يا ابن عباس: أخبرنا عن قول الله عزّ وجلّ: (الْخَيْطُ الْأَبْيَضُمِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ).
قال :بياض النهار من سواد الليل، وهو الصبح إذا انفلق.
فهل تعرف العرب ذلك؟
قال :نعم، أما سمعت أمية بن أبي الصلتوهو يقول:
الخيط الأبيض ضوء الصّبح منفلق والخيـــط الأسود لون اللّيل مكموم
(المعاني) الْخَيْطِ الجذر: خيط الأصل: خَيْط معناها بالإنجليزية: the thread
· الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ﴿١٨٧البقرة﴾بياض النهار من سواد الليل.
· خيط:الخيط معروف، وجمعه خيوط، وقد خطت الثوب أخيطه خياطة، وخيطته تخييطا. والخياط: الإبرة التي يخاط بها، قال تعالى: ﴿حتى يلج الجمل في سم الخياط﴾]الأعراف/40[، ﴿حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر﴾]البقرة/187]، أي: بياض النهار من سواد الليل.
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ هُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ،وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ: هُوَ الْمُعْتَرِضُ فِي الأفق، لا الذي هو كذنب السرحان، فإنه الفجر الكذاب الَّذِي لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ. وَالْمُرَادُ بِالْخَيْطِ الْأَسْوَدِ: سَوَادُ اللَّيْلِ،وَالتَّبَيُّنُ :أَنْ يَمْتَازَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْفَجْرِ.
قال ابن عجيبة (1/216) من البحر المديد: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ شبَّه أول ما يبدو من الفجر المعترِض في الأفق، بالخيط الأبيض، وما يمتد معه من غَبَشِ الليل، بالخيط الأسود.
ولم ينزل قوله تعالى: مِنَ الْفَجْرِ إلا بعد مدة، فحمله بعض الصحابة على ظاهره، فعمد إلى خيطٍ أبيض وخيط أسود فجعلهما تحت وِسادته، فجعل يأكل وينظر إليهما، فلم يتبيَّنا، ومنهم عَديُّ بنُ حاتم،قال: فغدوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فضحِك،وقال:»إِنك لَعَرِيضُ القَفا، إِنَّمَا ذلِكَ بَيَاضُ النَّهَارِ وسَوَادُ اللَّيْلِ«، والحديث ثابت في البخاري وغيرِه. واعترضه الزمخشري بأن فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وذلك لا يجوز، لما فيه من التكليف بما لا يطاق.
وأُجيب بأنه ليس فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وإنما فيه تأخير البيان لوقت الحاجة، وهو جائز .
وبيان ذلك أنه لمّا نزل قوله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون مُرادَ الله منهما، واستمر عملهم على ذلك، فكانت الآية مُبينة في حقهم لا مُجْمَلة.
وأما عَدِيّ بن حاتم فكان بَدَوِيّاً مُشتغلاً بالصيد، ولم يكن فيه حُنْكَة أهل الحاضرة،فحمل الآية على ظاهرها ولذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: »إنك لَعِرَيضُ القَفا «فنزلت الآية تُبين لعدي مُرادَ الله عند الحاجة إلى البيان.
مع أن السيوطي ذكر في التوشيح خلاف هذا ونصه: قال بعضهم: كأنَّ عديّاً لم يسمع هذه اللفظة من الآية لأنها نزلت قبل إسلامه بمدة، وذلك أن إسلامه كان في السنة التاسعة أو العاشرة، بعد نزول الآية بمدة،قال: علَّمنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والصيام،فقال:»صلّ كذا، وصم كذا، فإن غابت الشمس فَكُلْ حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فأخذ الخيطين « ... .الحديث.
فقال له- عليه الصلاة والسلام: »ألم أقل لك من الفجر؟ « فتبين أن قوله في الحديث: فأنزل الله مِنْ الفجر:من تصرُّف الرواة. هـ. مختصراً، فهذا صريح في أن الآية نزلت بتمامها مبينة فلم يكن فيها تأخير، والله تعالى أعلم.
وفي(مجاز القرآن لأبي عبيدة)الخيط الأبيض هو الصبح المعروف، والخيط الأسود هو الليل،والخيط: اللون(1 / 68).
واقتصر الفراء في معناها على حديث من سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: هو الليل من النهار(1 / 114) .
ونقل الطبري اختلاف أهل التأويل فيه على قولين. أنه ضوء النهار بطلوع الفجر من سواد الليل .
وقال آخرون :هو ضوء الشمس من سواد الليل. وأوْلاهما بالصواب عنده القول الأول، وقوله تعالى(مِنَ الْفَجْرِ)، يعني حتى يتبين الخيط الأبيض من الفجر، وليس ذلك هو جميع الفجر.