الرواق المنهجي..
....
هي إشارات سريعة تربوية، تناسب المقام هنا..
أوردها من كتاباتي التي ألتزم بها جادة القوم،
او اقتطفها من ومضات إخواني السالكين ذات الدرب..
إذ العلم رَحِمٌ بين أهله..
وأرجو لهذه الإشارات وتلك الومضات أن تعني بالتأصيل المعرفي المبنى علي نسق منهجي واضح وقواعد كلية منضبطة،
حررها ونقحها وصححها الأولى سبقوا ممن اختُصوا برسم الطريق الصحيح الذي وصل إلينا من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين..
ونرجو الله ألا نتنكب صراطهم وأن نحترز بحرزهم، ونغترز بغَرزهم من غير خطأ ولا خطل..
ونسأل الله تعالى الإعانة علي القصد، والاعتدال في الأمر، والاخلاص في القول، والإصابة والسداد
...
لا يُنزَع المِراءُ إلا من نفوسٍ زكيَّةٍ انتُزِعَ منها الغِلّ،
ووجود الغِلِّ في النفوس هو مِراءُ الباطن، وإذا انتُزِع المِراء من الباطن ذهَب من الظاهر أيضا،
وقد يكون الغِلُّ في النفس مع من يُشاكلها ويُماثلها؛ لوجود المنافسَة.
ومن استقصَى في تذويب النفس بنار الزَّهادة في حُظوظها انمَحى الغلُّ من باطنه،
ولا تبقَى عنده منافسة دنيوية في حظوظٍ عاجلةٍ فانية.
وقد امتنَّ الله على أهل الجنة، فوصَفهم بقوله:
" ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين".
وجاء في الأثر: يدخلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن،
حتى إذا توافَوا وتقابَلوا نَزَعَ اللهُ ما في صدورهم في الدنيا من غلٍّ
، وذلك من أعظم النِعم؛ لأنه بانقطاع التحاسُد وزوال التنافُس تنحسِم مادّة الشَّرّ.
-----------------------------
- شيخ الإسلام أبو حفص السُّهْرَوَرْديّ، بتصرف
لابد لك من طريقة (صحية ) تعبد الله بها،
وليست ثمة طريقة متاحة للعوام أمثالنا الا ما استلمه اللاحق عن السابق واتفقت عليه كلمة اهل العلم ،بل وأجمعوا..
وهذه هي قسمة الله،
(فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون..)
فقسمت الآية الناس إلى قسمين:
- اهل ذكر أي علم (مجتهدين) يستنبطون حكم الله بما آتاهم الله من فضله وهؤلاء ( فرضهم الاجتهاد)
- و (مقلدين) لا طاقة لهم بمعرفة كل هذه الأحكام ودقائقها و ( فرضهم التقليد)
وليس ثمة قسم ثالث
والتظاهر باتباع الإسلام مجردا عن المذاهب الأربعة المشتهرة او اتباع الكتاب والسنة؛ لا ينضبط مع من ليس لديهم من العلم الكافي والبناء الفقهي وتحرير القواعد والعلم بالمقاصد والاستقراء والدراية الواسعة بعلوم المعقول والمنقول وسائر العلوم التي تتعلق بفهم الشريعة وفقه تناولها وصياغة أحكامها..
قال الشيخ عليش المالكي في "فتاويه" (1/109):
"وأمر عوام الناس باتباع الكتاب والسنة كلمة حقّ أريدَ بها باطل؛ إذ مراده ترك المذاهب المتبعة وأخذ الأحكام من الكتاب والسنة بلا واسطة، وهذا ضلال ، والأمر به أدلُّ دليل على الجهل؛ إذ من المعلوم لكل أحد أنّ النصوص منها المنسوخ ومنها المردود لطعنٍ في رواته، ومنها ما عارضه أقوى منه فتُرِك ، ومنها المطلق في محل وقد قُيِّد في محل آخر، ومنها المصروف عن ظاهره لأمر اقتضى ذلك، ومنها ومنها... ولا يحقق ذلك إلا الأئمة المجتهدون، و أعظم ما حُرِّرَ من مذاهب المجتهدين مذاهب الأئمة الأربعة المتبعين؛ لكثرة المحققين فيها، مع سَعة الاطلاع، وطول الباع. فالخروج عن تقليدهم ضلال، والأمر به جهل وعصيان".
جزيت كل الخير يا استاذ ياسر وزادكم علما وتوضيحها الحمدلله على منة الإتباع اتباع نبيه العظيم وصحابته الكرام وثم التابعين وثم أصحاب المذاهب الأربعة المعتبرة وأتباعهم الكرام المهتدون ومن قال غير ذلك فقد ابتدع هدانا الله وهداهم .
