يا ابن عباس: أخبرنا عن قول الله عزّ وجلّ: (ثَقِفْتُمُوهُمْ) .
قال:حيث وجدتموهم.
قال:وهل تعرف العرب ذلك؟
قال:نعم، أما سمعت حسان بن ثابتوهو يقول:
إمّا تثقفنّ بنو لؤيّ جذيمة إنّ قتلهم دواء
(المعاني) ثَقِفْتُمُوهُمْ الجذر: ثقف الأصل: ثُقِفُ معناها بالإنجليزية: you find them
· ثَقِفْتُموهُمْ﴿٩١النساء﴾وجدتموهم
· ثقفتموهم﴿١٩١البقرة﴾ثقفتموهم: أدركتموهم، وجدتموهم، وظفرتم بهم. و الثَّقف: الحذق في إدراك الشيء و فعله.
· ثقفالثقف: الحذق في إدراك الشيء وفعله، ومنه قيل: رجل ثقف، أي: حاذق في إدراك الشيء وفعله، ومنه استعير: المثاقفة (هي الملاعبة بالسلاح)، ورمح مثقف، أي: مقوم، وما يثقف به: الثقاف، ويقال: ثقفت كذا: إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر، ثم يتجوز به فيستعمل في الإدراك وإن لم تكن معه ثقافة. قال الله تعالى: ﴿واقتلوهم حيث ثقفتموهم﴾ ]البقرة/191]، وقال عز وجل:﴿فإما تثقفنهم في الحرب﴾ ]الأنفال/57]، وقال عز وجل: ﴿ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا﴾ ]الأحزاب/61[.
في الوسيط 1/409 لطنطاوي: ثَقِفْتُمُوهُمْ:أدركتموهم وظفرتم بهم.يقال:ثقف الشيء إذا ظفر به ووجده على جهة الأخذ والغلبة ومنه رجل ثقف إذا كان سريع الأخذ لأقرانه. قال الشاعر:
فإما تثقفونـــي فاقتلوني فمن أثقف فليس إلى خلود
ويقال- أيضا- رجل ثقف:إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور.
والمعنى: عليكم أيها المسلمون أن تقتلوا هؤلاء الذين إذنا لكم بقتالهم حيث وجدتموهم وظفرتم بهم، فأنهم قد بادءوكم بالعدوان، وتمنوا لكم كل شر وسوء. اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ حيث وجدتموهم في حل أو حرم.وأصل الثقف: الحذق في إدراك الشيء علماً كان أو عملاً. فهو يتضمن معنى الغلبة. ولذلك استعمل فيها قال:
فأمَّا تَثْقِفُونــــي فَاقتُلُونـي فَمَنْ أُثْقُفْ فَلَيْسَ إلى خُلُودِ
· ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜ ﱝﱞﱠ .
· والنساء 91: ﭐﱡﭐﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘﱠ .
· ومعهما الفعل الماضي مبيناً للمجهول في آيتي: آل عمران 112 في الفاسقين من أهل الكتابﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﱠ .· والأحزاب 61 :في المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمرجفين في المدينة ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﱠ .
· وجاء الفعل مضارعاً،في آيتي: الأنفال 57:ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﱠ .
· والممتحنة 2:ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﱠ.
وهذه الكلمات الست، هي كل ما في القرآن من المادة.
حرصتُ على نقل آياتها جميعاً، ليتضح سياقها في القتال، والعداوة. فتفسيُرها بـ: وجدتموهم، لا يفوتنا معه ملحظ اختصاص الكلمة بهذا السياق، في كل آياتها بالقرآن، وكذلك في الشاهد الشعري من همزية حسان - رضي الله عنه.
وقد فسرها الطبري - ولم يذكر فيها خلافاً - بـ: اقتلوهم حيث أصبتم مقاتلهم وأمكنكم قتلهم. وهو معنى(حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)ومعنى الثقفة بالأمر الحذق به والبصر. يقال:إنه تقِف لقِف. إذا كان جيد الحذر بصيراً بمواقع القتل. فأما التثقيف فمعنى غير هذا وهو التقويم. فمعنى الآية، اقتلوهم في أي مكان تمكنتم من قتلهم وأبصرتم مقاتلهم(2111)ومعنى الكلمة عند الفراء: اسرتهم(1 / 414). وردَّ "الراغب" الكلمة في آيات آل عمران والأنفال والأحزاب، إلى معنى الحِذق والإدراك(المفردات) .
وابن الأثير فسرها بالفطنة والذكاء في حديث الهجرة: "وهو غلام لِقنٌ ثقف"وفي حديث أم حكيم بنت عبد المطلب: "إني حصانٌ فما أُكَلَّم، وثقاف فما أعلَّمُ" وأخذه من التثقيف والإصلاح في قول السيدة عائشة أم المومنين تصف أباها: "وأقام أًوْدّها بثقافِه" تعني أنه سوَّى عوج المسلمين،وأما في حديث: "إذا ملك اثنا عشر من بني عمرو بن كعب كان الثقف والثقاف" ففسرهما ابن الأثير بالخصام والجلاد(النهاية).
والعربية تعرف في المادة معنى الفطنة، في الثقافة بمعنى الحذق. وتقول:ثَقِفَ فلاناً، إذا أخذه وظفر به أو أدركه.
كما تعرف الثَّقاف بمعنى الخصام والجلاد،مأخوذاً من الثقاف: ما تُسوى به الرماحُ تهيئة للجِلاد.
وغير بعيد أن نلمح في آيات(ثقف)في القرآن، دلالة فطنة المأخذ وإدراك العدو وجلاده. ويتضح الفرق بينها وبين(وجد)إذا ذكرنا مع ما تقدم من استقراء لمواضع استعمال الكلمة في سياق العداوة والقتال، أن القرآن وإن استعمل(وجد)في السياق نفسه،في آيتي:(النساء 89) في المنافقين ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﱠو(التوبة 5) في المشركين:ﱡﭐﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﱠ إلا أن " وجد" تأتي كثيراً في البيان القرآني في غير هذا السياق،أذكر منها آيات: يوسف: ٩٤ ﭧﭐﭨ
· ﱡﭐﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﱠ.
· والكهف 36 ﱡﭐﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱠ .
· و طه 10ﱡﭐﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﱠ .
· والجن 22ﱡﭐﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﱠ.
· والمزمل 20 ﭐﱡﭐﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑ ﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﱠ.
· والضحى خطاباً للرسول عليه الصلاة والسلام:ﱡﭐﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﱠ .
مما يؤنس إلى أن(وجد)أعم في الدلالة من(ثقف)التي تأخذ في العربية دلالة الثقافة والثقاف، وتأتي في البيان القرآني بملحظٍ من فطنة للعدو، وبصرٍ بموضعه ومأخذه. . . والله أعلم.