وفي هذه الأبيات نكتتان بليغتان تدلان على قوة عارضة الشاعر صاحب الفستق المقشر، كما يسمون شعره، ومعرفته بوضع الكلام مواضعه وهما:
1- أن قوافي الأبيات لو أطلقت لكانت كلها مرفوعة.
2- انه جعل التي عرفته من جملة البنات وعرّفت به وشبهته تشبيها يدل على شغفها بحبه هي الصغرى منه ليدل على أنه فتيّ السن بدليل الالتزام إذ الفتية من النساء لا تميل إلا الى الفتى من الرجال غالبا ليدمج في ذلك عذره بالصّبوة وأنه إنما كان منه ذلك في أيام الشبيبة.
- ونكتة ثالثة تربو على جميع ما تقدم وهي في التذييل الذي أخرجه مخرج المثل السائر حيث قال في الحكاية عنها: وهل يخفى القمر ولا يحسب أحد أن الصغرى مالت إليه لغرارتها وضعف عقلها وتقاصره عن التمييز وقلة التجربة، ذلك أنه أخبر عن الكبرى أنها ما كانت تعرفه وقد راقها وشغفها حبا حين رأته حتى لم تتمالك عن التساؤل عنه، أو أنها عارفة به وإنما سألت عنه تغطية لأمرها وتعمية فيه من باب تجاهل العارف، إما إظهارا لفرط التّولّه والتّدلّه في الحب أو لأنها كانت تنتظر أن تجاب باسمه فتلتذ بسمعه، أما الوسطى فقد صرحت باسمه لأن منزلتها في رجاحة العقل وحصافته ورصانة اللب ونزاهته دون منزلة الكبرى فلما سترت الكبرى نفسها بالسؤال عنه لما يقتضيه عقلها صرحت الوسطى باسمه ومعرفته بالنسبة وأبانت الصغرى عما في نفسها منه بوصفها له بصفة تدل على عظم مكانته من قلبها لمكان سنها من الأختين وهذا من عجائب ما يسمع في هذا الباب ولا نحب أن نختم بحث هذا الفن قبل أن نورد بعض الشواهد فمن شواهده قول ديك الجن واسمه عبد السلام بن رغبان:
مرّت فقلت لهـــــــا: تحية مغرم
ماذا عليك من السلام؟ فسلمـــي
قالت: بمن تعني؟ فطرفك شاهد
بنحول جســــــــم قلت: بالمتكلّم
فتضاحكت، فبكيت قالت: لا ترع
فلربّ مثــــــــــل هواك بالمتبسّم
قلت: اتفقنا فـــي الهوى فزيارة
أو موعدا قبل الزيارة قدّمــــــي
فتبسمت خجلا وقالت: يـــا فتى
لو لم أدعك تنام بـــــي لم تحلم
وللبحتري واسمه الوليد:
ونديم حلو الشمائـــــــــــــــل كالد
ينار محض النّجار عذب المصفّى
بتّ أسقيـــــــه صفوة الرّاح حتى
وضـــــع الكأس مائـــــلا يتكفّــــا
قلت: عبد العزيز تفديك نفســــــي
قال: لبيك قلت: لبيك ألفــــا هاكها
قال: هاتهــــــا قلت: خذهـــــــــــــا
قــــــال: لا أستطيعهـــــــا ثمّ أغفى
وحسبنا ما تقدم.