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد فتحي عوض الجيوسي
جزيت كل الخير يا استاذ ياسر وزادكم علما وتوضيحها الحمدلله على منة الإتباع اتباع نبيه العظيم وصحابته الكرام وثم التابعين وثم أصحاب المذاهب الأربعة المعتبرة وأتباعهم الكرام المهتدون ومن قال غير ذلك فقد ابتدع هدانا الله وهداهم .
اسعدك الله حبيبي الاستاذ محمد
تشجيعك الذي فاض فكفى ووفي لا تسعه كلمات الشكر
جزيت الجنة...
منشور طويل..
مهم في كف النفس عن اعتساف القول في العلم فرحا ببعض قراءات مزجاة لا تقيم أود صاحبها او تصلح لإلزامه الجادة..
....
هل كنتَ ملتزمًا ، ثم صرتَ مُمَيّعًا !
....
قال لي صاحبي – وهو يحاورني - :
عشت زمانًا طويلًا على أن هناك أشياء محرمة قولًا واحدًا ، أو محرمة على الراجح ، فلما ابتلينا بهذا الأزرق عرفنا جماعة من أفاضل الشيوخ ، حكوا لنا خلافًا فيما كنا نظنه إجماعًا ، وأحلوا أشياء كنا نظنها محرمة ، فلم نعد ندري ما نفعل ؟
قلتُ : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، اللهم إنا نعوذ بكَ أن نحلَّ ما حرمتَ ، أو نحرم ما أحللت ، اللهم إنا نعوذ بكِ من تضييع شرعكَ ، وتهوين أمركَ ، اللهم إنا نعوذ بكَ من طغيان العلم ، ونعوذ بكَ من شؤم الجهل ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا وأنت تجعل الحزن إن شئت سهلًا .
أما بعدُ ؛ فرضي الله عنكَ صاحبي ، وهنا عدة إشكاليات ، وهي طائفتان ،
- إشكالية تتعلق بفهمكَ لتصرفات المفتين والمحررين للمسائل الشرعية ،
- وإشكالية تتعلق بالطريقة التي تلقيت بها الأحكام في أكثر الخطاب الإفتائي المعاصر .
....
الإشكالية الأولى :
سوء الفهم المؤدي إلى التترس بالخلاف .
بعض العامة إذا سمعوا عالمًا من العلماء يحكي خلافًا في مسألة فروعية معينة ، يظن أنه من حقه أن يتترس بهذا الخلاف في مواجهة من ينكر عليه إتيان المحرم .
فإذا أنكر عليه غيرُه أمرًا معينًا ، ردَّ عليه قائلًا : (يا أخي المسألة فيها خلافٌ) !
وهذا الردُّ خطأ في نفسه ؛ إذ وجود الخلاف ليس مما يُجَوِّز لكَ إتيان ما تعتقد تحريمه ، نعم يا أخي ، هناك خلافٌ في المسألة ، حسنًا ، أنتَ ما اعتقادُك ؟!
إن كنت مقلدًا لقول من أجاز .. فقل :
(إني أفعل كذا ؛ تقليدًا لفلانٍ المجيز) ، وتنتهي القضية ، ولا إنكارَ عليكَ ، على تفصيل سنورده بإذن الله بعد قليل .
وإن كنتَ مقلدًا لقول من حرَّم ، فلا يجوز لك إتيان الفعل ، بل مما ينبغي أن تحمد صنيع أخيك الذي أنكر عليك .
صحيحٌ ؛ العوام لا إنكار لهم في مسائل الخلاف ، ولكن نصَّ أهل العلم على أن هذا مخصوص بما إذا كان المنكَرُ عليه مجتهدًا أو مقلدًا لقول من أباح ، أما إذا كان المنكَر عليه معتقدًا للتحريم فإنه ينكر عليه .
ولذلك ذكر الزركشي [في المنثور في القواعد ج3/ص364] وغيره أن المنكَر عليه إذا كان يعتقد التحريم جاز الإنكار عليه ، كحنفي يلعب الشطرنج ؛ إذ إنه يعتقد تحريمه ، فيجوز الإنكار عليه ، بخلاف ما لعبه شافعيٌّ ؛ إذ إنه لا يعتقد تحريمه [ما لم يلعبه مع حنفي مثله يعينه على محرم في اعتقاد الحنفي]
الحاصل : أن وجود الخلاف في نفسه ليس مما يجوز لكَ إتيان المحرم تترسًا بوجود خلافٍ في المسألة .
