هذه الحروف التى يسخر منها الملحدون ، وغيرها تذكّرنا بزمانٍ بعيدٍ جدا فى الماضى حين علّم الخالق أبانا آدم الأسماء كلها . ومنذ قرنين وعلماء اللّغات والمتخصصون فى الآنثربولوجيا ، وعلم النفس وعلماء التطور يختصمون فى أصل اللغات ومنشئها . ولم يتوصلوا إلى يومنا هذا إلى اتفاقٍ يجيب لنا على الأسئلة : كيف تميز الإنسان من بين جميع المخلوقات بالنطق والبيان ؟ هل التكلم صفة قديمة فى الإنسان أم أنه نشأ وتطور تدريجيا مع تطور نمط حياته ؟...إلى آخر هذه الأسئلة . أما تنوع اللغات ووجود الآلاف منها فى يومنا هذا فهو ليس بإشكال فاللغات واللهجات تتغير وتتباين مع هجرات البشر وتفرقهم فى الأرض وتغير مواطنهم جغرافيا . والآية القرآنية التى تحدثت عن تعليم آدم الأسماء جاءت مباشرة بعد قول الله إنه جاعلٌ فى الأرض خليفة . ونستنبط من ذلك إلى أنه حدثٌ جديدٌ فى الأرض وحدثٌ له أهميته القصوى . ومن المؤمنين طائفةٌ تعتقد بوجود موجات بشرية سبقت سيدنا آدم ، وإذن يكون تعلم آدم الأسماء كلها هو أهم ما ميزه عمن سبقته من أنواعٍ بشرية اقتضت حكمة الخالق إيجادها ، إلى جانب ميزات أخرى عديدة لسنا بصدد الحديث عنها هنا . وهنالك آية فى سورة أخرى تقول " إذ قال ربك للملائكة إنى خالقٌ بشرا من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين " . من انطباعاتى عند قراءة هذه الآية أن جملة ( فإذا سويته ) تتضمن مجموعة عناصر من بينها الإعداد الفسيولوجى لآدم وتهيئته للنطق والتكلم . [ وسنكمل الحديث فى فرصة لاحقة ]
وللإخوة الأدباء ألبير ، مدحت رياض ، د. أسعد ، العمدة ، وهديل الدليمى
بقية المقال :
" فإذا سويته ونفخت فيه من روحى "
هذا هو آدم . ليس كأحدٍ من المخلوقات الأخرى . لا من سبقوه من البشر ، أيا كانت نوعيتهم ، ولا الحيوانات . لم يوصف أحدٌ من المخلوقات بأن الله سواه ونفخ فيه من روحه وإن كان الله قد أحسن كل شيئ صنعا . وهذا يوحى لنا بأن الخالق قد خصّ آدم بمزايا تؤهله لأن يكون خليفة فى الأرض ويكون سيدا لسائر المخلوقات الأخرى .
نعود لموضوعنا " وعلّم آدم الأسماء كلها " فقد خلق الله مراكز خاصة للنطق فى المخ وخلق اتصالا بينها وبين أجهزة الكلام من عضلات الوجه والفم والبلعوم مع جهاز التنفس واللسان والشفتين إضافة إلى مراكز أخرى خلفية يرى البعض أنها مراكز لأدقّ الوظائف السيكلوجية .
هذه الإمكانيات الفنية العالية المستوى لم توهب إلا لخليفة الله فى الأرض . لم ، ولا ينبغى ، أن توهب لقردٍ أو حوتٍ أو زرافةٍ أو أسدٍ أو طائرٍ أو أى كائنٍ من كائنات الدنيا . فالنطق والكلام والتعبير عن النفس نعمة الله الكبرى على أبينا آدم فصار للإنسان لغةً يتحدث بها وأنبأ الملائكة بأسماء هؤلاء ، ولما هبط آدم وحواء من الجنة وسكنا وذريتهما الأرض كانت لهم لغة يتكلمونها .