لم يعد حقيراً، بعد أن تخلص من محتوياته العاصفة بذكرياتها، لا يعلم كيف بدا له بيته حقيراً!
لقد كانت على قدر هائل من الدهاء، تُتقن فن إشعال حربٍ بين قلبين بكُل ذكاء، حتى يصل لهيب ألسنتها القلوب الحائرة، فتُفجعها بِحمم من كلماتها التي تُهشم أي مشاعرٍ بالمودة! إلا أنها نسيت في زاوية من قلبها مساحة للحُب، لم تستطع اغتيالها، كانت تُحب الحياة أجل، لكنها قاسية على نفسها كثيراً.. اِلتفت حوله، حدق ملياً لقد عاد لمنزله رونقه، وقضى على الروائح العفنة، فتح نافذته المُطلة على النهر، راحت ستائرُ ليز تتمايل وتتمايل، لِيقترِب طيفها منه، وتبدأ باستدراجه إلى عزف مقطوعة كانت تستهويها " ديسباسيبو" يدلّهِمُ المساء وأنامله تواصل العزف بكل رشاقة، بينما طيفها يُداعِب مخيلته كما نحلة رشيقة تتراقص على لحن موسيقاها، وتندمج روعة المساء بروعة اللحن الذي شابه مسحاتٌ حزينة تفتقد ليز التي كانت تغزلُ من صمتها أحلى الألحان، وتلقي بها على شرفات منزله المطل على حافةِ نهرٍ استودعته أسرارها بكافة تفاصيلها ومضت!
التوقيع
سنلون أحلامنا بأسمائكم. فاستريحوا
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 06-16-2018 في 12:05 PM.
قصة رائعة بأسلوب سلس ممتع
سردية سحرية تلفت انتباه القارئ الى أبسط الامور في القصة
والجميل في الامر اختزال الشخوص في شخص واحد صنع الجمال وجعلنا نتصور الشخصيات الاخرى وكانها حاضرة
رقة وجمال في لغتك الراقية
يسعدني ان أقرأ لك دائما
تحياتي
أسلوب قصصي مشوق وأخاذ
ربما استطاع المرء لفظ الماديات من حياته، وهذا سهل!
ولكن ماذا عن المعنويات؟!!
سلمت أناملكم أختي الأديبة عروبة
وشكرا هذا النص الجميل
تقديري والاحترام
أسلوب قصصي مشوق وأخاذ
ربما استطاع المرء لفظ الماديات من حياته، وهذا سهل!
ولكن ماذا عن المعنويات؟!!
سلمت أناملكم أختي الأديبة عروبة
وشكرا هذا النص الجميل
تقديري والاحترام