هذه هي الإشكالية المتعلقة بكَ يا صاحبي ،
أما باقي الإشكاليات فهي متعلقة بالخطاب الإفتائي المعاصر المتوجه إليك ، وهذه الإشكاليات لا تشكل ظواهر فقهية في هذا الخطاب [ركز في هذين السطرين الله يسترك] ، هذه الإشكاليات [كمان مرة] لا تشكل ظواهر فقهية في هذا الخطاب ، ولكن لأنها صُدِّرَتْ في مسائل فروعية طبولية كان لها من الأثر العميق في نفوس العامة .
الإشكالية الأولى :
تصدير الفقه التوحيدي للعامة (فقه القول الواحد) :
لا شكَّ أن المفتي لا يجب عليه أن يبين الخلاف للمستفتي ، ولكن في الخطاب الإفتائي الإعلامي المعاصر ، تجد أن بعض المفتين ينصر قولًا معينًا ، مشدِّدًا النكير على القول المقابل ، مكيفًا الخلاف على أنه ضعيف غير معتبر ، أو نافيًا وجوده أصلًا ، فإذا نظرت إلى القول الذي ينصره المفتي وجدته قولًا مخالفًا لفهوم جماهير المجتهدين ، لم يقل به إلا طائفةٌ من آحاد الظاهرية .
مثالٌ : يسأل شيخ معينٌ عن حكم النمص – ودعني أمثل لكَ بالطبوليات – فيقول : (كل إزالة لشيء من شعر الحاجب محرمة ، بل يترك الحاجب على حاله ، لعن الله النامصات والمتنمصات ، ولم يقل أحدٌ من العلماء بجوازه بإذن الزوج ولا بغيره ، هذا قول بعض المعاصرين) .
هذا الذي قال به المفتي – على ما فيه من الجهل بمذاهب أهل العلم في عين المسألة – لم يقل به – حقًّا إلا الظاهرية ، أما هو فنصره وكأنه ينصر قول جمهور العلماء ،
أما الأحناف في معتمدهم فالحديث محمولٌ عندهم على ما إذا تبرجت بالنمص للأجانب [كما في حاشية ابن عابدين ج6/ص373] ،
والمالكية حملوا الحديث على المعتدة [كما في حاشية العلامة العدوي على الكفاية ج2/ص459] ،
والشافعية حملوا الحديث على ما إذا كان بغير إذن الزوج [كما في النهاية ج2/ص25] ،
والحنابلة في معتمدهم حصوره في النتف ، أما الحلق والقص فليس بنمص محرم [كما في الإنصاف ج1/ص99] ،....
فبأي المذهب الأربعة قال الشيخ ؟! لم يقل بشيء منها ، وإنما قال بقول الظاهرية .
يا أيها الشيخ الجليل ، قل ما شئت ، قل : محرم ، قل : حلال ، ولكن لا تتجرأ على مذاهب أهل العلم قبل الرجوع إلى كلام أهل العلم في المسألة ، ولا تتشنج في مسألة خلافية المذاهب الأربعة فيها على خلاف قولك .
الإشكالية الثانية :
القطع في مواضع الظن :
كثير من المتصدرين للخطاب الإفتائي المعاصر لا يفرقون بين مواضع القطع ومواضع الظن ،
فيقطون في مواضع الظن ، ويجعلون الظاهر نصًّا ، فأسهل شيء أن يقول : (هذا نص قاطع في كذا) .
مثالٌ : يسأل الشيخ عن حكم حلق اللحية ، فيقول : (حلق اللحية حرامٌ ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أعفوا اللحى) ، وهذا نصٌّ قـــــاطعٌ في وجوب إعفاء اللحية) .
وهذا القطع راجع في غالبه إلى البضاعة المزجاة في علم أصول الفقه ، فهذا النص الذي ادعى الشيخ أنه قاطعٌ في كذا : يردُ عليه – في ذهن المجتهد - من حيثية واحدةٍ أكثرُ من ستة وثلاثين احتمالًا عند علماء أصول الفقه ، انتبه هذا من حيثية واحدة ، وثم حيثيات أخرى ترد منه الاحتمالات ، فأين القطعية الدلالية في النص.
فستقول لي : هذا باب تمييع لنصوص الشريعة ، بورود الاحتمالات ، فما من نص إلا والاحتمال وارد عليه ؟
أقول لكَ : لا عليك صاحبي ، انتبه إلى الحيثية في كلامي التي تغفل عنها دائمًا ، الكلام هنا من حيث ورود الاحتمالات على النص الشرعي في ذهن المجتهد لا من حيث لزومية العمل ، فبعض هذه الاحتمالات ضعيفٌ واهٍ ، وبعض قوي مقارب ، وقوة هذا الاحتمال أو ذاك نسبية تختلف باختلاف أنظار المجتهدين .
فإن قلتَ لي : ماذا تريد إذن ؟ أتريد أن يقول للناس : (افعلوا ما شئتم) ؛ إذ النص ذو احتمال ؟!
أقول لك : لا ، لا أريد ذلك ، ولا يقول به مسلمٌ ، بل يقول الشيخ ما شاء ، فإن حرم فهو موافق لمعتمد السادة المالكية والحنابلة، وإن كره كراهة تنزيه فهو موافق لمعتمد السادة الشافعية ، ولكن الخطأ في تكييفه للنص ، فالصواب أن يقول : (هذا نص ظاهر في كذا) ، ومن لا يفرق بين النص والظاهر لا يجوز له الإفتاء .
فإن قلتَ لي : بل النص انتقل من ظنية الدلالة إلى قطعية الحكم ؛ بالإجماع الذي ساقه ابن حزم على حرمة حلق اللحية .
أقول لك : لا إجماع في المسألة ، وأخطأت في النقل على ابن حزم ، بل ساق ابن حزم إجماعًا على عدم الجواز ، ولم يسق إجماعًا على الحرمة ، وثم فرق ، وهذا إشكالٌ من إشكالات أربعة على هذا الإجماع المظلوم ليس هذا وقت تحريرها .
الإشكالية الثالثة : حكاية إجماعات وهمية :
مثالٌ : يسأل الشيخ عن حكم النقاب فيقول : (النقاب – عندي – فرضٌ قولًا واحدًا) .
هذا الكلمة – عند من عقلها – إجماعٌ ، وهذا إجماع عجيب ، بل جمهور العلماء على خلاف ما يقول به الشيخ ، وكأنه لم يطالع تصنيفًا فقهيًّا شافعيًّا فيرى جمهور المتقدمين على جواز أن ينظر الرجل إلى وجه الأجنبية من غير شهوة .!
اتفق مع هذا أو اختلف يا صاحبي ، لكن لا تحكي إجماعًا وهميًّا ، فلا المتقدمون أجمعوا ، ولا المتأخرون أجمعوا .
الإشكالية الرابعة :
التخويف بفهم السلف :
يسأل الشيخ عن مسألة من مسائل العلم ، فيرجح قولًا معينًا ، ثم يقول : (وهذا هو فهم السلف للمسألة) ، ثم إذا به يأتي بأثر صحابي يشهد لقوله .
مثالٌ مكرر للحاجة : يقول الشيخ : (إسبال الإزار محرم على الرجال ؛ وفهم السلف يدل على ذلك فإن عمر أنكر على الشاب الذي دخل عليه في مرضه إسباله إزاره) .
وهذا المسلك فيه نظر من وجهين :
الوجه الأول :
أن وجود أثر عن صحابي في المسألة لا يعني أن هذا هو فهم السلف جميعًا ، حتى ولو كان بمحضر جماعة من الصحابة الكرام ، على تحرير يعلم من محله في كتب أصول الفقه .
الوجه الثاني :
أن الأثر الذي ذكره الشيخ من أقوى ما يستدل به على الكراهة التنزيهية لا الحرمة ؛ إذ في استعمال عمر رضي الله عنه لصيغة التفضيل دلالةٌ واضحةٌ على ذلك ، كما لو قلت : «زيد أتقى من خالد» ؛ فإنك لا تنفي التقى عن خالد ، وإنما تثبت فضيلة لزيد على خالد في التقي ، فكذلك أثبت عمر رضي الله عنه فضيلة لحال تقصير على الإزار على إسباله ، فالأثر في الحقيقة دالٌّ على الكراهة التنزيهية لا التحريمية .
الوجه الثالث :
أن غير عمر رضي الله عنه من الصحابة قد ثبت عنه ما يؤيد القول بالكراهة التنزيهية ، فإن صدق حقًّا أن فهمًا للسلف يحكى فلتكن الحكاية للكراهة التنزيهية لا الحرمة ، والصحابيان هما ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما .
• فقد ثبت عن أبي إسحاق السبيعي أنه قال : (رأيتُ ابنَ عبَّاس - رضي الله تعالى عنه - أيام منى طويل الشعر ، وعليه إزار فيه بعض الإسبال ، وعليه رداء أصفر) ، وإسناده حسن كما قاله الهيثمي في المجمع ، وقد سبق التفصيل فيه في منشور سابق .
. • وثبت عن أبي وائل أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يسبل إزاره ، فقيل له ، فقال : «إني رجل حمش الساقين ، وإسناده جيد كما قاله الحافظ في الفتح .
فالحاصل أنه لا يصح الاحتجاج بفهم السلف في المسألة إلا إذا تحقق فعلًا أن هذا هو فهم السلف ، لا فهمك أنت أيها الشيخ لكلام السلف .
الإشكالية الخامسة :
تجرئة العوام على الإنكار في الخلاف :
لا خلاف بين العلماء أن المجمع عليه يشرع لكل أحدٍ إنكاره .
أما مسائل الخلاف فليس للعامة إنكارٌ فيها ، قال النووي رحمه الله في (الروضة) (ج10/ص219): (وإنما يأمر وينهى من كان عالمًا بما يأمر به وينهى عنه ، وذلك يختلف بحسب الأشياء ، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها ، وإن كان من دقائق الأقوال والأفعال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام الابتداءُ بإنكاره ، بل ذلك للعلماء) .
ويستثنى من عدم إنكار العامة ثلاث صور :
الصورة الأولى :
أن يكون للمُنْكِر حقٌّ يتعلق بعَيْن المنكَر عليه ، فيجوز له أن ينكر عليه ، كأن يمنع الزوج الشافعيُّ زوجته الحنفية من شرب النبيذ .
الصورة الثانية :
أن يكون المنكَر عليه معتقدًا للحظر ، فإن كان معتقدًا للحظر وأتى الفعل أنكر عليه ، كأن يتزوج شافعي بلا ولي مثلًا ، أو أن يعلب حنفي الشطرنج ، فهذا ينكر عليه ؛ لأنه معتقد لتحريمه .
الصورة الثالثة :
أن يكون مأخذُ مذهبِ المنكَرِ عليه ضعيفًا بعيدًا ، وبُعْدُه إنما يكون بمخالفته نصًّا قطعيًّا أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا .
يقول الزركشي في «المنثور» (2/140) : «لم يزل الخلاف بين السلف في الفروع ، ولا ينكر أحدٌ على غيرِه مُجَتَهَدًا فيه ، وإنما ينكرون ما خالف نصًّا أو إجماعًا قطعيًّا أو قياسا جليًّا » .
وهذه الصورة الأخيرة من أكثر الصور التي يزل فيها الناس ؛ إذ ينكر العامي ويقول : (نعم ، أعلم الخلاف ، ولكنه غير معتبر) .
وهذا كلام عجيب غريب من وجوه :
1. تكييف خلافٍ معين بأنه سائغ أو غير سائغ إنما مرده إلى أهل الاجتهاد لا إلى العوام .
2. ومعيار تكييف الاجتهاد : قوة المدرك وضعفه.
3. يقصد بالقوة هنا : «ما يوجِب وقوفَ الذهن عندها وتَعَلُّقَ ذي الفطنة بسبيلها لا انتهاض الحجة بها ؛ فإن الحجة لو انتهضت بها لما كان أحدٌ من المجتهدين مخالفًا لها
4. . النظر إنما هو إلى المدارك لا إلى أعيان المجتهدين ، «فمن قوي مدركُه اعتد بخلافه وإن كانت مرتبته في الاجتهاد دون مرتبة مخالفه ، ومن ضعف مدركه لم يعتد بخلافه وإن كانت مرتبته أرفع ، وربما قوي مدرك بعضهم في بعض المسائل دون بعض ؛ بل هذا لا يخلو عنه مجتهد .
5. قوة المدرك وضعفه : «مما لا ينتهي إلى الإحاطة به إلا الأفــــــــــــــراد ، وقد يظهر الضعف أو القوة بأدنى تأمل ، وقد يحتاج إلى تأمل وفكر ، ولا بد أن يقع هنا خلافٌ في الاعتداد به ناشئًا عن المدرك قوي أو ضعيف .
..
بعد كل هذا أقول لكَ كلمة أخيرة :
سواءٌ أظهر لكَ الخلافُ أم لم يظهر ، علمت الحرمة أو الكراهة ، الفرضية أو الاستحباب ، فأهل المحبة مع الله لا يفرقون ، أهل المحبة مع الله لا يفرقون ، أهل المحبة لا يفرقون .
اللهم إنا نعوذ بكَ أن نحلَّ ما حرمتَ ، أو نحرم ما أحللت ، اللهم إنا نعوذ بكِ من تضييع شرعكَ ، وتهوين أمركَ ، اللهم إنا نعوذ بكَ من طغيان العلم ، ونعوذ بكَ من شؤم الجهل ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا وأنت تجعل الحزن إن شئت سهلًا .
اللهم إني أعوذ بكَ أن أجهل ، أو يجهل عليَّ !
....